كلمة الميدان: العدالة ومحاكمة مجرمي الحرب في السودان

كلمة الميدان: العدالة ومحاكمة مجرمي الحرب في السودان
إنّ الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية، والقاضي بإدانة علي محمد علي عبد الرحمن المعروف بـ(علي كوشيب) بإرتكاب سبعٍ وعشرين تهمة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور، يمثل خطوة مهمة في طريق العدالة الدولية ومسار نضال الضحايا لعقودٍ من أجل الحقيقة والإنصاف. هذه الإدانة ليست مجرد واقعة قانونية، بل هي شهادة دامغة على حجم المأساة التي عاشها شعبنا في دارفور، وعلى أن الجرائم الكبرى لا تسقط بالتقادم ولا تُمحى بمرور الزمن أو بتبدّل الوجوه في السلطة.
لكنّ العدالة لا تكتمل بمحاكمة فردٍ واحد، بل بمحاسبة كامل المنظومة التي صنعت المأساة وموّلتها وحمتها — من قادة النظام البائد إلى من واصلوا طريقه بوجوهٍ جديدة وشعاراتٍ زائفة. فالذين حرقوا القرى بالأمس، هم أنفسهم من أطلقوا الرصاص على المعتصمين أمام القيادة العامة، وهم اليوم شركاءٌ في حربٍ جديدة تواصل جرائم الإبادة والإنتهاكات في دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة وغيرها.
إنّ فضّ الاعتصام جريمة لا تقل بشاعة عن جرائم دارفور، وما زال دم الشهداء يطالب بالقصاص العادل. كما أنّ ما يجري اليوم من جرائم حرب وإنتهاكات إنسانية بين شركاء علي كوشيب أنفسهم يكشف إستمرار الإفلات من العقاب وتواطؤ البيروقراطيات العسكرية والطفيلية التي تتقاسم الدم والثروة والسلطة على حساب الوطن والمواطن.
نؤكد أنّ العدالة الحقيقية هي تلك التي تنبع من إرادة الشعب، لا من قاعات المحاكم وحدها؛ عدالة تقتلع جذور القمع والتمييز، وتبني دولة القانون والمواطنة المتساوية، حيث لا أحد فوق المساءلة، ولا حصانة لقاتلٍ أو فاسدٍ أو متواطئٍ في الجرائم ضد الإنسانية.
إنّ محاكمة علي كوشيب يجب أن تكون بداية لا نهاية، وأن تفتح الطريق لمحاكماتٍ وطنية ودولية تطال كل من تلطخت أيديهم بدماء السودانيين، في دارفور، وفي القيادة العامة، وفي الحرب الراهنة. فشعب السودان الذي أسقط الطغيان بثوراته، قادر على أن ينتزع أيضاً حقه في العدالة، كاملةً، غير منقوصة.