جدلية التحرر الوطني وتحرر الطبقة العاملة

جدلية التحرر الوطني وتحرر الطبقة العاملة

جدلية التحرر الوطني وتحرر الطبقة العاملة

في جميع البلدان، فإن العناصر المتعلمة البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة التي تطمح لبناء نظام اجتماعي ينتفي فيه الاستغلال هي التي تتبنى، في البداية، الماركسية وليس العمال والعاملات بسبب وضعهم الاجتماعي. وهذه العناصر الثورية هي التي تأخذ، في الغالب، مبادرة بناء أحزاب الطبقة العاملة. لكن لا تكفي الرغبة والطموح لإنجاز هذه المهمة الصعبة. ذلك أن بناء هذا الحزب يتطلب أن تستبطن الطلائع العمالية الماركسية، كمنهج لتحليل الواقع الملموس ونظرية لتغييره لصالح الطبقة العاملة وباقي الكادحين، منهج ونظرية خاضعين للتطور باستمرار. إن حل هذه المفارقة، أي تبني عناصر غير بروليتارية للماركسية بينما البرولتاريا التي لها مصلحة في تبني الماركسية هي بعيدة عنها، قد أدى إلى أخطاء. فمن خلال فهم سطحي لمقولة لينين في كتاب “ما العمل؟” أن الوعي الطبقي يأتي للطبقة العاملة من خارجها، إعتبر المثقفون الماركسيون أنهم هم الذين سيحملون الوعي الطبقي الثوري للطبقة العاملة. الشيء الذي جعل من تلقين العمال والعاملات الماركسية هو السبيل الأساسي لبناء الحزب. وإذا كان تعلم الماركسية مسألة إيجابية، فإن ذلك قد يكرس، بدون وعي، الاستاذية وتفوق العنصر البرجوازي الصغير المثقف والمنظر. كما أن عدم ربط هذا التكوين بالمساهمة في الإجابة على المشاكل التي تعترض العمال والعاملات قد يجعل فائدته ضعيفة.
هناك ما هو أخطر: إن ما يعنيه لينين من أن الوعي الطبقي يأتي من خارج الطبقة العاملة هو أنه يأتي من خارج نضالها الاقتصادي الهادف إلى الدفاع عن مصالحها المباشرة، أي أنه يأتي من ارتباطها وانخراطها في النضال العام من أجل التغيير في الفترة المحددة الملموسة. هكذا، فإن تطور الوعي الطبقي للعمال والعاملات لن يتأتى، أساسا، بواسطة التكوين الداخلي، بل من خلال انخراطهم(ن) في الصراع الطبقي الملموس الدائر في المجتمع. هذا الصراع الذي تحدده طبيعة المرحلة التي يمر منها شعب معين. هنا يكمن الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه الحزب الشيوعي المغربي الذي، عوض أن يكون سباقا لطرح قضية الاستقلال ويمكن الطبقة العاملة من احتلال موقع متقدم في النضال الشعبي الملموس والضروري آنذاك، ترك المبادرة في يد البرجوازية، مما مكن الاستعمار وحلفاؤه المحليون من إجهاض نضال التحرر الوطني وتكريس الهيمنة الامبريالية والرجعية على بلادنا.
إننا نعيش مرحلة التحرر الوطني من هيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة والبناء الديمقراطي. ونعتبر أن الطبقة العاملة وحلفائها الموثوقين (الفلاحون الكادحون وكادحو الاحياء الشعبية) هم القادرون على أنجاز مهام هذه المرحلة والسير بها نحو الاشتراكية. ولذلك من واجبنا أن نقوم بكل المجهودات الممكنة لكي تتمكن الطلائع العمالية والكادحة بشكل عام من استيعاب طبيعة هذه المرحلة والدور الجوهري المنوط بالطبقة العاملة وعموم الكادحين فيها. إن التحرر الوطني يخدم مصلحة الطبقات الشعبية، فإنه يؤسس لديمقراطية أرقى بكثير من الديمقراطية المخزنية الصورية التي تخدم مصالح الكتلة الطبقية السائدة، أي أقلية قليلة من المجتمع.
إن النهج الديمقراطي يعتبر أن العمل النقابي هو المدخل الأساسي للتجدر وسط الطبقة العاملة. وبما أن التجدر وسط الطبقة العاملة يتطلب تطور الوعي الطبقي للطبقة العاملة الذي، كما طرحنا سابقا، يستوجب أن تنخرط الطبقة العاملة في النضال العام في المجتمع، فإن عملنا النقابي، إذا ظل منحصرا في النضال الاقتصادي الضروري لكن غير الكافي، سيساهم في إبعاد الطبقة العاملة عن الاهتمام، فأحرى الانخراط، في النضال العام وبالتالي يلعب دورا خطيرا في عرقلة تطور الوعي الطبقي للعمال ويقف بالنتيجة سدا منيعا أمام تجدر حزبنا في الطبقة العاملة. ولعل عدم انخراط الطبقة العاملة في حركة 20 فبراير يرجع، ليس لهيمنة البروقراطية النقابية فحسب، بل أيضا، إلى طبيعة العمل النقابي، ومن ضمنه عملنا النقابي، المغرق في الاقتصادوية. هكذا لن يتم التجدر وسط الطبقة العاملة من خلال تكوين العمال والعاملات واستقطاب طلائعهم إلى صفوفنا فقط، لكن أيضا بواسطة العمل من أجل انخراط الطبقة العاملة في نضال الشعب المغربي من أجل التحرر الوطني من هيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة وتحديد التكتيكات والشعارات الملموسة التي تمكن من التقدم في إنجاز هذه المهمة وإخضاع عملنا كحزب، في مختلف الواجهات، وخاصة النقابية، لهذا الهدف.