“الثقافة الإسرائيلية” تحت المقاطعة: حين يتحوّل الفن إلى مرآة الأخلاق

“الثقافة الإسرائيلية” تحت المقاطعة: حين يتحوّل الفن إلى مرآة الأخلاق
بقلم: وسام زغبر
مسؤول دائرة المقاطعة في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وعضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين
لم تكن “إسرائيل” تتوقع أن يصل ارتداد حربها العدوانية على غزة إلى ميدان الثقافة والفنون. فالدولة التي طالما استثمرت في “قوتها الناعمة”، وقدّمت موسيقييها ومخرجيها كوجهٍ حضاري يجمّل احتلالها، تجد نفسها اليوم أمام جدارٍ عالمي من المقاطعة يذكّر بملحمة إسقاط نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.
ففي الأسابيع الأخيرة، وقّع نحو أربعة آلاف من السينمائيين والفنانين حول العالم عريضة تدعو إلى مقاطعة شاملة للتعاون الثقافي مع إسرائيل، في رسالة واضحة مفادها أن الفن لا يمكن أن ينفصل عن الأخلاق. لم يعد بمقدور “فرق موسيقية إسرائيلية” أن تشارك بسهولة في المهرجانات الدولية، وحتى الموسيقي عِيدان راشيل، الذي كان يوصف بأنه “سفير إسرائيل الأول” للموسيقى، يعترف اليوم بأنه غير مرغوب به في المحافل العالمية.
المقاطعة الثقافية لم تقتصر على المبادرات الفردية أو النقابية، بل امتدت إلى فضاءات أكثر رمزية. مسابقة اليوروفيجن (الأوروفيزيون)، التي لطالما شكلت ساحة تلميع للصورة الإسرائيلية، تواجه مأزقاً وجودياً بعد إعلان إسبانيا – إحدى الدول الخمس الكبار المموِّلة – أنها ستنسحب من نسخة 2026 في حال مشاركة “إسرائيل”. موقف إسبانيا ترافق مع مواقف مشابهة في هولندا وأيرلندا وسلوفينيا، إضافة إلى أصوات متصاعدة في آيسلندا. هذا المسار يُربك اتحاد البث الأوروبي (EBU) الذي لم يعد قادراً على التذرع بأن “اليوروفيجن غير سياسي”، بينما الدم الفلسطيني يسيل على شاشات العالم.
الخطير بالنسبة ل”إسرائيل” ليس فقدان جائزة موسيقية أو مهرجان سينمائي، بل انهيار صورة “الديمقراطية الثقافية” التي حاولت تصديرها لسنوات. فحين يعلن مئات الفنانين العالميين سحب أعمالهم من المنصات الإسرائيلية، فإن الرسالة أقوى من أي بيان سياسي: لا فن مع الإبادة، ولا موسيقى تُعزف فوق الركام.
إن ما يحدث اليوم هو انتصار لمفهوم العدالة الثقافية، حيث يصبح الإبداع أداة مقاومة لا غطاء للتطبيع. وكما كان الحصار الثقافي سلاحاً فعالاً في تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فإن المقاطعة الثقافية لإسرائيل تفتح الباب أمام تحوّل عالمي أعمق: عزل الاحتلال ليس فقط في السياسة والاقتصاد، بل في الوجدان الإنساني ذاته.
ولعل السؤال الجوهري الآن: هل تدرك “إسرائيل” أن “قوتها الناعمة” انهارت تحت وقع صور الأطفال الشهداء في غزة؟ أم أنها ستستمر في العزف وحدها، في قاعة فارغة، بينما يردّد العالم كله: لا ثقافة بلا حرية، ولا فن على أنقاض البشر؟