كلمة الميدان: في وجه الغطرسة الأميركية

كلمة الميدان: في وجه الغطرسة الأميركية




كلمة الميدان: في وجه الغطرسة الأميركية

إعتمد مجلس الأمن الدولي، يوم الثلاثاء 11 نوفمبر، قرارًا تقدّمت به الولايات المتحدة الأميركية يقضي بإنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الإستقرار في قطاع غزة، وذلك بعد تصويت 13 عضوًا لصالحه وإمتناع روسيا والصين عن التصويت.

لقد جاء القرار رقم 2803 معبّرًا، في جوهره، عن الرؤية الأميركية الخالصة، وعن ترتيبات جديدة في موازين القوى العالمية. فإمتناع روسيا والصين عن إستخدام الفيتو لا يعكس حيادًا، بل يدل على وجود تفاهمات ومصالح متبادلة بين الأقطاب الإمبريالية العاملة في النظام الدولي، تُعيد عبرها هذه القوى رسم خرائط النفوذ وتوزيع الأدوار في منطقتنا.

وبموجب هذا القرار، يُنشأ فعليًا مجلس للسلام يتولى إدارة قطاع غزة تحت الهيمنة الأميركية–الإسرائيلية، إلى جانب قوة عسكرية تتبع له تقودها الولايات المتحدة لمدة تتجاوز العامين، في خطوة تكرّس وصاية مباشرة على الشعب الفلسطيني وتحجيمًا لحقه في تقرير مصيره.

إن الهدف النهائي لهذا المخطط الأميركي، الذي بات يتمتع الآن بغطاء دولي، هو تصفية المقاومة والنضال الفلسطيني، وطمس حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الحرة المستقلة وعاصمتها القدس. وهو بذلك إمتداد مباشر لمشروع الهيمنة الإمبريالية المسمّى بـ”الشرق الأوسط الكبير”، وهو مشروع يستهدف المنطقة بأسرها، ومن بينها السودان.

وليس خافيًا أن ما شهدته بلادنا، خلال السنوات الست الماضية، من تدخّل خارجي ومؤامرات سياسية وإقتصادية، يصبّ في إتجاه واحد: إجهاض الثورة السودانية وتفريغها من مضمونها، وفرض نظام سياسي تابع يحفظ المصالح الأميركية في السودان والمنطقة.

وقد ظهرت تجليات ذلك في مسار التطبيع مع إسرائيل، وفي فتح قنوات التعاون الأمني والعسكري والإقتصادي معها خلال الفترة الإنتقالية وما تلاها، وفي إخضاع الإقتصاد لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين، والإنخراط في ما سُمّي بتحالف محاربة الإرهاب، ودفع التعويضات للولايات المتحدة. كل ذلك يكشف طبيعة العلاقة الملتبسة بين سلطة الشراكة ثم سلطة الإنقلاب من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من جهة أخرى، ورغبتهم المشتركة في الإجهاز على الثورة وتطلعات الشعب.

أما خطة الرباعية ومقترح الهدنة الإنسانية، فكان بالإمكان المضيّ في تنفيذها لولا الخلافات داخل دول الرباعية نفسها، خاصة حول القرار الدولي والخطة المقترحة. وبالرغم من وجود إتفاق مبدئي على فتح طرق آمنة للمساعدات وفرض هدنة لمدة ثلاثة أشهر، لم يُنفّذ أي من هذه البنود حتى اليوم. والسبب الحقيقي لا يقتصر على إستمرار القتال بين سلطات الأمر الواقع في بورتسودان ونيالا، بل يكمن في القوى الخارجية التي تمدّ الطرفين بالسلاح وتُبقي نار الحرب مشتعلة.

لقد كان يمكن للحرب أن تتوقف فورًا لو توحّد موقف دول الرباعية ضدّها. لكن ذلك أمر بعيد ما دامت مصالح تلك الدول تعلو على مصالح الشعب السوداني، وما دام الصراع بينها مستمرًا حول كيفية تقاسم “الكيكة السودانية”. ولهذا فإن الحرب مرشحة للإستمرار، مما يجعل إيقافها واجبًا وطنيًا مباشرًا يقع في المقام الأول على عاتق القوى الوطنية والديمقراطية.

إن ما نشهده اليوم ليس حدثًا عابرًا، بل إمتداد لصراع سياسي وإجتماعي عميق بين قوى إمبريالية ورجعية من جهة، وقوى وطنية ديمقراطية من جهة أخرى.

لقد فتحت ثورة ديسمبر الباب واسعًا أمام إنتصار المشروع الوطني وتحقيق تطلعات شعبنا في الحرية والسلام والعدالة، وفي هزيمة المشروع الإمبريالي وأدواته. وما زال هذا الهدف ممكنًا وقابلاً للتحقق عبر تعزيز وحدة قوى الثورة، وتوسيع مساحات العمل المشترك، والمضيّ بثبات في النضال من أجل إستعادة الوطن وسيادته، وترسيخ السلام، وتحقيق العدالة والتنمية المتوازنة لشعبه.

الميدان 4392،، الخميس 20 نوفمبر 2025م.