مداخلة الرفيق جمال براجع في ندوة حول “طبيعة الأحداث في سوريا وتداعياتها الإقليمية والدولية”

مداخلة الرفيق جمال براجع في ندوة حول “طبيعة الأحداث في سوريا وتداعياتها الإقليمية والدولية”




مداخلة في ندوة ص “طبيعة الأحداث في سوريا وتداعياتها الإقليمية والدولية”





27 دجنبر 2024




-يكتسي الموضوع أهمية كبيرة بالنسبة لحركة التحرر الوطني، وخصوصا مكونها اليساري، في المنطقة وعبر العالم نظرا لما حدث ويحدث في سوريا من غزو امبريالي صهيوني رجعي وانعكاساته المحتملة على المقاومة الفلسطينية واللبنانية وقوى محور المقاومة، وما يتطلبه ذلك من تقييم نقدي لاستخلاص الدروس في أفق تقوية وتدعيم وتطوير أشكال المقاومة لهذا التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي وفتح آفاق جديدة لشعوب المنطقة للتحرر من الأنظمة الاستبدادية والهيمنة الامبريالية الصهيونية.
1-طبيعة ما جرى ويجري في سوريا:
– إن ما جرى هو تعرض سوريا لغزو تركي أمريكي صهيوني رجعي تم تنفيذه بأدوات إرهابية تكفيرية مسخرة ( هيئة تحرير الشام) من صنع وتمويل وتدريب أمريكي صهيوني تركي وتمويل خليجي ( قطري سعودي بالدرجة الأولى ).
– فما حدث، إذن، ليس بثورة كما تروج لذلك الدعاية الامبريالية والصهيونية والرجعية. فالثورة بالمضمون الثوري التحرري تصنعها الشعوب وقواها الثورية بهدف تحررها وتقرير مصيرها استنادا إلى مشروع تحرر وطني ديمقراطي. فالثورة لا تصنعها القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية، بل هي تصنع الثورات المضادة.
-فالقوى الامبريالية والصهيونية والرجعية هي عدوة الشعوب وثوراتها، هدفها هو استعمار واستعباد واستغلال الشعوب وثرواتها وليس تحررها.
-إن الثورة السورية التي اندلعت سنة 2011، كجزء من السيرورات الثورية في المنطقة العربية والمغاربية، انطلقت كانتفاضة شعبية بشعار “إسقاط النظام”، لكن تم وأدها في المهد بسبب القمع الدموي الذي تعرضت له من طرف النظام الاستبدادي لبشار الأسد، وبسبب اختراقها وتسليحها من طرف القوى الظلامية الرجعية المسخرة الموجهة أساسا من طرف المخابرات الامريكية والتركية والممولة من الدول الخليجية ( قطر والسعودية والإمارات).
– النتيجة هي إجهاض الثورة الشعبية وتقسيم سوريا واحتلال أجزاء واسعة منها من طرف تركيا والولايات المتحدة وتوابعهما من الحركات الإرهابية التكفيرية وقوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، وفرض حصار اقتصادي امبريالي على سوريا فيما يعرف ب”قانون قيصر” والذي كانت له تداعيات خطيرة وكارثية على الشعب والاقتصاد السوريين، وساهم، إلى جانب السياسة الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية للنظام في الفترة الأخيرة واستشراء الفساد في دواليب الدولة والجيش وتشكل طبقة من “الأغنياء الجدد” من تجار الحرب والتهريب والإجرام، ساهم في تدهور الطبقات الوسطى وبالتالي تفكك القاعدة الطبقية الأساسية للنظام منذ ظهوره.
-ولحماية نفسه لجأ النظام إلى الدعم الروسي والإيراني وحزب الله في إطار المصلحة المشتركة في مواجهة العدو المشترك.
– بناء عليه يظهر بكل وضوح أن هدف الغزو التركي الأمريكي الصهيوني لسوريا ليس هو تحرير الشعب السوري من نظام بشار الأسد بل من أجل احتلال سوريا وتحويلها إلى دولة فاشلة ضعيفة مقسمة وتابعة للحلف الامبريالي الصهيوني الرجعي بعدما كانت قطبا أساسيا من أقطاب محور المقاومة وذلك:
– للسيطرة على ثرواتها المتنوعة وأسواقها ( الغاز الطبيعي وأهمية حلب بالنسبة للاقتصاد التركي- الثروات النفطية بالنسبة للولايات المتحدة في الشمال الشرقي).
– السيطرة على موقعها الجغرافي الاستراتيجي في قلب الشرق الأوسط وما بين أوربا وآسيا بالنسبة للولايات المتحدة وتركيا والكيان الصهيوني.
-القضاء على المقاومة اللبنانية والفلسطينية بحرمانها من القاعدة الخلفية الأساسية ضمن محور المقاومة –وهي سوريا- بوقف مدها بالسلاح والدعم اللوجستيكي وتفكيك أوصال محور المقاومة في أفق تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على حزب الله في لبنان والمقاومة في اليمن.
-حصار إيران وإضعافها في أفق إسقاط النظام الحاكم فيها.
– تصفية الوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط كجزء من الاستراتيجية الامريكية لحصار وإضعاف روسيا نظرا لما تشكله كقطب صاعد من تهديد للهيمنة الامريكية على العالم.
-كل هذا يدخل في سياق الاستراتيجية الامريكية لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط والمعروفة ب” الشرق الأوسط الجديد” الخاضع كليا للهيمنة الامريكية والصهيونية بدون منازع، وتكريس التفوق الاستراتيجي للكيان الصهيوني بعد الهزائم النكراء والمذلة التي تعرض لها من طرف المقاومة منذ انطلاق ملحمة ” طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023،

2-التداعيات الإقليمية والدولية الغزو التركي الأمريكي الصهيوني:
شكل طوفان الأقصى نقطة تحول استراتيجية في الصراع ضد الكيان الصهيوني والامبريالية في منطقة الشرق الأوسط مما شكل مؤشرا مهما على فشل المشروع الامبريالي الصهيوني في المنطقة، وأعاد الآمال للشعوب بالتحرر. لكن ما وقع شكل صدمة قاسية ومفاجئة لقوى المقاومة وللشعوب. وسيزيد من التغول الامبريالي الصهيوني في المنطقة. ومن المؤكد أن ذلك ستكون له تداعيات كبيرة وخطيرة على المقاومة وعلى شعوب المنطقة وخاصة على القضية الفلسطينية.
-على المستوى الإقليمي:
-المزيد من التغول الإمبريالي والصهيوني في المنطقة.
*فرض الوصاية التركية والأمريكية والصهيونية على سوريا عبر فرض نظام عميل بزعامة الإرهابي” الجولاني”، وتقسيمها إلى مناطق نفوذ أمريكية وتركية وصهيونية إلى أجل غير مسمى، وتأجيج الحروب والفتن الطائفية والعرقية، ونزع سلاحها ( في هذا السياق التدمير الكبير لإمكانياتها العسكرية والعلمية من طرف الكيان الصهيوني)، وإدماجها الاقتصاد السوري ضمن المنظومة الاقتصادية الرأسمالية وإخضاعه لشروطها وإملاءات مؤسساتها المالية، وهذا سيعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية للشعب السوري
* إضعاف محور المقاومة وتفكيكه تفكيك بحرمانه من إحدى أهم حلقاته وهي سوريا وتحويلها من قاعدة داعمة للمقاومة إلى أداة لحماية المصالح الأمريكية والصهيونية والرجعية في المنطقة.
-إضعاف المقاومة الفلسطينية وتشديد الحصار عليها، وتصعيد حرب الإبادة والتدمير الإجرامية الصهيونية لاجتثاث مقومات العيش في غزة والضفة لفرض تهجير الفلسطينيين نحو الأردن وصحراء سيناء وفق الرؤية الترامبية “صفقة القرن”.
-إضعاف النفوذ الإقليمي لإيران وتشديد الحصار عليها للمزيد من تأزيم أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية في أفق تفجير الاضطرابات والقلاقل الاجتماعية والعرقية للتمهيد لإسقاط النظام الحاكم فيها.
* الشيء الذي سيساهم في إضعاف المقاومة في فلسطين ولبنان ويطلق يد الكيان الصهيوني في حروبها الإجرامية والتوسعية في المنطقة، مع احتمال انفجار الحرب الطائفية في لبنان وهو ما تؤشر عليه تحركات القوى العميلة للضغط على نزع سلاح حزب الله والمقاومة.
-فرض واقع جيوسياسي جديد قائم على المزيد من تقسيم المنطقة (تحيين اتفاقية سيكس-بيكو) وفق المخطط الامبريالي الصهيوني، وتعميم التطبيع مع باقي الأنظمة العربية وفي مقدمتها السعودية وفرض شرق أوسط جديد تحت الهيمنة الصهيونية.
– إضعاف النفوذ الروسي العسكري والاقتصادي في المنطقة وحرمانه من الانفتاح على البحر الأبيض المتوسط وبالتالي تقليص تأثيره السياسي والديبلوماسي في المنطقة وعلى الصعيد الدولي.
على الصعيد الدولي:
-ستستغل الولايات المتحدة هذا الواقع الجيوسيوسي الجديد لتصعيد الصراع مع روسيا للمزيد من إضعافها على الصعيد الدولي كجزء من الصراع ضد الأقطاب الصاعدة.
-تفرغ الولايات المتحدة لحصار الصين في الشرق الأقصى بعد استتباب الأوضاع في الشرق الأوسط لصالحها ولصالح حليفتها الرئيسية ” إسرائيل”، بعدما تأخرت في هذه المهمة بسبب “طوفان الأقصى”.
– مما يعني المزيد من التوتر في العلاقات الدولية وتوسيع مناطق الحروب والنزاعات خاصة في سياق الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة التي تعرفها الولايات المتحدة والمنظومة الرأسمالية والتي تزداد تعمقا ولا سبيل لعلاجها غير الحروب والابتزاز واستغلال ثروات ومقدرات الشعوب والطبقات العاملة عبر العالم.
ما العمل لمواجهة هذا التغول الإمبريالي الصهيوني الرجعي؟
-دعم الشعب السوري من أجل تحرره وتقرير مصيره ووحدة وسيادة بلده.
-تحمل القوى الوطنية والديمقراطية في سوريا لمسؤوليتها في مواجهة المخطط الامبريالي الصهيوني التركي عبر بناء جبهة شعبية واسعة تضم جميع الفئات والطوائف والعرقيات على قاعدة برنامج التحرر الوطني الديمقراطي الشعبي.
-استمرار المقاومة الفلسطينية وتكثيف أشكال الدعم والإسناد لها. ويجب علينا كقوى يسارية وتقدمية في بلدنا تركيز النضال على إسقاط التطبيع مع الكيان الصهيوني وتحويلها إلى مهمة شعبية.
-تقوية الدعم الشعبي عبر العالم للمقاومة الفلسطينية وخاصة في بلدان المركز الرأسمالي.
-مواجهة الحرب الإعلامية الامبريالية الصهيونية والكشف عن زيفها من خلال فضح الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني بمشاركة وإشراف الامبريالية الامريكية وتواطؤ الأنظمة العربية الرجعية.
-قيام القوى الديمقراطية واليسارية في تركيا بدورها في مواجهة السياسة التوسعية لنظام أردغان الرجعي والضغط عليه لسحب قواته من سوريا واحترام وحدتها وسيادتها وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
-ضرورة تطوير علاقات التنسيق والنضال المشترك بين قوى التحرر الوطني الديمقراطي في المنطقتين العربية والمغاربية في أفق خلق جبهة واسعة للنضال من أجل التحرر الوطني والديمقراطية في منطقتنا. وهذا يتطلب فتح جسور وتكثيف جسور الحوار الجدي بين تلك القوى.

جمال براجع
الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي.
27 دجنبر 2024