من وحي الأحداث: أفريقيا وسؤال الاستعمار الغير مباشر
أفريقيا وسؤال الاستعمار الغير مباشر
بعد الانقلاب العسكري في النيجر وما اثاره من ردود الافعال المتشنجة من طرف الامبريالية الفرنسية والانظمة السائدة في المنطقة والتابعة لفرنسا، بدات تطرح اسئلة عن التوجه العام الذي تعرفه الساحة السياسية بافريقيا وهذا الاهتمام المتزايد من طرف القوى الامبريالية على الصعيد العالمي. فاذا كانت بلدان شمال افريقيا عرفت هزات اجتماعية انطلقت مع الثورة التونسية التي استطاعت ان تطيح براس النظام التونسي بنعلي الذي فر الى السعودية وتبعتها الموجة الثانية بمصر وليبيا ثم في المغرب والجزائر لتنطلق موجة ثورية اشد واقوى بالسودان فان العديد من البلدان الأفريقية شهدت حركة سياسية من نوع مختلف تمثلت في سلسلة من الانقلابات العسكرية تولى من خلالها ضباط متوسطون او صغار مقاليد السلطة السياسية.
والسمة المميزة لهذه الانقلابات هو طابعها الشعبوي أو ما تدعيه انحيازها للشعب ضد الأنظمة الفاسدة. إنها الموجة الثانية من الانقلابات العسكرية التي تأتي بعد موجة الانقلابات التي كانت تدبرها القوى الامبريالية المهيمنة بأفريقيا. ان هذه السلسلة الجديدة من الانقلابات تشبه الى حد بعيد تجربة انقلابات الضباط الأحرار بالعراق ومصر وسوريا واليمن والسودان وليبيا. إنها انقلابات عسكرية ضد تعفن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بهذه البلدان الأفريقية حيث بلغ النهب الامبريالي الفرنسي اخطر الدرجات وأصبحت شعوب هذه البلدان تعيش الفقر والجهل والتخلف والجوع بينما ثروات بلدانها تهرب الى اوروبا وامريكا الشمالية.
لا يفوتنا هنا في هذا العرض المركز التتويه بان افريقيا الغنية بالثروات الطبيعية فوق سطح الارض وفي باطنها وفي بحارها اصبحت ساحة صراع محموم للقوى العظمى قديمها وحديثها. تسعى هذه القوى الى اعادة اقتسام افريقيا وتوزيع مناطق النفوذ وهذا ما يفسر التواجد الروسي والصيني في مناطق الصراع هذه وهذا ما يفسر التغيرات الحاصلة في علاقات التحالف التي تبرم بين الانظمة العسكرية الجديدة والسماح لمظاهر الترحيب الشعبي بروسيا والصين في مظاهرات مؤيدة للانقلابيين في النيجر او مالي وغيرهما.
وعلى صعيد القوى التقدمية والشيوعية بإفريقيا فإننا نطالع مواقف تندد بالجرائم الامبريالية الفرنسية والغربية بصفة هامة والمتابعة الحذرة لمجريات الصراع الدولي المتعلق بمجريات إعادة اقتسام النفوذ بين القوى الامبريالية القديمة والحديثة وهناك من القوى من يعبر صراحة بانشغاله بالخطر الذي يتهدد بلدانها لان الاستقلال وتقرير المصير يفرض احترام ارادة هذه الشعوب وهو الأمر الذي يداس في عدة مناطق من افريقيا مثل ما يجري في السودان وغيره من بلدان أفريقيا التي رزحت لعدة قرون تحت نير الاستغلال والاضطهاد.
إن شعوب أفريقيا تعرف مرحلة حساسة من تجاربها وهي المتعلقة بمرحلة التحرر الوطني وإنهاء مرحلة الاستعمار الغير مباشر أو الخروج من فترة الاستقلال الشكلي. ومن المؤكد أن هذه الشعوب ستطرح السؤال السديد والذي تستطيع الإجابة عليه ولنا ثقة كبيرة في حكمتها سدادة رأيها لما تتخذه وبما يلزم من الحزم والقوة.