كلمة الميدان: ثمنُ التسوية الأمريكية… مدفوعٌ سلفاً
كلمة الميدان:
ثمنُ التسوية الأمريكية… مدفوعٌ سلفاً
تأتي زيارة وليّ العهد السعودي إلى البيت الأبيض، عقب التصويت على المشروع الأمريكي المتعلق بحرب الإبادة في غزة، لتؤكد أن دول الخليج ومصر شرعت في الإنخراط النشط ضمن المخطّط الأمريكي الرامي إلى إعادة تشكيل الإقليم وفق ما يُعرف بـ “الهبوط الناعم”؛ أي تثبيت الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، وترسيخ التحالف بين واشنطن والأنظمة العربية والكيان الصهيوني.
وفي هذا السياق تكتسب التحركات الأمريكية المرتبطة بالحرب الكارثية في السودان معناها السياسي الواضح. فالإمبريالية الأمريكية، ومعها حلفاؤها الإقليميون – السعودية ومصر والإمارات – وإن إختلفت مصالحهم المباشرة، يتحركون جميعاً نحو هدف واحد: إجهاض مسار التغيير الجذري في السودان، وفرض نظامٍ مدني تابع، يضمن المصالح الأمريكية ومن بعدها مصالح العواصم الثلاث.
منذ إندلاع الحرب، لم تتوقف الإدارة الأميركية عن إطلاق التصريحات المتلاحقة وعقد جولات التفاوض — من جدة إلى سويسرا وصولًا إلى إجتماعات الرباعية في نيويورك — في سلسلة تحركات لا تُخفي جوهرها: إدارة الأزمة لا حلّها، والتحكم في مساراتها بما يخدم الإستراتيجية الأميركية في المنطقة. وقد بلغت المهزلة ذروتها حين إدّعى الرئيس الأميركي أنه “سيهتم” بالأزمة السودانية إستنادًا إلى ما سمّاه “معطيات” و”نداءات” ولي العهد السعودي، في خطاب يفيض بالرياء السياسي وإستثمار مأساة السودانيين. ويتضح المقصد أكثر في الحديث المتكرر عن “المعادن النادرة”، وهو تعبير لا يحتاج إلى تفسير: فالمقصود ليس الثروات المعدنية وحدها، بل أيضًا ما يمتلكه السودان من موقع إستراتيجي وأراضٍ زراعية خصبة وثروات مائية وحيوانية – وهي مجتمعةً تشكّل أحد الدوافع الأساسية وراء هذا الحراك الأميركي-السعودي
وهكذا يتبين أن ثمن التسوية الأمريكية المطروحة مدفوعٌ سلفاً، ومن ثروات السودان تحديداً.
وبالتوازي، تكثفت التحركات الإقليمية المرتبطة بالملف السوداني عبر زيارات مكوكية لمدير المخابرات المصرية تلتها زيارة وزير الخارجية، في مسعى واضح للضغط على البرهان وزمرته للقبول بالمبادرة الأمريكية. وفي المقابل، لم تتردد قيادة مليشيا الدعم السريع في إعلان قبولها الفوري بالمبادرة ذاتها، في تجسيدٍ صريح لحجم الإصطفاف الإقليمي خلف المخطط الدولي الجاري ترتيبه لبلادنا.
لقد أكدنا مراراً وتكراراً أن الحرب ليست صراعاً داخلياً فحسب، بل مخططٌ إقليمي/دولي/إمبريالي يستهدف إضعاف الدولة السودانية، وتهيئة بيئة التفكيك والتقسيم، وإستنزاف ثروات البلاد، وإنتهاك السيادة الوطنية – بمشاركة قوى داخلية ظلت تعادي ثورة ديسمبر منذ أيامها الأولى وحتى الآن.
إن هزيمة المؤامرة على السودان وعلى ثورته يبدأ من توحيد وتنظيم قوى الثورة في أداتها الجماهيرية الحقيقية: الجبهة القاعدية الجماهيرية، وتصعيد نضالها من أجل وقف الحرب، وإستعادة مسار الثورة، وتحقيق تطلعات الشعب، وطيّ صفحة الحروب والمليشيات إلى غير رجعة.

