مواصلة الثورة السودانية حتى تحقيق أهدافها
تاج السر عثمان
مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها
أشرنا سابقًا إلى أن مواكب 30 يونيو 2022 كانت نقطة تحول مهمة لإسقاط الانقلاب، مما يتطلب مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها، رغم القمع الوحشي وسقوط شهداء وإصابات وحملات اعتقال، فلقد عبرت الحشود والسيول البشرية التي خرجت في المواكب عن التنوع في القوى والفئات التي شاركت، وأكدت من جديد وحدة المشاركين فيها غض النظر عن العمر أو اللون أو الدين أو المعتقد السياسي والفلسفي وتصميمهم على إسقاط الانقلاب الدموي، ومواصلة المقاومة بمختلف الأشكال: اعتصامات الأحياء والمواكب والإضرابات في مجالات العمل والدراسة، والوقفات الاحتجاجية، ومحاصرة الانقلاب في الخارج… الخ حتى الانتفاضة الشعبية الشاملة التي بدأت تتخلق الآن في ربوع بلادنا ووصولًا للإضراب السياسي العام والعصيان المدني لإنهاء حكم العسكر واستعادة الحكم المدني الديمقراطي، والخروج نهائيًا من دوامة الانقلابات العسكرية، بتحقيق الديمقراطية الراسخة بمحتواها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، في دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع، وتحسين الأوضاع المعيشية، ودعم السلع الأساسية والدواء والوقود ومجانية التعليم والصحة والخدمات، وتحقيق السيادة الوطنية، والخروج من أسر التبعية والمحاور الخارجية وقيام علاقات خارجية متوازنة، ووضع الدولة يدها على ثرواتها وأراضيها وموانئها، وتفكيك التمكين واستعادة أموال البلاد وأصولها المنهوبة، والقصاص للشهداء، وتصفية مليشيات الدعم السريع والكيزان وجيوش الحركات، وقيام الجيش القومي المهني الموحد، وعودة كل شركات الدعم السريع والجيش والأمن والشرطة لولاية وزارة المالية، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وإلغاء اتفاق جوبا والحل الشامل والعادل في السلام، وحل المليشيات وعودة النازحين لقراهم وتعمير مناطقهم، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، وعودة المستوطنين الأجانب لبلدانهم، وطرد الجنجويد القتلة والمرتزقة نهائيًا من دارفور والبلاد عمومًا، وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية التي تفضي للتغيير الجذري.
أعادت مواكب 30 يونيو زخم ثورة ديسمبر التي كانت تحولًا نوعيًا لتراكم كمي طويل من المقاومة الباسلة لشعب السودان ضد نظام الانقاذ الفاشي الدموي لحوالي 30 عامًا التي عبرت عنها الهبات والاضرابات والمظاهرات، والاعتصامات التي واجهها النظام بإطلاق الرصاص الحي مما أدر إلى مئات الشهداء كما حدث وسط الطلاب وأبناء البجا وكجبار والمناصير وهبة سبتمبر 2013 ويناير 2018، وشهداء التعذيب الوحشي في سجون وبيوت أشباح النظام، والألاف المشردين من أعمالهم والمعتقلين، وضحايا التعذيب الوحشي في المعتقلات، والشهداء في حروب الإبادة في الجنوب حتى تم انفصاله، وفي جرائم الإبادة الجماعية في دار فور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، وثورة ديسمبر التي استشهد فيها المئات من الشباب والكنداكات، كل ذلك لم يفت في عضد جماهير شعبنا، التي ما زالت تواصل نضالها لاستكمال مهام الثورة.
كما جاءت ثورة ديسمبر رغم خصوصيتها على خطى تجربة الثورة المهدية وثورة أكتوبر 1964م وتجربة انتفاضة مارس- أبريل 1985 في السودان التي أوضحت أن الثورة تقوم عندما تتوفر ظروفها الموضوعية والذاتية والتي تتلخص في:
– الأزمة العميقة التي تشمل المجتمع باسره، ووصول الجماهير لحالة من السخط بحيث لا تطيق العيش تحت ظل النظام القديم.
– تفاقم الصراع داخل النظام الحاكم الذي يشمل الطبقة أو الفئة الحاكمة والتي تؤدي إلى الانقسام والصراع في صفوفها حول طريقة الخروج من الأزمة، وتشل أجهزة القمع عن أداء وظائفها في القهر، وأجهزة التضليل الأيديولوجي للجماهير.
– وأخيرًا، وجود القيادة الثورية التي تلهم الجماهير وتقودها حتى النصر.
بالتالي من المهم الإسراع في قيام المركز الموحد للمعارضة واستخلاص ميثاق من مواثيق لجان المقاومة وقوى الثورة الأخرى، لضمان قيادة الثورة بنجاح حتى الانتصار الكامل.
– أيضًا جاءت ثورة ديسمبر حاملة كل مظاهر الثورات التي حدثت في العالم مثل: المواكب والوقفات الاحتجاجية والعرائض والمذكرات والإضراب السياسي العام، والعصيان المدني، وتمرد القوات النظامية وانحيازها للشعب، والمظاهرات والاعتصامات كما في اعتصام القيادة العامة الذي كان مثالًا لوحدة السودانيين والتضامن والهتافات ضد السلطة الحاكمة التي تطورت من مطالب محددة إلى إسقاط النظام، وتسليم السلطة لممثلي الشعب من المدنيين، كما عرفت مثل الثورات الأخرى الانقلاب المضاد للثورة مثل: انقلاب اللجنة الأمنية الذي عطل الوصول لأهداف الثورة، والانقلاب الدموي في مجزرة القيادة العامة، وانقلابات قاعة الصداقة وأحداث جبرة، وقفل الطريق القومي لبورتسودان بهدف إعادة الحكم العسكري، وحتى انقلاب 25 أكتوبر الذي ما زالت المقاومة له مستمرة.
بالتالي من المهم التصدي لتكرار مسرحية أي انقلاب قصر “كيزاني” يعيد إنتاج النظام البائد ويطيل أمد الأزمة، كما حدث في انقلاب 11 أبريل 2019، الذي أبقى على النظام الفاسد باقيًا كما في الشركات الاقتصادية للجيش والأمن والشرطة والدعم السريع، ومليشيات الكيزان، واستمرار التمكين في مفاصل الدولة، والإعلام، ورفض أي انقلاب عسكري، يعيد إنتاج النظام السابق والحلقة “الجهنمية” ديمقراطية- انقلاب- ديمقراطية- انقلاب… الخ، التي دمرت البلاد لأكثر من 66 عامًا بعد استقلال السودان. فضلًا عن رفض إعادة تجربة انتكاسة ثورة الاستقلال 1956، وثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة مارس- أبريل، 1985 وأن تكون قيادة الثورة جاهزة لاستلام السلطة، وضرورة المشاركة الواسعة لجماهير العاملين والمزارعين، وبقية الفئات الثورية في قيادة الثورة، لضمان نجاحها والسير بها حتى الانتصار، وتحرير السودان نهائيًا من المليشيات وجيوش الحركات ولوردات الحروب، ووقف نزيف نهب ثروات البلاد من الذهب والمعادن الأخرى والمحاصيل النقدية والماشية، وتهريبها للخارج.
الميدان 3944،، الثلاثاء 5 يوليو 2022م