افتتاحية: التطبيع جريمة سياسية بإصرار مسبق

افتتاحية: التطبيع جريمة سياسية بإصرار مسبق

ما نعنيه بالتطبيع هو مختلف العلاقات التي يقيمها النظام القائم ببلادنا ومعه جميع الأطراف المغربية مع الكيان الصهيوني ومختلف ممثليه وخدام مصالحه.

ترمي هذه العلاقات الى الاعتراف بشرعية وجود هذا الكيان وب”حقوقه” التي اغتصبها من شعب فلسطين وبترسيم علاقات التعاون المشترك بين الدولة وهذا الكيان ضدا على مطامح شعبنا في التحرر من السيطرة الإمبريالية ووضعية الاستعمار الجديد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية.

علاقات التعاون مع الكيان الغاصب ليست وليدة اليوم، بل كانت من ثوابت سياسة النظام منذ السنوات الأولى للاستقلال الشكلي. الجديد فيها اليوم هو خروجها للعلن وتعميمها بشكل شامل. كل مكونات الشعب ببلادنا تعتبر التطبيع جريمة سياسية في حق الشعب الفلسطيني لأن النظام القائم منح المصداقية للسياسات الصهيونية المطبقة ضد إرادة الشعب الفلسطيني المكافح من اجل استقلاله وحقه في تقرير المصير. كما تعتبر القوى المناضلة ببلادنا التطبيع جريمة سياسية في حق شعبنا، لأنه تم الزج ببلادنا في تحالف بغيض إلى جانب الكيان والامبريالية الأمريكية والأنظمة الرجعية ضد إرادة شعوب منطقتنا التي تكافح من اجل تقرير مصيرها ومن اجل استكمال معارك الاستقلال والتحرر الوطني.

يعلم النظام القائم بقبح الجريمة التي يرتكبها وبخطورتها على مستقبل شعوب منطقتنا التي ربطتها علاقات الأخوة والانصهار التاريخي في النضال من اجل مستقبل مُشرق ومشترَك تتحقق فيه كل الطموحات المشروعة والتي قامت عراقيل عديدة من اجل إجهاضها، ومنها غرس شوكة الكيان الصهيوني في خاصرة منطقتنا. إن الأنظمة القائمة بمنطقتنا تعلم أن مستقبلها مرتبط بدرجة علاقتها بهذا الكيان الصهيوني المجرم. لذلك نراها تسارع من اجل الإذعان والخنوع لاملاءاته وأوامر راعيته الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى يتم تعويم مسؤولية هذه الجريمة السياسية يسعى النظام القائم ببلادنا إلى دفع كل مكونات الدولة للانخراط كل من موقعها ومن تخصصها لتشارك في التطبيع وتتحمل جزء من المسؤولية في الجريمة. بات مقياس الولاء للنظام هو درجة الانخراط في التطبيع. بات مقياس الانتماء للوطن وللإجماع الوطني، هو درجة المساهمة في التطبيع. بات باب الترقي الاجتماعي وسهولة الحصول على المنافع وإكراميات الريع السياسي هو درجة خدمة التطبيع.

فإذا كانت الأغلبية المزعومة، قد ساهمت في نقل التطبيع من خانة السر إلى العلن فان ما يسمى المعارضة بالبرلمان رفضت أن تُهمَّش وان يقال عنها انها لم تشارك في التطبيع. بل هي تزايد على الأغلبية المخزنية بأنها ستلعب دور السفير شعبيا وخارجيا لتدعم الكيان الصهيوني المحاصَر في بعض الأوساط اليسارية والتقدمية.

أمام هذه الوضعية المتفاقمة في الساحة السياسية ببلادنا والتي أصبح موضوع التطبيع شأنا داخليا يمس بالدرجة القصوى طبيعة العلاقات الاجتماعية والسياسات المطبقة والاختيارات الكبرى للنظام القائم، يلزمنا التأكيد بأن مناهضة التطبيع وتجريمه لم يعد موضوعا خاصا بالعلاقات الخارجية والاهتمام بشؤون شعوب بعيدة جغرافيا عن حدود بلادنا. إن التطبيع أصبح بفعل ما يحققه للأنظمة المطبعة مع الكيان الصهيوني هو الموجة الجديدة من سياسة الاستعمار الجديد، إنه يوفر الحماية الجديدة التي طبقت في السابق والتي بواسطتها طبقت سياسة الاستعمار الجديد كانت الأنظمة والنخب المحلية هي الراعية والضامنة للمصالح الاستعمارية في ظل موجة الكفاح التحرري الذي خاضته الشعوب ساعتها. نفس الخطة تطبق اليوم لإجهاض السيرورات الثورية المندلعة بمنطقتنا منذ شرارة البوعزيزي بتونس.

فضح طبيعة الجريمة السياسية التي يشكلها التطبيع والنضال من اجل تجريم كل المطبعين ومن اجل تحصين نضالات وكفاح شعبنا من تسرب كل القوى المطبعة علنا وسرا، يعتبر أكبر وأجَلُّ خدمة نقدمها لشعبنا ومعه الشعب الفلسطيني المكافح.