كلمة الميدان: دولة الحرب والمليشيات

كلمة الميدان: دولة الحرب والمليشيات




كلمة الميدان: دولة الحرب والمليشيات





في كل يوم جديد تكشف الحرب عن وجهها القبيح وأجندتها الحقيقية. فعمليات الإستنفار والتجييش الجارية هنا وهناك لا تنتج سوى المزيد من المليشيات المسلحة، من مناطق البطانة ونهر النيل والشرق وغيرها، إضافة إلى كتائب الحركة الإسلاموية. هذه المليشيات لا تكتفي بإستنزاف المال العام، بل تمسك بالقانون بيدها، وتفرض بالقوة العسكرية مصالحها الضيقة.

وما يجري في الدبة وضواحيها شاهد حي: مليشيات مسلحة تطلق النار على المدنيين، وتنهب ممتلكاتهم، وترهب حتى الأجهزة العدلية. ومن قبل جرى إختطاف المحامية إزدهار في وضح النهار، حيث تعرضت للتعذيب والضرب لإجبارها على التخلي عن قضية كانت تترافع فيها، ثم تكررت الجرائم ذاتها بخطف مواطنين برأتهم المحكمة.

هذه الممارسات تتكرر في مناطق سيطرة طرفي الحرب، لتسقط معها كل الإدعاءات عن تبعية المليشيات للقوات النظامية. وهكذا تدور الحلقة الجهنمية: تمارس المليشيات القتل والترويع وتغيب الدولة، فيضطر الناس إلى حمل السلاح دفاعًا عن أنفسهم، فتتولد المزيد من المليشيات والمزيد من السلاح ويسود قانون الغاب.
وللتذكير، فإن صناعة البيروقراطيات الموازية والأجهزة الأمنية والشبه عسكرية، بما في ذلك تجنيد وتسليح وتمكين مليشيات الجنجويد، هي صناعة خالصة لتنظيم الإخوان المسلمين. فقد عمد هذا التنظيم منذ سنوات التمكين إلى خلق جيوش ظل وأجهزة أمن متعددة، هدفها الأول ضمان سيطرته على الدولة وحماية سلطته من أي تحرك داخل المؤسسة العسكرية النظامية ضده، وقمع الحركة الجماهيرية في حالة نهوضها. واليوم ما نراه من إنفجار المليشيات وتناسلها ليس سوى حصاد مباشر لهذه السياسة الإجرامية.

جدير بالتذكير أن اللجنة الأمنية، بمكونيها الجيش والمليشيا، كانت عقبة كؤود أمام إعادة هيكلة القوات النظامية، ورفضت بإصرار أي مساس بأوضاعها التي كانت قائمة قبل الثورة. حافظت على إمتيازاتها ونفوذها الإقتصادي والسياسي، ووجهت معظم الإنفاق العام في أول ميزانية بعد الثورة إلى قطاع الدفاع والأمن. واليوم تجني بلادنا ثمار هذه السياسات في شكل حرب شاملة وصراع دموي على السلطة.

ولماذا لا تستأسد المليشيات على الناس والشعار المرفوع هو: المجد للبندقية؟ فالبندقية أداة النفوذ السياسي والإقتصادي، لا وسيلة للدفاع عن الوطن. قادة المليشيات لا يقاتلون من أجل الشعب، بل من أجل مصالحهم الضيقة الأنانية.

ولا ينبغي أن نغفل عن الإرتباط الوثيق بين هذه المليشيات ودول ومخابرات أجنبية تمولها وتدربها وتسلحها لتحقيق أجنداتها في بلادنا. رأينا بأعيننا قادة المليشيات يسافرون إلى الخارج يتلقون الأوامر والمال ثم يعودون لتنفيذها.

إن قضية المليشيات لا تُحل بموائد التسوية الخارجية، التي تحاول دمجها في المشهد السياسي القادم. بل الحل الوحيد هو حل جميع المليشيات بلا إستثناء، وهو المطلب الذي رفعته قوى الثورة منذ سقوط البشير ونظامه، لكنه عُطّل بفعل تواطؤ اللجنة الأمنية وحلفائها. ويظل هذا المطلب حاضرًا اليوم في صلب النضال الثوري لبناء الجبهة الجماهيرية القاعدية، من أجل وقف الحرب، وإسترداد الثورة، وتحقيق أهدافها وعلى رأسها: تفكيك المليشيات وبناء الجيش الوطني القومي.

جريدة الميدان عدد 4367،، الأحد 21 سبتمبر 2025م.