الهجوم على الاتحاد العام التونسي للشغل: الشعبوية وفيّة لتاريخ الفاشية في تونس

الهجوم على الاتحاد: الشعبوية وفيّة لتاريخ الفاشية في تونس*
في خطوة لم يستغربها الكثيرون، قامت مجموعة من أنصار “المسار” يوم الخميس 7 غشت/أوت بهجوم على بطحاء الاتحاد (المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل) رافعين شعارات معادية للاتحاد وللعمل النقابي وأهمها شعار “الشعب يريد تجميد الاتحاد”. وفيما تصدى موظفو الاتحاد وبعض النقابيين الذين كانوا بالمكان أو تنادوا إليه، فإن العصابة التي هاجمت الاتحاد وصلت المكان دون عناء وكانت حاملة للافتات والأبواق وانطلقت من قلب شارع بورقيبة على بعد أمتار من وزارة الداخلية. وفيما أعلنت أهمّ القوى السياسية والمدنية مواقف تدين هذا الهجوم المليشيوي لأنصار المسار الشعبوي، فإن قوى أخرى عملت جُهْدَها لتبرئة السّلطة وأذنابها من المسؤولية، من ذلك تصريح عضو المركزية النقابية سمير الشفي الذي نسب الهجوم إلى “جهات مجهولة”، ومواقف أحزاب الموالاة التي برّأت المسار والسلطة من المسؤولية على الاعتداء.
وقد حسم قيس سعيد هذا الجدل بتصريح منشور على صفحة الرئاسة فجر السبت يجزم فيه أنّ نيّة المتظاهرين لم تكن اقتحام الاتحاد ولا الاعتداء عليه، بما يعني إقرارا رسميا من أعلى هرم النظام بتبنّي “التحرك” الذي اعتبره مشروعا في إطار حق الشعب بالمطالبة بفتح ملفات الفساد دون أيّ حصانة، مكررا أن الشعب يعلم كل شيء. وبهذه الكلمة المصورة يكون سعيد قد أعطى الإذن لأنصاره كي يواصلوا الهجوم على الاتحاد. للعلم فإن نفس المجموعة نظمت مساء الخميس مسيرة في شارع بورقيبة رافعة نفس الشعارات المناوئة للاتحاد، ونفس المليشيات تنظم حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى التحرك والهجوم وهو أمر بات محسوما بعد خطاب “سيادته”.
إنّ علاقة سعيد بالمنظمات والأحزاب هي علاقة تناقض وهو الذي بنى مقاربته على رفض كل الأجسام الوسيطة وها هو اليوم يستهدف الاتحاد في إطار حملة التخوين والترذيل المستمرة، حملة تتصاعد خاصة بعد الإضراب الناجح لقطاع النقل وتلويح قطاعات أخرى بالإضراب في المدة القادمة على خلفية التدهور المفزع للأوضاع المعيشية لكل طبقات الشعب وفئاته.
وللتغطية على عجزه عن الاستجابة للمطالب المشروعة للشغالين بحكم خياراته اللاوطنية واللاشعبية فإنّ أقصر السبل بالنسبة إلى نظام قيس سعيد للالتفاف على هذه المطالب هو استهداف النقابات والتشكيك في عدالة مطالبها بخطاب شعبوي يؤلّب الطبقات الشعبية بعضها على بعض بالادعاء أن أولوية الدولة هي تشغيل “من طالت بطالتهم” وليس الاستجابة لمطالب الأجراء، وهو ادعاء زائف لنظام لم يوفّر الشّغل لأحد بل زادت نسب البطالة في عهده. وللتّذكير فإن قيس هو الذي سارع بإلغاء القانون عدد 38 الذي ينصّ على تشغيل هذه الفئة.
إننا لم ولن نستغرب، ولا نتفاجأ، بكل ما تحيكه السلطة ضدّ الاتحاد وضدّ المجتمع المدني والسياسي بحكم طبيعتها الاستبدادية. فالهجوم على الاتحاد هو استعادة لكل ممارسات نظام الحكم من جانفي 1978 إلى هجوم “الشرفاء” في 1985 إلى هجوم “الروابط” المناصرة لحركة النهضة في ديسمبر 2012. إنّ هذه الهجومات تلتقي في رفض الدولة الديكتاتورية لكلّ القوى الاجتماعية المضادة لها. وإذا كانت النظم الدكتاتورية السابقة لا تقبل بالمنظمة النقابية إلا وهي خاضعة لسلطتها تابعة ومدجنة وذليلة فإن منظومة قيس سعيد لا تقبل بوجود النقابات أصلا.
إننا إذْ نجدّد الإدانة بهذا الهجوم المليشيوي الفاشي فإننا نجدّد الدّعوة للتعبئة العامّة لإحباط كلّ المؤامرات التي تستهدف الاتّحاد والجمعيّات والمنظمات والأحزاب بغاية تصفيتها. لذلك على القوى التّقدمية توحيد مجهوداتها لإجهاض الهجوم وردّه على أعقابه حتّى يتحوّل إلى هجوم مضادّ للفاشية الشعبوية. وعلى الحركة النقابية الربط مع أمجادها لتفويت الفرصة على الأعداء الطبقيين والوطنيين للطبقة العاملة ومنظمتها النقابية، هذه المنظمة العتيدة التي ألحقت بها البيروقراطية وللأسف أضرارا جسيمة أضعفتها وحدّت من قدراتها على المقاومة وسهّلت على أعداء الاتحاد وخصومه مهمتهم القذرة الرامية إلى محوه من الوجود.
2025/08/10