الرفيق عبد الله الحريف في الذكرى 55 لتأسيس منظمة “إلى الأمام”

مداخلة في ندوة إحياء الذكرى 55 لمنظمة “إلى الأمام”
نحيي، اليوم، الذكرى الأربعينية لوفاة الدكتور عامر المناضل القيادي في منظمة “إلى الأمام” والذي لم تثنيه حملات القمع الشرس المتتالية ضد هذه المنظمة منذ تأسيسها عن المشاركة الفعالة في إعادة بنائها في الفترة ما بين 1979 و1985 ولا عن المساهمة في تأسيس والعمل، بقوة وحماس، في النهج الديمقراطي، كاستمرار لتجربة الحركة الماركسية-اللينينية المغربية، وخاصة منظمة “إلى الأمام”، ثم في حزب النهج الديمقراطي العمالي.
ونحيي، في نفس الآن، الذكرى 55 لتأسيس المنظمة الماركسية-اللينينية الثورية المغربية “إلى الأمام” التي عبرت عن خطها الثوري من خلال إعلان التأسيس الذي عنونته ب”سقطت الأقنعة، فلتفتح الطريق الثوري” والذي جاء تعبيرا عن متطلبات الصراع الطبقي بعد أن إنكشفت طبيعة الاستقلال الشكلي كتكريس لنظام الاستعمار الجديد المرتكز على التبعية للامبريالية، وخاصة الفرنسية، على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والأمنية، وهيمنة النظام المخزني الذي كان قد حسم الصراع على السلطة لصالحه وصالح قاعدته الطبقية المشكلة من الكمبرادور وملاكي الأراضي الكبار. كما جاء تعبيرا على ضرورة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة الذي كان الحزب الشيوعي المغربي قد تراجع عن تحمل مسئولية بنائه.
كما يمثل هذا التأسيس استمرارا للخط الثوري الذي جسده، أساسا، القائد الفذ محمد بن عبد الكريم الخطابي ثم المقاومة المسلحة في المدن وجيش التحرير في البوادي في الجنوب والشمال والذي يرتكز إلى حرب التحرير الشعبية التي يخوضها الفلاحون ضد الاستعمار وضد الإقطاع والمخزن ومن أجل الاستقلال الحقيقي واسترجاع أراضيهم المغتصبة من طرف المعمرين والإقطاعيين والمقاومة المسلحة في المدن التي خاضتها الطبقة العاملة والكادحين(ات). هذه التجربة التي ألهمت ماو تسي تونغ وهو شي منه.
لقد أثرت عوامل عدة على تأسيس النهج الديمقراطي، في سنة 1995، حيث عرفت ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تطورات سلبية تمثلت في انهيار الإتحاد السوفييتي وخفوت الحركة الشيوعية وتراجع حركات التحرر الوطني وغزو الفكر الليبرالي والنيولبرالي العالم. لذلك طغت، في النهج الديمقراطي، فكرة النضال الديمقراطي الجماهيري التي تجسدت في طغيان النضال النقابي والحقوقي على عضوات وأعضاء التنظيم وضعف اهتمام المناضلين والمناضلات والأجهزة القيادية بمهام التغيير الثوري. إن ذلك لا ينتقص من أهمية وضرورة النضال الديمقراطي الجماهيري، خاصة في مرحلة الجزر خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وأهمية تشبت النهج الديمقراطي بالمواقف الجذرية من النظام القائم ومؤسساته الديمقراطية المزعومة وبالماركسية وببناء الأداة السياسية للطبقة العاملة وعموم الكادحين واعتبار القضية الفلسطينية قضية وطنية وطرح حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وغيرها من المواقف الجذرية للنهج الديمقراطي.
إن التطورات المتسارعة حاليا، على المستويين العالمي والإقليمي، التي تتميز بتصاعد نضال الشعوب وقوى التحرر الوطني والانظمة الوطنية والتقدمية والاشتراكية ضد هيمنة القطب الوحيد الذي تمثله المنظومة الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبالسقوط المدوي للسردية الغربية حول حقوق الإنسان والديمقراطية والتعامل الانساني وانفضاح طابع هذا القطب الارهابي والعنصري والمجرم والإبادي وفقدانه، إلى حد كبير، لمشروعيته والذي لعبت فيه الابادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني بدعم تام من هذه المنظومة والمقاومة المسلحة البطولية والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، خاصة في غزة، دورا حاسما، إن هذه التطورات تفتح آفاقا رحبة أمام تطور النضال الثوري من أجل التحرر من هيمنته وهيمنة الأنظمة العميلة له.
لذلك، لابد من استرجاع وتطوير الخط الثوري لمنظمة “إلى الأمام”. إنها مهمة معقدة وصعبة تتطلب، أولا وقبل كل شيء، توفر القناعة الراسخة لدى المناضلات الماركسيات اللينينيات والمناضلين الماركسيين اللينينين بإمكانية وضرورة التغيير الثوري وبالضرورة الملحة والحيوية لبناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية، كأهم أداة لقيادة هذا التغيير، والاجتهاد والإبداع في أشكال وآليات وسبل التقدم في هذا البناء. هذا المشروع العظيم الذي قرر حزبنا تحمل مسئولية بنائه في مؤتمره الوطني الخامس ويسعى، بكل قوة وعزم، إلى تجسيده من خلال السعي إلى بلترة وتقوية وتصليب الحزب، رغم الصعوبات الذاتية والتصرفات العدوانية للأعداء والخصوم. وفي نفس الآن، يستمر حزبنا في دعوة كل المناضلين والمناضلات المقتنعين(ات) بضرورة بناء هذا الحزب، بدون تأخر أو ارتخاء أو تردد أو مماطلة، وعلى رأسهم المناضلون(ات) الماركسيون(ات) اللينينيون(ات)، إلى النقاش لتدقيق التصور لبناء هذا الحزب.
لقد أعطت منظمة “إلى الأمام” أهمية قصوى لتكوين وتربية مناضلاتها ومناضليها ككوادر ثورية مسلحة، فكريا وسياسيا وتنظيميا، لخوض الصراع الطبقي والصمود في أحلك الظروف والالتحام بالجماهير الشعبية، وخاصة العمالية، وشجعت المبادرة حيث كانت تعتبر أن كل مناضلة وكل مناضل يجب أن يعتبر نفسه تنظيما. وكانت تعتبر أن التنظيم يبنى تحت نيران العدو وأن المناضلة والمناضل يصقلان في معمعان النضال.
سيرا على هذه الطريق التي افتتحتها منظمة “إلى الأمام”، فإن تثوير مناضلي ومناضلات حزب النهج الديمقراطي العمالي، لكونهم وكونهن الضمانة الأساسية لتحويل الخط الثوري الماركسي-اللينيني إلى واقع ملموس، مهمة حيوية لاتقبل التأخير.
غير أن هذا التثوير تعترضه صعوبات ذاتية تتمثل، أساسا، في تأثير الفكر الليبرالي وفكر البرجوازية الصغرى (الذاتية والزعامية ورفض المحاسبة والنقد والنقد الذاتي عن الأخطاء…). لذلك، لا بد من التذكير والتأكيد على مفهوم الثورة ومواصفات وأخلاق المناضل(ة) الثوري(ة) الماركسي(ة)-اللينيني(ة).
مفهوم الثورة والمناضل(ة) الثوري(ة) الماركسي(ة)-اللينيني(ة):
بالنسبة لنا كماركسيين-لينينيين، الثورة ليست فقط تغيير النظام السياسي المستبد الحالي بنظام سياسي آخر بل تتعداه إلى تغيير النظام الاجتماعي-الاقتصادي الرأسمالي التبعي بنظام وطني متحرر من هيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة على طريق الاشتراكية المرتكزة على التعاون بين المنتجين المبدعين الأحرار كمرحلة انتقالية نحو الشيوعية التي ينتفي فيها استغلال الإنسان للإنسان وتضمحل فيها الدولة وتنتقل فيها البشرية من سيادة الحاجة إلى سيادة الحرية وتسمح بازدهار الطاقات الإبداعية للإنسان.
الثورة تعني إذن نضالا طويلا يحكمه الإيمان –ليس بالمعنى الديني لكن بالمعنى الموضوعي –بقدرة وإمكانية وضرورة أن تتجاوز البشرية نظام الاستغلال وان تبني نظاما عادلا.
إن هذا الإيمان ليس مثالية جديدة أو كما يطرح ذلك الفلاسفة البرجوازيون “مسيانية” بل هو ضرورة. فالرأسمالية غير قابلة للاستمرار لأنها إضافة إلى الاستغلال المكثف للطبقة العاملة، ترمي بثلثي البشرية نحو الفقر والتهميش وتدمر الطبيعة في ظل جموحها اللامتناهي نحو تحقيق الربح.
إن الضرورة لا تعني الحتمية لأننا حين نقول بالحتمية فذلك يعفي القوى الثورية المناهضة للرأسمالية، باختلاف مشاربها، من دورها الأساسي في تسريع عملية التغيير وقيادتها وتوجيهها. فغياب هذا الدور سيؤدي إلى أن تطول مرحلة الانتقال بل ربما أن تسود البربرية أو نذهب نحو فناء البشرية.
إن ما سبق يعني أن الثورة ستكون سيرورة طويلة تنقسم إلى مراحل تعرف تطورا كميا تتلوها قفزات نوعية .إذن لا يجب اختزالها في فترات القفزات والقطائع. لذلك فان المناضل الثوري هو الذي يتميز بطول النفس .هذا مع العلم أن القطائع نفسها ليست قطائع مع كل ما كان متواجدا من قبل بل هي أيضا قطائع نسبية قابلة للتراجع إذا لم تحسن القوى الثورية استثمار نتائج هذه القطائع للسير إلى الأمام نحو تحقيق التغيير المنشود.
المناضل الثوري(ة) الماركسي(ة)-اللينيني(ة) يتخندق بجانب الطبقة العاملة وعموم الكادحين ليس انطلاقا من تصور مثالي أو تعاطف إنساني مع المضطهدين بل لان السيرورة التاريخية للتطور تمشي في اتجاه القضاء على كل أشكال الاستغلال والاضطهاد ولان الطبقة العاملة بحكم موقعها في علاقات الإنتاج هي الطبقة التي في مصلحتها القضاء على الرأسمالية لكونها تكتوي بنار الاستغلال.
المناضل الثوري(ة) الماركسي(ة)-اللينيني(ة) جزء من كل لأن الثورة عمل جماعي تقوم به الطبقات التي في مصلحتها التغيير عبر منظماتها وخاصة قواها السياسية.
بالنسبة إلينا التغيير سيمر بمراحل: مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي الذي يستهدف القضاء على الهيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة على البلاد ووضع لبنات التحول نحو الاشتراكية، ومرحلة بناء الاشتراكية وانجاز مهام المرحلتين الأولى والثانية متوقف على قيادتها من طرف الطبقة العاملة بواسطة حزبها. وقد أعلن مؤتمرنا الوطني الخامس على تحمل حزب النهج الديمقراطي العمالي المسئولية التاريخية لبناء هذا الحزب مع الاستمرار في مد اليد لكل من يتبنى بناء هذا الحزب، وخاصة الماركسيين-اللينينيين، لتعميق النقاش حول سبل بنائه. كما يعتبر حزبنا أن انجاز مهام التحرر الوطني والديمقراطي يتطلب بناء جبهة الطبقات الشعبية التي يشكل التحالف العمالي-الفلاحي عمودها الفقرى وتشكل التنظيمات الذاتية للجماهير الشعبية، وفي مقدمتها التنظيمات الذاتية للعمال والعاملات والكادحين والكادحت، قاعدتها الشعبية.
إذن، الثورة تقوم بها الجماهير الشعبية المنظمة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة ،وليست فعل نخبة أو نتيجة انقلاب أو مؤامرات.
إن الأخلاق مفهوم لازال يرتبط في أذهان أغلبية الناس بالدين، بصراع الخير والشر بثنائية الله/الشيطان ،وبهذا المعنى ،فان هذا المفهوم للأخلاق يلعب دور التعتيم على الصراع الطبقي ،أي أن الصراع هو بين الخير والشر وليس بين طبقات مستغلة وطبقات مستغلة.
بالنسبة إلى الدين ،الناس الخيرون أي ذوو الأخلاق الحميدة سيكافئون في الآخرة .الماركسية تطمح إلى أن يحقق الإنسان إنسانيته وان يتحرر من كل أنواع الاضطهاد والاستغلال في الأرض وليس في السماء. الماركسية تفسر لماذا تحول أنماط الإنتاج المبنية على الاستغلال الإنسان إلى عدو لأخيه الإنسان. الرأسمالية تضيف إلى ذلك تحويل الإنسان إلى بضاعة (قوة عمل تباع في سوق العمل) وتحول العلاقة بين الناس إلى علاقة بين الأشياء.
بالنسبة إلى الأديان الإنسان يتجاذبه الخير والشر وتحاول أن يتغلب الخير على الشر بالموعظة والتخويف من الآخرة. بالنسبة للماركسية، الإنسان ليس خيرا أو شريرا بالفطرة بل إن واقعه الموضوعي (أي موقعه في علاقات الإنتاج والعلاقات الاجتماعية، بشكل عام)هو الذي يحدد أخلاقه وتعامله.
الأديان والأخلاق التي تحملها هي في جانب منها الشكل المثالي لطموح الإنسان نحو تحقيق إنسانيته. فهي تحافظ على الأغلال التي تكبل الإنسان وتحاول تلطيفها باستعمال الأخلاق (العدل، الإحسان، التآزر…). الماركسية تهدف إلى تكسير الأغلال وتحرير الإنسان.
المناضل الثوري(ة) الماركسي(ة)-اللينيني(ة) ليس إنسانا يعيش في فراغ. إنه يعيش في عصره وفي بيئته وسيكون من المثالي الظن أنه لا يتأثر بهما. لكن هنا يظهر دور التنظيم الذي يساعده على الرقي بوعيه ويجعله يخضع حياته وسلوكه لمشروع التغيير الذي يؤمن به ويصارع الأفكار والسلوكات التي تناقض هذا المشروع أي كل أشكال الايديولوجيا البرجوازية والايديولوجيات الرجعية، بشكل عام.
المناضل الثوري لا يعيش صراعا بين الخير والشر بشكل مجرد وغامض بل بين السلوكات والأفكار والممارسات التي تساهم في التقدم نحو التغيير المنشود والسلوكات والأفكار التي تحول دونه.
مواصفات وأخلاق المناضل(ة) الثوري(ة) الماركسي-اللينيني(ة):
انطلاقا مما سبق، فان أهم مواصفات المناضل الثوري تتمثل فيما يلي:
– التموقع بجانب الطبقة العاملة ويعني بالنسبة للمناضلين ذوي الأصول البرجوازية الانتحار الطبقي.
– الصمود والثبات في أحلك الظروف.
– الوعي أن التغيير سيرورة طويلة وليست خطا مستقيما (تعرجات ومد وجزر).
– التواجد المستمر وسط النضالات.
– الصبر والتفاني في العمل النضالي.
– المبادرة والإبداع والسعي باستمرار وبدون تراخي إلى معرفة الواقع.
– الصراع والحزم في مواجهة الأفكار والسلوكات والممارسات التي تضر بالتنظيم (داخليا وفي علاقته بالجماهير) وبالمشروع الثوري الماركسي-اللينيني.
– السلوك الثوري لا يختزل في العمل داخل التنظيم بل هو نمط للعيش اليومي والتزام يومي.
– الصراع ضد كل أشكال الانتهازية في شكليها اليميني(الذي يعني العمل على إخضاع الطبقة العاملة وعموم الكادحين لمصالح البرجوازية والتخلي عن المصالح الجذرية للطبقة العاملة) واليسراوي (الذي يعني خليطا من التنظيرات الثورية المتطرفة أو العدمية البعيدة عن الواقع أو تكتيكات مغامرة يمكن أن تدفع الحركة الثورية إلى أعمال غير مبررة تكون نتائجها التراجع أو الهزائم).
– الصراع ضد التكتلات ورموزها والتي تؤدي غالبا إلى الانشقاقات وبالتالي إضعاف الحركة الثورية.
– مواجهة الجمود العقائدي الذي يتجلى في تقديس النصوص وعزلها عن سياقها ومحاولة إسقاطها على واقع مغاير أو استخدام القوالب الجاهزة والخوف من كل ما هو جديد وبكلمة عدم الارتكاز إلى التحليل الملموس للواقع الملموس.
– الدفاع عن توجهات وبرنامج التنظيم وخاصة نبذ كل أشكال الاضطهاد داخل المجتمع وداخل التنظيم ضد المرأة ومواجهة التعصب الديني والعرقي والاثني والقومي.
– الالتزام بالعمل الجماعي والقيادة الجماعية وبالعلاقات المبنية على المركزية-الديمقراطية وبالمحاسبة الرفاقية وممارسة النقد والنقد الذاتي على الأخطاء والهفوات والنواقص والصراع ضد الزعامية والنجومية والوصولية والجري نحو المناصب. النقد يجب أن يكون صريحا ومباشرا وليس في الخلف وان يستهدف التصحيح وليس الإجهاز وأن يكون موضوعيا
– الالتزام بالأممية ونبذ الشوفينية.
ويجب ان يتميز المناضل الثوري بالأخلاق التي تجعل منه قدوة يحتدى بها في الأوساط الشعبية ومنها:
– الاستقامة:إن هذه من الخصال الأساسية التي تجعل الجماهير تحترم وتثق في التنظيم من خلال استقامة أعضائه.
– المثابرة والإصرار ومتابعة الأمور حتى تحقيق نتائجها.
– التواضع واحترام الرفاق والرفيقات والجماهير.
– القدرة على محاسبة الذات قبل الآخر.
– الإيثار والتضامن ورفض السلوك الأناني والاستعداد للتضحية بالمصالح الشخصية خدمة للتنظيم وللمشروع الثوري الماركسي-اللينيني.
– نبذ الحلقية والنظرة التآمرية في التنظيم وبالنسبة للتصور للتغيير الثوري.