من وحي الأحداث 459 : الحوار الاجتماعي او كيف تشتري الدولة الفاشلة السلم الاجتماعي.
من وحي الأحداث 459
التيتي الحبيب
الحوار الاجتماعي او كيف تشتري الدولة الفاشلة السلم الاجتماعي.
هل كانت صفقة الحوار الاجتماعي صفقة بين مغفلين؟ احسب إن الأمر كذلك لأنه في التجارة دائما هناك طرف غفل أو قل هو في موقع الضعيف يفرض عليه القوي شروطه. لكن في حالة صفقة الحوار الاجتماعي هناك طرفين مغفلين وهذا لعمري شيء طريف ومضحك رغم مأساوية الوضع الاجتماعي ببلادنا.
لقد أبرمت الدولة عبر حكومتها صفقة الحوار الاجتماعي بأن “اشترت” وهما أو بضاعة غير حقيقية من مالك لا يملك لا حق الملكية ولا حتى حق التصرف، كما البائع “باع” شيئا لا يملكه وليس بحوزته.
موضوع صفقة الحوار الاجتماعي هو السلم الاجتماعي؛ لأن الحكومة لا تملك أية وسيلة حقيقية لكي تستجيب لمطالب الطبقة العاملة وبشكل عام مجموع الشغيلة ببلادنا. فأمام التردي المهول وانهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وتفشي موجة جديدة من غلاء أسعار المواد الأساسية بمبررات الحرب في أوكرانيا أو بارتباط مع الجفاف المستديم؛ فإن مطلب تطبيق السلم المتحرك للأجور أصبح أكثر إلحاحا وهو الكفيل بكبح جماح الفقر الكاسح الذي يطال جميع الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة. ولذلك جعلت الحكومة من مناسبة الحوار الاجتماعي مجالا لبيع الوهم في إصلاح أوضاع الكادحين بتوزيع الوعود الكاذبة في الرفع من الحد الأدنى للأجور على مراحل وربط ذلك بالاستجابة لشروط السلم الاجتماعي والرضوخ لاشتراطات الباطرونا بالقبول بالقوانين المكبلة للإضراب أو الإجهاز على ما تبقى من مكتسبات في مدونة الشغل البئيسة أصلا. اعتمدت الدولة على هذا الحوار وعلى تعاون القيادات البيروقراطية في المركزيات النقابية هذه القيادات التي ناورت على قواعدها طيلة ساعات الحوار الاجتماعي حيث أشاعت بأنها لن توقع على الاتفاق المهزلة إن بقي في صيغته الأصلية ثم وقعت تحت تبرير أن الاتفاق أصبح جيدا لأن صيغته الأخيرة كانت أحسن وأجود، بينما في الحقيقة استطاعت الحكومة أن تخفي نواياها وتدسها في ثنايا فقرات نفس الاتفاق وهذه النوايا واضحة للقواعد وباقي جماهير الشغيلة التي همشت وخرجت خاوية الوفاض وما عليها إلا الانتظار حتى تتنزل القوانين التطبيقية للوعود العرقوبية في حوار 30 ابريل 2022
أما حكاية السلم الاجتماعي فان مفتاحه يوجد بيد المتضررين وملايين الفقراء الذين اكتووا بنار الغلاء وبلهيب السياسات التفقيرية التي تنهجها الباطرونا وترعاها دولتهم الفاشلة. هذه هي الجماهير التي لم تبع مصيرها ومستقبلها للحكومة، ولم تعطي الشرعية للبيروقراطيات المتنفدة في المركزيات النقابية لتتصرف باسمها. إنها بيروقراطيات معزولة عن قواعد نقاباتها وهي تزداد انفضاحا وتنكشف طبيعتها المعادية لمصالح الطبقة العاملة، لأنها سرقت أهم سلاح بيد الشغيلة وهو النقابة ومدرسة النضال النقابي هذه النقابة التي ستعود لأصحابها طال الزمن أو قصر.