وزارة الداخلية وترتيب المشهد السياسي
حافظت وزارة الداخلية على موقعها وسطوتها في التركيبة الحكومية في ما يسمى بالعهد الجديد كما كانت عليه في عهد الحسن الثاني. كانت ولا زالت هي ام الوزارات وأكبر فاعل سياسي في البلاد. كان عهد الحسن الثاني يحرم العمل السياسي بالبادية بعد ان اقتلع جذور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، وبعد ان توجهت انظار الحركة الثورية لموضوعة التحالف العمالي الفلاحي واعتبار البادية أكبر خزان للقوى التي يمكن ان تعتمد عليها بروليتاريا المدينة تغيرت سياسة الدولة تجاه العمل السياسي بالبادية فشرعت وزارة الداخلية في استنبات الاحزاب الادارية علها تبني حاضنة جديدة للنظام القائم.
اما اليوم وفي ظل جائحة كورونا فقد استغلت وزارة الداخلية الظروف الناشئة وتولت تطبيق “قانون الطوارئ الصحية” الذي مددت له حتى حققت قصب السبق على الصعيد العالمي، اذ يحتل المغرب الصف الأول من البلدان التي ابقت على قانون الطوارئ لأنه يحقق اهداف التحكم وديكتاتورية الحكم الفردي.
في الأسابيع القليلة الماضية بادر حزب الاتحاد الاشتراكي باقتراح تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية. اعتبر المراقبون هذا الاقتراح بالون اختبار تلقيه أوساط نافذة من الدولة على لسان هذا الحزب الممخزن. وسرعان ما برزت ردة فعل البيجيدي ومعه الأحرار والبام رافضين المقترح، ومنهم من شكك في مراميه واعتبره يستهدفه. على إثر هذا الاستكشاف للمواقف بادرت وزارة الداخلية بالتأكيد على إجراء الانتخابات التشريعية في وقتها 2021 وأطلقت حملة لقاءات مع الاحزاب لتبليغها القرار وفي ذات الوقت تسليمها التوجيهات وكشف قراءة المخزن للوضع العام بالبلاد.
بدون شك سيطغى موضوع المشاركة/المقاطعة باعتباره كابوسا حقيقيا للجميع. بالنسبة للبيجيدي يتخوف من المقاطعة لأن التجربة السابقة أظهرت أن القاعدة الموالية له في تناقص وقد تنهار لان المصائب التي تسبب فيها أو نسبت له ستزيد من عزلته. أما الأحزاب الأخرى فإنها تتخوف أيضا من المقاطعة لأن قاعدة المصوتين عليها ستتقلص كثيرا وهذا يخدم في نهاية المطاف البيجيدي الذي قد يحافظ على بقائه في المرتبة الاولى رغم تقهقر نسبة المشاركة. وشكل موضوع الهلع من المقاطعة مجالا تحالفت فيه الأحزاب الثلاثة البام والاستقلال والتقدم والاشتراكية، وقدمت أغرب المقترحات والمبادرات من اجل الزامية التصويت وتجريم المقاطعة؛ أما وزارة الداخلية فإنها ستراقب الساحة وتتخذ الموقف الحاسم إذا لم تدفع الرياح في الاتجاه الذي ترضاه.
اذا كان لجائحة كورونا من جانب ايجابي فهو انها مكنت الشعب المغربي من الاطلاع الدقيق على مستوى التخلف والهشاشة التي تعرفها البلاد. الكل يتكلم عن 20 مليون من المغاربة في وضعية الهشاشة يتهددهم الفقر وحتى الجوع من جراء البطالة وتوقف عجلة الاقتصاد، ينضاف الى ذلك الجفاف الخطير لهذه السنة. أعلنت الدولة عن فشلها في تدبير الازمة، وهو ما كشفه تعديل قانون المالية لسنة 2020 اذ حافظت على التقشف ووجهت كل التسهيلات لخدمة مصالح الرأسمال الطفيلي وامتنعت عن تقديم مشاريع استثمارية تخلق مناصب الشغل المنتج وتحقق السيادة الغذائية للمغرب والأمن الطاقي وتوفير الصحة والعلاج الجيد لكافة أفراد الشعب في قطاع عمومي قوي وعصري. أمام هذا الوضع المتفاقم وفشل الدولة؛ فإن الأحزاب المشاركة في لعبة الانتخابات لن تغامر بتوزيع الأوهام في الحملات الانتخابية المقبلة. سيكون الخطاب باهتا وباردا وفاقدا للمصداقية وهذا سيعطي الحجة الملموسة للمواطنين للمقاطعة وتوسيعها.
ومن نماذج التحكم المطلق لوزارة الداخلية في المشهد السياسي المخزني ما تلفظ به وزير الداخلية من تهديد مبطن واحتقار لمن اثار موضوع المعتقلين السياسيين وضرورة اطلاق سراحهم كعربون لانفراج سياسي يغطون به إقبالهم على المشاركة في الانتخابات، لكن السيد الوزير كان حازما الى درجة أقفل الموضوع ومعه امكانية التفاوض معه فيه.
من جهتنا نعتبر ان اللحظة هي لحظة مواجهة حقيقية بين إرادتين: الاولى تشد المغرب الى الخلف المكبل بالاستبداد والاستغلال، وإرادة تنشد التحرر الوطني وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية.