في المهام العاجلة للعمل النقابي
معاد الجحري
تعمقت الاختلالات المزمنة للحركة النقابية المغربية وتراجع أداؤها النضالي الضعيف أصلا. وتوطدت مظاهر البيروقراطية والفساد في صفوف القيادات المتنفذة في المركزيات النقابية الأساسية وذلك بتفاوت طبعا. وينتهك مبدأ الاستقلالية بشكل فج وصارخ. فإذا كانت الكدش قد اعتادت على الاصطفاف وراء فيدرالية اليسار الديمقراطي وتدعو جماهير الشغيلة إلى التصويت لفائدتها في مختلف المحطات الانتخابية، فان الاتجاه المتنفذ في قيادة الامش، ضدا على خطاباته الطنانة حول الاستقلالية، اصطف دون خجل وراء الأحزاب الإدارية (الأصالة والمعاصرة، التجمع الوطني للأحرار).
ساهمت هذه الوضعية بشكل رئيسي في نفور عام من النقابات، بل ومن العمل النقابي المنظم نفسه. ويبدو من الملاحظة العينية أن القاعدة النقابية ازدادت انكماشا.
كما تفشت الفئوية الضيقة حيث كل فئة تناضل بمفردها، الأمر الذي يستنزف الطاقات ويشتت الجهود دون مكتسبات تذكر.
في هذا المشهد يضيع مبدأ التضامن النقابي، أحد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها العمل النقابي، إلا ما نذر. ويغيب الانخراط في النضال العام من أجل الديمقراطية وضد الصهيونية والامبريالية.
فالامش غير منخرط كمركزية نقابية لا في الجبهة الاجتماعية المغربية ولا في الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع. وحدها الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تنقذ ماء وجه هذه المركزية.
لكن، مع ذلك، فالصورة ليست سوداء. إذ توجد في الحقل النقابي جزر ديمقراطية ومكافحة ساهم في تشييدها، مساهمة معتبرة، جيل من الشيوعيين/ات من النهج الديمقراطي. وتم هذا رغم أنف البيروقراطية والمخزن، بفضل العمل الدؤوب، المسترسل مع العمال والشغيلة بشكل عام والمراكمة، وخوض الصراع مع البيروقراطية لكن بشكل جماعي وفي قلب الحركة وإلى جانب الشغيلة وليس بدلها وتجنب الصراع الفوقي والمعزول وبدون هوادة.
هذه التجارب تجد اليوم صعوبات في رفع التحديات المطروحة في ظل موازين القوى المرتبطة بالحركة النقابية نفسها أو الموضوعية والمتمثلة في تغول المخزن وطغيان الباطرونا في إطار هجوم الرأسمالية المتوحشة، حيث أصبح العمل النقابي شبه ممنوع في القطاع الخاص وصعبا للغاية في القطاع العمومي حيث يتم التضييق على الحق في ممارسة الإضراب بفعل الاقتطاعات من أجور الموظفين.
ينشط النهج الديمقراطي في مركزيتي الامش والكدش وكل استثناء تفرضه الظروف (وجود مؤسسة إنتاجية او خدماتية أو مرفق عمومي منضوي تحت لواء نقابة غير نقابات هاتين المركزيتين) يخضع لتوجيه من طرف قيادته.
كما يعمل في الجامعة الوطنية للتعليم/ التوجه الديمقراطي وفي النقابة الوطنية للتعليم العالي وفي الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة.
إن الوضعية التي توجد عليها الحركة النقابية مقلقة للغاية وتتطلب تدخلا إراديا وسريعا من لدن القوى الجذرية وخاصة منها المعنية ببناء الحزب المستقل للطبقة العاملة وعلى رأسها النهج الديمقراطي.
إن أولى المهام العاجلة هي إعادة الاعتبار للعمل النقابي المنظم. يجب ترسيخ فكرة أن العمل النقابي ضروري وأن النقابة تعد أداة أساسية في يد الطبقة العاملة لخوض النضال الاقتصادي. ونقطة الانطلاق هي انخراط جميع المناضلين/ات في النقابة المناسبة لهم والأهم وضخ دماء شابة جديدة للعمل اليومي في الاتحادات المحلية والقيام بعمل مخطط وإرادي لتكوين الأطر النقابية لقيادة هذا العمل.
لقد شهدنا في السنوات الأخيرة محاولات جدية لتوسيع العمل النقابي ليشمل الفئات الكادحة غير العمالية لعل أبرزها وأهمها على الإطلاق تأسيس النقابة الوطنية للفلاحين التي يجب أن تحظى بعناية خاصة.
أكثر من ذلك يجب ربط العمل النقابي بحركة المعطلين ومختلف الحركات الاحتجاجية وهذه مسؤولية تقع بالأساس على عاتق النقابات من خلال الخطاب والمواقف والمطالب والممارسة الملموسة باحتضان هذه الحركات في مقراتها والتضامن الملموس معها. وهذا الربط يتطلب إعداد تصور أولي له يتجاوز الدعم المتبادل بين طرفي العلاقة إلى مستوى تمفصل من مستوى أعلى وأوثق.
ومن المهام الضرورية بناء التوجه الديمقراطي المرتبط بالامش والتوجه الديمقراطي المرتبط بالكدش والدمج بينهما. هذا التوجه ليس تيارا مهيكلا داخل كل نقابة ولا هو بديلا عنها بل قوة تجسد منظورا كفاحيا وعامل ضغط ومقاومة.
تحتل الجامعة الوطنية للتعليم/التوجه الديمقراطي وضعية خاصة لا بد من الوقوف عليها تنويرا لجيل الشباب الذي التحق بها في السنوات الأخيرة. هذه النقابة عقدت مؤتمرها الثاني عشر بعدما تعرض التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل لأكبر عملية تصفية سياسية في تاريخه ابتداء من 5 مارس 2012 بسب انخراطه في حركة 20 فبراير المجيدة. وكان ذلك المؤتمر كما ورد في البيان الختامي الصادر عنه، إجراء مؤقتا ولكن ضروريا لتدبير الصمود في انتظار تصحيح الأوضاع داخل المركزية وفرض تراجع البيروقراطية عن إجراءاتها التصفوية. لم يكن القصد منه أبدا تأسيس نقابة دائمة الوجود بل دفاعا عن النفس في وجه العاصفة. نحن لم ننسحب من الامش بدعوى البيروقراطية، لأننا لسنا طهرانيين، إنما تم إغلاق باب النقابة في وجهنا.
لذلك فالمكان الطبيعي للجامعة الوطنية للتعليم /ت.د هو في الامش إلى جانب باقي المكونات وخاصة القطاعات العمالية الواسعة. وإذا كانت شروط ذلك غير متوفرة الآن بسبب خوف البيروقراطية الدائم من قطاع التعليم فإن النقاش حول هذا الموضوع يجب أن يبقى مفتوحا بهدوء وروية ومسؤولية.
ورغم الصعاب، يمكن للجامعة الوطنية للتعليم أن تلعب دورا مهما في تنقيب الفلاحين الكادحين والعمال الزراعيين نظرا لانتشارها الواسع بما في ذلك في الوسط القروي شريطة توفر الوعي بذلك.
وبالنسبة للتعليم العالي والإتحاد الوطني للمهندسين فالمطلوب تطوير تيار الأساتذة الباحثين التقدميين وبناء تيار المهندسين التقدميين وخوض الصراع الداخلي ضد الاتجاه الخياني الذي يناصر التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يتزعمه الاتحاديون في هاتين النقابتين.
إن مسؤولية حزبنا جسيمة في النهوض بالعمل النقابي التقدمي المنخرط في النضال العام لشعبنا ضد الاستبداد والحكم الفردي المطلق وضد التبعية والصهيونية الأمر الذي يتطلب القيام بمجهود فكري وسياسي لتسييس القواعد النقابية ونشر الوعي الطبقي في صفوفها وإقامة تمفصل سديد مع عملنا السياسي التنظيمي والمساهمة في بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة.
14 يوليوز 2022.