افتتاحية: حراكات الشباب ودور القوى المناضلة

افتتاحية: حراكات الشباب ودور القوى المناضلة



حراكات الشباب ودور القوى المناضلة

نقصد بالقوى المناضلة تلك التي تناضل ضد السياسات المخزنية اللاشعبية في كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والحقوقية، وضد الحكم الفردي المطلق الذي يستبد بالقرار ويُغيّب الإرادة الشعبية. وهي بالتسمية القوى التقدمية والديمقراطية والحية الرافضة للاستبداد والفساد والافتراس والتطبيع. إن نضال هذه القوى وإن كان قد حقق تقدما مهما في النضال لدعم فلسطين والمناهضة لسياسة التطبيع من خلال «الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومقاومة التطبيع» خاصة منذ عملية «طوفان الأقصى» ل 7 أكتوبر 2023، فإنه على المستوى الاجتماعي عرف هذا النضال ترهلا سياسيا غير مقبول وتشتتا غير مستساغ في ظل هجوم كاسح للنظام المخزني وحكومته الرجعية على الحقوق والمكتسبات الشعبية في الميدان الاقتصادي والاجتماعي من خلال الخوصصة المفترسة (الصحة والتعليم في المقدمة) ومن خلال الهجوم على الحقوق والحريات (الحق في الاضراب – الحريات العامة – الحق في التنظيم…) ومن خلال انسداد الآفاق في التشغيل وتحسين الأوضاع الاجتماعية، مما جعل أغلب الشباب يعتبرون أن الحركة النقابية بفعل البيروقراطية في القيادة وضعف المبادرة الجريئة في الغالب أو (بفعل الانخراط في لعبة «السلم الاجتماعي» في ظل الحرب الطبقية على العمال والكادحين) والأحزاب السياسية (وهنا نتحدث عن الأحزاب المناضلة وليس الأحزاب الإدارية والرجعية) بفعل ضعف المبادرة الموحدة والفعالة هي نفسها، كما يرى الشباب، لا يمكن الرهان عليها لتحريك الشارع العام بعد أن بلغ الغضب أوجه وطال الانتظار.

إن حراكات الشباب (حراك جيل Z) تمثل عملية فيض ضروري وإيجابي لدق الخزان ولايقاظ القوى المناضلة وجعل توقيتها النضالي ينسجم مع روح الشارع وإرادة الشباب وحراكه، لا بالتضامن والدعم وبإدانة القمع والسياسات الرسمية فقط، فذلك دائما محبذ ومطلوب، لكن بالارتقاء كذلك بالفكر السياسي للقوى التقدمية والديمقراطية والحية لمستوى ضرورة المرحلة في خلق ميزان قوة يسمح. بتشكيل أوسع جبهة شعبية للنضال ضد الاستبداد والافتراس والفساد والتطبيع مع كيان الإجرام الصهيوني. رغم التضحيات، لقد فوتت القوى السياسية التقدمية والديمقراطية والحية لحظة حركة 20 فبراير بفعل رهان البعض على التغيير من فوق وبفعل بعض عوامل الكبح وبعض القرارات والتناقضات الغير مبررة والتي لم تأخذ بالحسبان أن اللحظات التاريخية للتغيير لا تتكرر بشكل إرادوي، وأن مشروعية القوى المناضلة نفسها مرتبطة كذلك بمدى قدرتها على اتخاذ القرارات المناسبة في اللحظة التاريخية والسياسية المناسبة والمتلائمة مع ترمومتر النضال المجتمعي. إن جيل الشباب بين على استعدادات هائلة للنضال، لهذا فإن التحدي هو مواجهة محاولات كبحه بالقمع والمحاكمات والتخويف أو محاولات تحريف مساره النضالي عن طريق «المؤثرين» المخدومين ليبراليا لإفراغ نضال الشباب من كل مضمون فعال، أو لمحاولة جعل هذا الحراك مجرد «تنفيس عابر» ليس له أثر على التغيير الملموس والمطلوب على مطالب الشباب ومطالب المجتمع. لتتحمل القوى التقدمية والديمقراطية والحية مسؤوليتها التاريخية والسياسية أمام إرادة التغيير في المجتمع، ولنكن جميعا في مستوى إرادات الشباب ونداءاته وطاقاته الخلاقة، ولنحول اللحظة إلى لحظة أمل استراتيجي لتجاوز الترهل والإحباط المتكرر، ولفتح الطريق نحو تغيير جذري يليق بتطلعات المجتمع وتضحيات الجماهير الشعبية والقوى المناضلة ووفاء لأرواح شهداء النضال من أجل الديمقراطية الكاملة لشعبنا ومن أجل التنمية الشاملة المتحررة من السيطرة الامبريالية والصهيونية ومن بورجوازية الافتراس.