الجبهة المغربية ضد قانوني الاضراب والتقاعد: ضع استثنائي يطبعه ارتفاع نسب البطالة والهجرة والجريمة وتسريح عشرات الآلاف من العامل/ات
عقدت الجبهة المغربية ضد قانوني الاضراب والتقاعد ندوة صحفية صباح يومه الاثنين 15 يوليوز 2024، بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الانسان لتسليط الضوء على مشروعي الاضراب والتقاعد، وسبل المقاومة، قدمت الجبهة خلال هذه الندوة تصريحا صحفيا جاء فيه:
بعد توقيع اتفاق 29 أبريل 2024 ما بين الحكومة والمركزيات النقابية الثلاث، انطلق قطار الحكومة المغربية في الدعاية له واعتباره انجازا لصالح الطبقة العاملة، وجنَّدت كل امكانياتها السياسية والاعلامية لتهيئ الرأي العام العمالي لتقبل عدد من المشاريع التراجعية (القانون التنظيمي/التكبيلي لممارسة حق الإضراب ومراجعة مدونة الشغل) مُقابل تقديمها زيادات هزيلة في القطاع الخاص وغير متناسبة نهائيا مع موجات الغلاء التي عصفت وتعصف بالقدرة الشرائية للموظفين والمستخدمين والعمال وتتمثل في:
1. إقرار زيادة عامة في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية الذين لم يستفيدوا بعد من مراجعة أجورهم بمبلغ شهري صافي محدد في 1000 درهم (يصرف على قسطين متساويين في يوليوز 2024 ويوليوز 2025)؛
2. الزيادة في مبلغ الحد الأدنى القانوني للأجر بنسبة 10% سيتم تقسيمها على دفعتين (يناير 2025 ويناير 2026) في النشاطات الصناعية والخدماتية (SMIG) وفي (ابريل 2025 ابريل 2026) بالنسبة للنشاطات الفلاحية (SMAG)؛
3. مراجعة نظام الضريبة على الدخل ابتداء من يناير 2025 بالنسبة للأجراء؛
4. الرفع من مبلغ الخصم من المبلغ السنوي للضريبة برسم الاعباء العائلية التي يتحملها الخاضع لهذه الضريبة عن كل شخص يَعُوله من 360 إلى 500 درهم.
واعتبارا لخطورة هذه القوانين والإجراءات في مضامينها المعادية لحقوق ومكتسبات الطبقة العاملة من جهة وعلى مستقبل العمل النقابي من جهة أخرى، حيث سيتم تعميق واقع الاستغلال والاضطهاد لكل مكونات الطبقة العاملة (عمال، مستخدمين وموظفين) خدمة لمصالح الطبقات الرأسمالية السائدة ومصالح المؤسسات المالية الدولية، عرفت بلادنا لأكثر من 20 سنة محاولات لتمرير مشاريع قوانين عديدة تهدف إلى نزع سلاح الإضراب من الطبقة العاملة، بدعم من الحكومات المتعاقبة وبمساهمة واعية من طرف الإعلام البرجوازي عبر حملات تضليل كبرى، منظمة ومنتظمة، تستهدف الحق في الإضراب عبر تبخيس وتشويه دوره كسلاح نضالي للدفاع عن الكرامة وعن المطالب المشروعة وكحق من حقوق الإنسان، وتصويره كمجرد وسيلة تلحق أضرار اقتصادية واجتماعية بالمواطنين بفعل ممارسته في المرافق العمومية والمؤسسات الخاصة.
الأخوات والإخوة؛
بمناسبة ندوتنا الصحفية هاته، لا بد من إثارة ما يتميز به الوضع الراهن من تدهور خطير للحقوق الشغلية للطبقة العاملة، ومن تضييق فادح على الحريات النقابية من طرف الدولة وأرباب العمل؛ وهو ما يُميز هذه اللحظة ويجعلها دقيقة وتاريخية، تستدعي أعلى درجات المسؤولية الفردية والجماعية؛ والتبرم الواعي كذلك عن كل النزوعات السلبية، التي يحبل بها الواقع النقابي مع كامل الأسف، في التعاطي مع الوضع الاجتماعي وتوابعه.
فبفضل ملايين العمال والعاملات والموظفين والمستخدمين، نمت الثروة الوطنية وبني الاقتصاد الوطني، وعلى أكتافهم/هن تطور، لكنه للأسف الشديد لم تستفد من ذلك الطبقة العاملة وعموم الشغيلة التي ازدادت أوضاعها تأزما على كل المستويات؛ في حين كان للرأسمال العالمي والمحلي الذي راكم ثروات هائلة وحقق ولا يزال يحقق أرباحا فلكية، دورا كبيرا في الالتفاف على المطالب المهنية والاجتماعية للطبقة العاملة، بل تعداه الأمر للمطالبة بمزيد من المرونة في قانون الشغل، وتفكيك الوظيفة العمومية والشروع في تصفية الخدمات العمومية والسعي لخوصصة مؤسسات الحماية الاجتماعية وفي مقدمتها صناديق التقاعد كما يترجم ذلك تهافت الرأسمال وحكوماته في هذا المجال، عازمين على إخضاعها للرسملة بدل التوزيع، ومتذرعين بما تعرفه من أزمة مفتعلة، في الوقت الذي ظلت مساهمات العمال والعاملات والموظفين والموظفات والمستخدمين والمستخدمات منتظمة ودائمة، بينما لم تلتزم الدولة بأداء أقساطها الواجبة، دون الحديث عن الفساد وسوء تدبير المعاشات المدنية في كل الصناديق.
كذلك فإن إصلاح التقاعد ليس مطلبا للعمال والموظفين فحسب، بل هو هدف مشبوه لأرباب العمل أيضا، يسعون من خلاله النيل من المكاسب الطفيفة باعتماد معايير المقاربة المقياسية التي كان لها دور كبير في تخريب 2017 عبر تكريس الزيادة في سنوات العمل والرفع من قيمة المساهمات والتي لم يَجْن منها المزاولون والمتقاعدون سوى تخفيض أجورهم ومعاشاتهم.
الأخوات والإخوة؛
لا بد من الإشارة أنه في ظل الحملة العالمية التي يقودها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي من أجل تفكيك صناديق التقاعد في كل بقاع العالم، شهدت العديد من الدول معارك ضارية حول هذا الملف كللت بتراجع حكوماتها على الاصلاحات التخريبية، بينما استطاعت حكومات دول أخرى بسبب ضعف التعبئة العمالية والشعبية فرض شروطها التخريبية على الشغيلة والمتقاعدين.
وعلى هذا المنوال، تستعد حكومة الرأسمال بالمغرب منذ توليها تدبير الشأن العام المضي في هذا المسلسل التخريبي وتسريعه، حيث تَمَتْرَسَتْ حول خطاب “الإصلاح” المزعوم وعززت منسوبه في التداول الاعلامي والسياسي، وانتقلت عبر مؤسسة الحوار الاجتماعي مرة أخرى إلى نقله لمستوى اتفاق اجتماعي.
إننا إزاء وضع استثنائي يطبعه ارتفاع نسب البطالة والهجرة والجريمة وتسريح عشرات الآلاف من العاملات والعمال بفعل الإغلاقات غير القانونية للوحدات الإنتاجية الصناعية والفلاحية والخدماتية، وتراجع الخدمات العمومية في مختلف القطاعات الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن ونقل…، وارتفاع مؤشرات الفقر؛ وليزيد انحسار تأثير الحركة النقابية والأحزاب السياسية في الدفاع عن المجتمع وطبقاته الاجتماعية المتضررة من استفحال هذا الوضع، وهو ما عجل بالنقاش بين مجموعة من التنظيمات النقابية والجمعوية حول سبل تنظيم المقاومة الفكرية والإعلامية والاحتجاجية لتعرية خلفيات هذه القوانين ومضامينها وتداعياتها السلبية، الكارثية، على الطبقة العاملة ونفسها الاجتماعي، فكانت المبادرة يوم الأحد 5 ماي 2024 بمقر الجامعة الوطنية للتعليم FNE التوجه الديمقراطي بالرباط استجابت لها مجموعة من التنظيمات النقابية.
وبعد التداول الديمقراطي في ضرورة تحمل المسؤولية دون تردد ولا إقصاء، ومن رحم المعاناة الجماعية والمخاطر المُحْدقة بالمكتسبات، انبثقت “الجبهة المغربية ضد قانوني الاضراب والتقاعد”، معززة المشهد الاجتماعي وفاتحة نقاشا عموميا، نتمنى أن ينخرط فيه بقوة كل المعنيين/ات، حول المشاريع التراجعية والسياسات اللااجتماعية للحكومة في علاقتها بالعمال والمستخدمين والموظفين، وعازمة على خوض المعركة النضالية بكل ما لديها من امكانيات، مُبْسطة يدها لكل التنظيمات الرافضة لهذه القوانين وللطاقات المناضلة في كل النقابات والجمعيات المهنية للعمل والنضال الوحدوي الجبهوي، على أمل خلق ميزان قوى يمكِّن الحركة النقابية المفاوِضة من الضغط لِسحْب هذه القوانين التراجعية المشؤومة.