فشل تصفية الثورة السودانية ومحاولات النيل من صمود الجماهير متواصلة

فشل تصفية الثورة السودانية ومحاولات النيل من صمود الجماهير متواصلة

Soulaymane-hamed-elhaj فشل تصفية الثورة السودانية ومحاولات النيل من صمود الجماهير متواصلة
سليمان حامد الحاج


تعليقات في السياسة الداخلية*

لا.. لانتخابات تستهدف تصفية الثورة

• فشل تصفية الثورة:

فشلت كل المحاولات التي مارسها المكون العسكري (اللجنة الأمنية لنظام شريحة طبقة الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة) لتصفية ثورة ديسمبر 2018م المجيدة. جرب تصفية الاعتصامات وعلى رأسها اعتصام القيادة الذي أُغرقت ساحته بالدماء في مجزرة بشعة غير مسبوقة في تأريخ السودان القديم والحديث. ومورست فيها كل الأفعال الشاذة البعيدة عن الأخلاق البشرية والتي لا تمارسها إلا الكلاب الضالة. ولم تستطع كل أساليب القمع للمسيرات المليونية السلمية أن يوقف من تكرارها وتصاعدها كل أدوات القمع من غاز مسيل للدموع وقنابل حارقة ورصاص حي، وتصاعدت وبلغت استعمال المدافع المضادة للطائرات بإطلاقها للرصاص القاتل والمحرم استعمالها دولياً ضد المظاهرات السلمية. تصور مدى البشاعة والحقد على شعب السودان والعمل على قتله بهذا الأسلوب الشنيع. إنه لم يسبقهم عليه أي نظام ديكتاتوري في تأريخ الثورات التي نعلمها.

كذلك داس شابات وشباب السودان بكل كبرياء وشمم على كل أساليب الإغراء والإغواء المستميتة لتركيع لجان المقاومة التي يعلمون أنها تمثل رأس الرمح في الدفاع عن الثورة.

تصاعدت كل محاولات تصفية الثورة حتى بلغت حد الانقلاب العسكري لتركيع شعب السودان وإخافته بالقهر والقمع والبطش بإعلان حالة الطوارئ وحل الاتحادات والنقابات. وعمل على الاستقواء بسدنة النظام الطفيلي بإعادة من تم فصلهم إلى العمل خاصة في المراكز الحساسة في الخدمة المدنية، وتجميد عمل لجنة تصفية التمكين بحجة مراجعة أدائها، وإعادة النظر في المحكمة التي تنظر في محاكمات قيادات النظام الإخواني الذين نفذوا انقلاب يونيو 1989م العسكري واستولوا عبره على السلطة.

وللإبقاء الحريص على النظام الطفيلي بكل مكوناته رفضوا هيكلة القوات المسلحة وقوات الأمن والشرطة والخدمة المدنية، وفوق ذلك رفضوا تكوين المجلس التشريعي بحجة أنه سينزلق إلى الإضرار بالخدمة المدنية وفقاً لتصريحات البرهان للصحف. وعدم تصفية المليشيات وعلى رأسها الدعم السريع نزولاً عن رغبة حميدتي. والتلكؤ في تكوين المؤسسات العدلية وقياداتها العليا.

هذه وغيرها من الممارسات فشلت فشلاً ذريعاً في تصفية الثورة أمام صمود شعب السودان وبسالة وإصرار شاباته وشبابه البواسل على مواصلة مسيرة الثورة حتى تحقق أهدافها، رافعين عالياً شعاراتها (حرية سلام وعدالة) (لا للانقلابات.. يسقط حكم العسكر) (لا تفاوض، لا مشاركة، لا مساومة). إنها شعارات تؤكد عمق الوعي بالهدف والإصرار على مواصلة تنفيذه مهما بلغت التضحيات، مقدمين المئات من الشهداء والجرحى، قرباناً ومهراً للثورة. إنه الوعي المصمم على الاستفادة من تجارب الثورات الماضية التي وقفت عند الإطاحة بقيادة النظام فقط دون تصفية مكوناته واقتلاع دولته العميقة من الجذور.

أمام هذا التصميم الذي أجبر المجلس العسكري على إنكار انقلابه الدموي ووصفه بأنه ليس انقلاباً ل (تصحيح مسار) عمل على خداع شعب السودان بإعادة حمدوك إلى رئاسة الوزراء ليكون أشبه بالهنبول الذي يوضع في وسط المزارع لتخويف الطيور، بينما هو لا يهش ولا ينش، فكشف حمدوك عن أنه ليس سوى رهينة لضمان استمرار المعونات والقروض من الدول الرأسمالية الحريصة على استمرار النظام القديم وفقاً لتصريحات حميدتي.

لقد كشف شعب السودان كل أقنعة الزيف والخداع التي مورست لسرقة ثورته التي سارت بسيرتها الرهبان في كافة أنحاء العالم وأصبحت قدوة يحتذى بصمودها وجسارتها واستعداد شاباتها وشبابها بل وأطفالها للتضحية والاستشهاد حتى النصر.

• الانتخابات.. أحد السيناريوهات المستبطنة لتصفية الثورة:

السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح أشد هو: كيف تجرى انتخابات ديمقراطية نزيهة في ظل نظام عسكري ديكتاتوري فرض نفسه على حكم شعب السودان بالانقلاب الدموي؟!

وفي ظل عدم ثقة من جماهير شعب السودان التي فقدت الثقة في نزاهته لقتله المئات من أبنائه وبناته في كل أنحاء البلاد. والعديد من الأسئلة التي تفرض نفسها موجهة أيضاً للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، رئيس البعثة السياسية (يونيتامس)، السيد فولكر بيرتس، الذي صرح في إحاطة كاذبة خدع فيها مجلس الأمن الدولي بقرب انتهاء الأزمة السودانية. وإجراء انتخابات في موعد أقرب من ذلك المقرر في يوليو 2023م، رابطاً ذلك بمستحيلات أقرب للغول والعنقاء والخل الوفي، عندما يشير إلى تنفيذ رفع حالة الطوارئ المعلنة منذ 25 أكتوبر، وإطلاق حرية التعبير، وقدرة رئيس الوزراء على تكوين حكومة تكنوقراط بحرية (لاحظ بحرية) افتقدها حمدوك عندما رفضت قراراته القاضية بإعادة النظر في الفصل والإعادة التي نفذها البرهان عند انقلابه.

ويؤكد فولكر (أن إجراء الانتخابات ممكن في موعد أقرب من المخطط له، خلال الأشهر القليلة القادمة.)

لم يكتفي هذا الفولكر بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، عندما دعى لجان المقاومة للاجتماع به، وهو يعلم أن هذه اللجان رفضت الاجتماع بِحمدوك لعدم الثقة فيه بعد أن ركع تحت أقدام العسكر وصافح الأيدي الملطخة بدماء الشهداء من رفاقهم، لم يقف فولكر عند ذلك الحد وحسب، بل نصب نفسه مشرعاً وداعية لانتخابات متعجلة في الأشهر القليلة القادمة، ومن حقنا أن نسم هذه الدعوة بأنها تصب في مواعين الداعين للهبوط الناعم، وأن موقف فولكر هذا ليس بعيداً عن موقف سان أمبيكي الذي كان منحازاً بكل ما أوتى من تبريرات وخداع لحكام دولة شريحة طبقة الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة، وهي مبررات مشكوك في نزاهتها وحيادها ومصداقيتها.

• الأسئلة التي نوجهها لفولكر بيرتس هي:

كيف تتم انتخابات ديمقراطية نزيهة في ظل قوانين الطوارئ، وفي ظل عدم الاستقرار والانفلات الأمني السائد في معظم أنحاء البلاد خاصة ما يشهده غربها من معارك شملت العديد من مدنه وراح ضحيتها المئات من القتلى والآلاف من الجرحى؟ كيف تتم انتخابات في ظل هروب الآلاف من المواطنين خوفاً من الحرب والصراع الدائر هناك إلى البلدان المجاورة؟ كيف تتم انتخابات في الشرق مع تتريس وإغلاق الطرق المؤدية من وإلى موانئ السودان؟؟ كيف تتم انتخابات خلال الأشهر القليلة القادمة على حد قولك، وكل شعب السودان مصمم على الحراك الثوري المليوني في كل ولايات ومدن بل وأحياء البلاد؟ ومصمم على تنفيذ مطالبه العادلة والمشروعة عبر الوقفات الاحتجاجية والمطلبية التي لم تتوقف طوال سنوات؟ كيف تتم انتخابات خلال أشهر قليلة بدون إجراء تعداد سكاني كشرط لازم لتحديد عدد الدوائر الانتخابية والناخبين؟ كيف تتم انتخابات مع وجود الدولة العميقة للرأسمالية الطفيلية التي لا زالت تحكم قبضتها على معظم مفاصل الدولة والاقتصاد، الشيء الذي يؤهلها لتزييف إرادة الناخبين؟

من حقنا أن نسأل المستر فولكر بيرتس، ما هي الدوافع والأسباب التي تجعلك تتقاضى عن كل هذه الأسباب والعوائق الموضوعية التي تجعل إجراء انتخابات، ليس في الأشهر القليلة القادمة كما ذكرت، وحسب بل حتى في الفترة المقررة في العام 2023م بدون إزالة هذه العوائق التي تقف عقبة كأداء تحول دون إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة. وهذا يجعلنا أيضاً نشك في مصداقية الدوافع التي حدت بك لتصوير واقع مخملي لمجلس الأمن يتناقض تماماً مع الواقع في السودان ويصفه بما ليس فيه.

• الذين فقدوا ثقة الشعب هم من يدعمون إجراء انتخابات عاجلة ومزيفة:

إنهم أرباب الهبوط الناعم الذين وضعوا كل آمالهم في تحقيق مصالحهم الطبقية رهن المشاركة مع نظام شريحة طبقة الرأسمالية الطفيلية المتأسلمة في الحكم، اندلاع الثورة هو الذي حال دون سقوطهم في ذل المستنقع النتن. إلا أنهم وبدافع وضع مصالحهم الطبقية الخاصة فوق مصالح الشعب والوطن، قابلوا قادة انقلاب المجلس العسكري بالأحضان، وقبلوا اشراكه في السلطة مزيفين إرادة الشعب عبر تزييف وتعديل الوثيقة الدستورية.

هؤلاء هم أرباب الهبوط الناعم الذين فقدوا ثقة الشعب ويدعمون قيام انتخابات عاجلة ومزيفة.

• الحزب الشيوعي لا يخشى خوض انتخابات تجرى في جو ديمقراطي وتتسم بالنزاهة:

نقول هذا لكل الذين يرددون أن الحزب الشيوعي يرفض إجراء الانتخابات خوفاً من السقوط.

لقد أوضحنا في الأسطر الماضية لماذا يرفض الحزب الشيوعي إجراء انتخابات في الجو السائد في البلاد. وأكدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في اجتماعها بتأريخ 10 ديسمبر 2021م، أن قيام انتخابات عامة في ظل الوضع الانقلابي هروب إلى الأمام، وأن اسقاط النظام وقيام الحكم المدني الديمقراطي هو الشرط لقيام انتخابات.

إننا نؤكد عدم خشية الحزب الشيوعي من خوض الانتخابات استناداً على الانتخابات التي خاضها من قبل:

كانت أصوات مؤيدي الحزب الشيوعي في انتخابات عام 1958م 5,000 (خمسة ألف صوت) فقط. ارتفعت في انتخابات 1965 إلى 6 أضعاف- أي 20,516 صوتاً.

ففي 54 دائرة (14 منها في المدن و40 في الريف) ترشح فيها 18 باسم الحزب الشيوعي و4 باسم العمال و3 باسم المزارعين ومستقلين، نال الحزب الشيوعي ومن يؤيدهم من العمال والمزارعين والمستقلين 73,103 صوتاً تمثل 17,13% من مجموع الناخبين في تلك الدوائر، بينما نال مرشحو جبهة الميثاق الإسلامي في ذات الدوائر 26,652 صوتاً بنسبة 6,3%.

هذا التطور له دلالة عميقة وواضحة، فتلك الدوائر تقع في مناطق الإنتاج الحديث.

وفي دوائر الخريجين نال الحزب الشيوعي 63,662 صوتاً بنسبة 34,7% من مجموع الناخبين محرزاً فوز 11 مرشحاً بينما نالت جبهة الميثاق الإسلامي 49,790 صوتاً بنسبة 27,1% وأحرزت فوز 2 مرشحاً. وأحرز الحزب الوطني الاتحادي 45,854 صوتاً بنسبة 25% محرزاً فوز 2 مرشحاً.

من هذه الأرقام يتضح أيضاً أن متوسط الأصوات التي نالها مرشحو الحزب الشيوعي هي 4244 صوتاً، أي أنها أكثر من الحد الأدنى للأصوات اللازمة للفوز وهو 3841 صوتاً. ومتوسط أصوات مرشحي جبهة الميثاق 3319 صوتاً، وهي بذلك أقل من الحد الأدنى للفوز. أما متوسط أصوات مرشحي الحزب الوطني الاتحادي فهو 3059. وهذا يعني أن مرشح قائمة الحزب الشيوعي يفوق في المتوسط مرشح جبهة الميثاق الإسلامي بـ1185 صوتاً. وهذا فرق كبير بالنسبة لدوائر الخريجين.

أكثر من 90% من أصوات السودانيين بشرق أوروبا ذهبت للحزب الشيوعي السوداني. وأكثر من 60% من أصوات السودانيين في امريكا ممن يعرفون جحيم الرأسمالية كانت من نصيب الحزب الشيوعي.

إن ما يؤكد تصاعد أصوات المؤيدين للحزب الشيوعي هو أنه نال في انتخابات 1958م 850 صوتاً فقط في 3 دوائر انتخابية هي ام درمان والخرطوم والخرطوم بحري بينما الحزب الاتحادي الديمقراطي 32,107 صوتاً.

أما في انتخابات 1965م قفزت الأصوات التي نالها الحزب الشيوعي في ذات الدوائر هي 20,486 صوتاً.

أما في دائرة ام درمان الجنوبية التي كانت تعتبر حكراً تقليدياً للسيد اسماعيل الأزهري، والتي نافسه فيها السيد عبدالخالق محجوب عثمان السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني، حصل إسماعيل الأزهري في عام 1965 على 43,5% من مجموع اصوات المقترعين مقابل 71% حصل عليها عام 1958. وحصل عبدالخالق محجوب على 35,5% في انتخابات 1965.

وفي الانتخابات التي جرت في العام 1968 والتي نافس فيها السيد أحمد زين العابدين في ذات دائرة اسماعيل الأزهري، فقد اكتسحها الأمين العام للحزب الشيوعي عبدالخالق محجوب عثمان (راجع الكتاب عن الانتخابات الذي أصدرته دار الفكر الاشتراكي-الخرطوم 10 يونيو 1965).

إننا في الحزب الشيوعي السوداني على ثقة تامة بأن المواقف المبدئية الحازمة لحزبنا في كافة القضايا المنحازة للشعب والوطن منذ تأسيسه هي التي ستمنحه ثقة الشعب في أي انتخابات قادمة.

إننا ندعو جماهير شعبنا، إلى الالتفاف حول نداء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الداعي إلى مواصلة وتصعيد النضال لإسقاط النظام وقيام الحكم المدني الديمقراطي والذي هو الشرط لقيام الانتخابات.


* عن الميدان 3868،، الثلاثاء 14 ديسمبر 2021م.