حماية الشعب من أثار الجفاف والوباء ومن الاستبداد المخزني
حماية الشعب من أثار الجفاف والوباء ومن الاستبداد المخزني
تعيش شعوب العالم حربا حقيقية ضد الوباء الفتاك كوفيد 19 الذي انطلق من الصين تحت اسم “كورونا فيروس أو اسمه العلمي كوفيد 19” ليجتاح باقي بلدان العالم، عابرا للقارات ومخلفا ضحايا في الأرواح وكسادا في الاقتصاد العالمي، كاشفا في نفس الوقت عن أوهام ووعود النظام الرأسمالي الذي لم يجلب للعالم سوى الاستغلال والجشع وانتشار الفقر والأوبئة والحروب بمختلف أشكالها. تبقى الشعوب وفي مقدمتها الطبقة العاملة هي القناة المتاحة لتصريف الأزمات البنيوية التي تتوالى وتعيد إنتاجها ذات المنظومة الرأسمالية التي نصبت نفسها بديلا متوهمة أنها خاتمة التاريخ.
إن الشعب المغربي الذي قاوم الاستعمار وساهم في بناء الحضارة الإنسانية، يعيش بدوره أياما عصيبة مع بداية انتشار الوباء في مختلف جهات البلاد. يعيش أيضا في ظل سنة فلاحية مطبوعة بالجفاف المحقق. يعني ذلك أنها سنة يعمها الغلاء وارتفاع أثمنة كل المواد الغذائية الأساسية وحاجيات الفلاحين الفقراء من ماء وعلف الماشية ووسائل العيش في البوادي المغربية المنقطعة أوصالها مع فرص العيش.
إنها أزمة مضاعفة، تلقي بظلالها على المعيش اليومي لمختلف فئات جماهير شعبنا. خاصة مع دخول قانون الحجر الصحي حيز التنفيذ كضرورة وقائية لا محيد عنها كما أوصت به التجربة الناجحة في الصين. غير أن هذا الإجراء الوقائي من الوباء الخطير، يصطدم بأرضية محلية هشة: نسبة فقر وأمية مرتفعة، عطالة، مخطط متخلف للسكن وسياسة المدينة بخلفية الضبط والتحكم الأمني، تعدد الأمراض المزمنة وضعف البنيات التحتية في قطاع شبه منسي… هي مواصفات دولة لا تعير القطاعت الاجتماعية أدنى اعتبار، بل تعتبرها قطاعات غير منتجة. دولة تحللت مما تبقى من مسؤولياتها تجاه من تعتبرهم رعايا أدنى من أن يكونوا مواطنات ومواطنين. هي نتائج سياسات نظام رأسمالي تبعي مفروض قسرا لحماية المصالح الكبرى للكتلة الطبقية السائدة على حساب المصالح الأساسية للجماهير الشعبية وخاصة الطبقة العاملة وعموم الكادحين. فبعد انسحاب الدولة لعقود من الزمن عادت لإعلان فشل نموذجها التنموي المأزوم بنيويا، وتوجهها إلى نموذج جديد، عناوينه الأساسية المزيد من ضرب القطاعات والمرافق العمومية بما فيها تسليع التعليم ورهن صحة الشعب للخواص والمضاربين. فضلا عن ما يسمى زورا بإصلاح للوظيفة العمومية وأنظمة التقاعد.
في ظل هذا الواقع الصعب، يستكثرون على الشعب المغربي واجب الدولة تجاه المواطنين وما يقتضيه هذا الواجب من حماية وضمان السلامة الجسدية والنفسية. حماية المعيش اليومي من دون زيادة في أثمنة المواد الغذائية الأساسية. مجانية الولوج إلى العلاج من كل الأمراض وخاصة الوقاية من وباء كورونا فيروس الذي انطلق في البداية من البوابات المشرعة من دون مراقبة في أغلب الأحيان للمطارات… قبل أن تسجل الحالات المحلية للمصابين. وقبل كل هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال التفريط في كرامة المواطنات والمواطنين وفي حفظ حقوقهم كاملة. فالعكس هو ما حصل في حالات متكررة حيث الضرب والإهانة لبعض المخالفين أو المتجاوزين استثناء لقانون الطوارئ الصحي لسبب أو لآخر. حالات منع بعض الحرفيين الصغار أو بعض الكادحين من ممارسة عملهم من دون أي مخاطرة، لتحصيل دريهمات قليلة في محاولة عيش مقنع.
هذا، ويتطاول بعض التافهين من تجار الدين لنشر الفكر الخرافي لتوهيم معركة مجابهة هذا الوباء، وترويج ثقافة الخنوع والاستسلام، كأن هذا الخطر سيصطفي من بين سكان العالم الخيرين والأشرار، المسيحي من اليهودي من المسلم ومن البودي واللاديني… قد كشفت الأزمة الراهنة أن البقاء للفكر العلمي العقلاني، وفي ذلك تتنافس الأمم من أجل ضمان حياة أفضل للإنسان وتمنيعه من مثل هذه المخاطر. كما تطاول بعض المنتسبين لليسار، ومن دون تقصي أو تحقق من تلك “التجاوزات التي قام بها مواطنون”، فأسرع لتبرير القمع والإهانة الصادرة عن بعض رجال أو أعوان السلطات المخزنية. إنها عملية تزلف للمخزن وتقديم شهادة حسن السلوك. فمثل هؤلاء تنكشف انتماءاتهم في أول امتحان، وهي عملية فرز مساعدة للتعرف عنهم من دون عناء.
نحن من سكان العالم، ننتمي لكوكب نتقاسم خيراته كما نتقاسم كوارثه الطبيعية منها أو ما ينتج عن مسلسل التدمير الشامل للنظام الرأسمالي. فليس لنا إلا أن نختار ما بين البربرية أو الانخراط في جبهات مواجهة الرأسمالية ووكلاءها من حكام ومافيات محلية. فتاريخ الشعوب حافل بالانتصارات، وهذا مصدر الآمال التي يحملها الشعب المغربي الذي يصطف في جبهة الشعوب المناهضة للرأسمال العالمي ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة والمساواة.