الميثاق الجديد للاستثمارات بالمغرب، هل يصلح الخلف ما أفسده السلف؟

الميثاق الجديد للاستثمارات بالمغرب، هل يصلح الخلف ما أفسده السلف؟




الميثاق الجديد للاستثمارات بالمغرب، هل يصلح الخلف ما أفسده السلف؟





في شهر فبراير من سنة 2022 تمت المصادقة على القانون الاطار رقم 03-22 ميثاق الاستثمار، و ذلك خلفا للقانون الاطار السابق رقم 18-95 والذي جرى به العمل لمدة 26 سنة. وقبل هذا الميثاق صادق مجلس الحكومة، في فبراير 2021 على مشروع مرسوم رقم 2.21.67 يتعلق بتطبيق أحكام القانون رقم 76.20 القاضي بإحداث “صندوق محمد السادس للاستثمار.” كل هذه الإجراءات أتت تفعيلا لتوجهات النموذج التنموي الجديد، الذي اكد على تولي الدولة مسؤولية تحفيز الاستثمارات بعد أن لوحظ عياؤها من حيث مردودية النمو وتراجع فرص الشغل. في هذا المقال نستعرض الإضافات التي يوفرها كل من “صندوق محمد السادس للاستثمار” والميثاق الجديد للاستثمار؛ كما نتساءل تساءل عن مغازيها الحقيقية من حيث توطيد دينامية النمو وخلق فرص الشغل، مع الانتباه إلى الدور المنوط بالقطاع الخاص في كليهما.

المعضلة: لماذا لا تولد الاستثمارات الا القليل من النمو والشغل؟

هذا هو السؤال المؤرق الذي انتهت اليه كل الدراسات التي تناولت واقع تراجع معدلات النمو والشغل رغم بلوغ الاستثمارات الاجمالية مستويات عالية خلال العشرين سنة الأخيرة. كما طرحه أيضا عدد من المسؤولين الرسمين. فهذا والي بنك المغرب يصرح امام لجنة المالية بالبرلمان في فبراير 2022 أن مستوى الاستثمارات بلغ 32 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في الفترة ما بين 2000 و2019 مسجلا أن المغرب يحتل الرتبة الثالثة من بين الدول التي تستثمر أكثر، بمعدل يفوق المعدل الدولي. ومع ذلك، ظلت نسب النمو ادنى من 5 بالمائة. مع تراجع ملحوظ ابتداء من سنة 2014.

من جهتها حاولت المندوبية السامية للتخطيط استكشاف هذه الإشكالية باللجوء إلى لعدة مؤشرات، حيث أظهرت أن الاستثمارات المنجزة في المغرب لها مردود هامشي ضعيف على العموم. واستعملت المندوبية، على الخصوص، المعامل الهامشي لرأس المال الذي يقيس العلاقة بين معدل الاستثمار ومعدل النمو، حيث كلما ارتفعت هذه النسبة كلما ضعف أثر الأول على الثاني (والعكس صحيح). وعلى سبيل الايضاح والمقارنة، في الفترة 2000- 2019 وفر المغرب 9,4 وحدة استثمار لكل نقطة نمو مئوية، وهذا يفوق ما حققته دول أخرى: مصر (4,7)، الفلبين (4,2)، الصين (4,9)، ماليزيا (5,8) وتركيا (6,5).

ومن حيث خلق الشغل، فقد ترتب عن كل نقطة نمو في الفترة 2000- 2009 توفير معدل سنوي يساوي 30000 منصب شغل، بينما انخفض هذا المعدل الى 21000 منصب في الفترة 2010-2019. وقد أكدت دراسة معمقة أجرتها مديرية الدراسات والتوقعات بوزارة المالية انخفاض مهم في العلاقة بين النمو والتشغيل إذ أن لكل نقطة مئوية من نمو الناتج الداخلي الإجمالي، بين عامي 2008 و2017، لم يتقدم إجمالي التشغيل الا بنسبة 0,12 مئوية في المتوسط مقابل 0,33 مئوية بين سنتي 2000 و2007، وكلها معدلات أضعف من التي سجلتها دول أخرى مثل تونس ومصر.

ومع ذلك تظل التفسيرات المتداولة، من توجيه الاستمارات إلى البنيات التحتية والقطاعات ذات المردودية المنخفضة، دون الاتيان بالمحددات البنيوية لهذه المعضلة التي تؤطر آلية تقسيم الأدوار بين القطاع العمومي والقطاع الخاص بما فيه الاستمارات الأجنبية المباشرة.

“صندوق محمد السادس للاستثمار”

تأسس الصندوق كشركة مجهولة الاسم مملوكة في البداية من طرف الدولة مع تحديد الرأس المال الأولي للصندوق في 15 مليار درهم، على ان يتم رفعه إلى 45 مليار درهم بمشاركة القطاع الخاص ومساهمين مؤسساتيين من المغرب والخارج.

إن الغرض من صندوق محمد السادس للاستثمار، كما جاء في ورقة تقديمية، هو “المساهمة في تمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى ومواكبتها، على الصعيدين الوطني والترابي، في إطار الشراكات مع القطاع الخاص، وكذا المساهمة من خلال الصناديق القطاعية أو الموضوعاتية في رأس مال المقاولات الصغرى والمتوسطة. وسيساهم مباشرة في رأس مال المقاولات الكبرى، العمومية والخاصة، النشيطة في المجالات التي يعتبرها الصندوق ذات أولوية، وذلك بوضع أدوات مالية مناسبة من قبيل التسبيقات والقروض القابلة للإرجاع، وتمويلها بأموال شبه ذاتية. كما سيضطلع الصندوق أيضا بإعداد ووضع آليات تمويل مهيكِلة لإيجاد حلول تمويلية للمقاولات العاملة في المجالات التي يرى الصندوق أنها تكتسي الأولوية”.

نلاحظ هنا أن الصندوق يستهدف المقاولات الكبرى، العمومية والخاصة، النشيطة في المجالات التي يعتبرها ذات أولوية وفق أهدافه.

مع بداية سنة 2024 قرر الصندوق إنشاء صناديق قطاعية يعهد تسييرها لمجموعة من الشركات المتخصصة. وقد تم في البداية اختيار قائمة تضم 17 شركة لتدبير هذه الصناديق القطاعية. وحسب ما صدر عن اجتماع مجلس الإدارة ولجنة الاستراتيجية والاستثمار، تتميز شركات التدبير التي تم اختيارها بالتنوع والتكامل، وتغطي جميع القطاعات ذات الأولوية، وهو ما يتماشى مع السياسة الاستثمارية للصندوق، بما في ذلك سياسة تنويع المخاطر.

الميثاق الجديد للاستثمار: من أجل دعم دينامية الاقتصاد المغربي

تمت المصادقة على القانون الإطار 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار من طرف المجلس الوزاري بتاريخ 13 يوليوز 2022، ثم البرلمان بتاريخ 29 نونبر، (نُشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 دجنبر)، وصدر مرسومه التنفيذي المتعلق بتفعيل الأحكام الرئيسية والاستراتيجية ﺧﻼل ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﻨﻌﻘﺪ ﺑﺘﺎرﻳﺦ 26 ﻳﻨﺎﻳﺮ 2023.

بعد هذا، انطلقت حينها سلسلة من المشاورات بين الحكومة والجهات المؤسساتية المعنية والجهات الفاعلة في القطاع الخاص بغية وضع اللمسات الأخيرة على ميثاق الاستثمار الجديد والكشف عن الخطوط العريضة الأولى لمقتضياته.

يضم ميثاق الاستثمار الجديد، في محوره الأول، أربعة أنظمة لدعم الاستثمار، بما فيها نظام دعم أساسي واحد وثلاثة أنظمة دعم خاصة موجهة لمشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي وللمقاولات الصغرى والصغيرة والمتوسطة، ولتشجيع المقاولات المغربية على التواجد على الصعيد الدولي.

ويقدم نظام الدعم الأساسي للاستثمار ثلاثة أنواع من المنح التي يمكن الجمع بينها في حدود 30 في المائة من مبلغ الاستثمار، وهي خمس منح مشتركة ومنحة ترابية واحدة ومنحة قطاعية واحدة. وتعد أهلية الحصول على هذه المنح مشروطة باستيفاء أحد المعيارين المحددين بدقة.
وللاستفادة من منح نظام الدعم الأساسي، يتعين على المستثمر الانخراط في مشروع استثمار يساوي أو يفوق مبلغه الإجمالي 50 مليون درهم بالإضافة إلى خلق ما لا يقل عن 50 منصب شغل. وينص معيار الأهلية الثاني على خلق ما لا يقل عن 150 منصب شغل قار.

يسجل المغرب واحدا من بين أعلى معدلات الاستثمار في العالم، حيث يمثل 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل متوسط عالمي يبلغ قرابة 20 في المائة. ورغم ذلك، فإن الاستثمار الوطني يفتقر إلى النجاعة، حيث تبلغ حصة استثمار الدولة ثلثي إجمالي الاستثمار مقابل مساهمة القطاع الخاص بالثلث فقط. وتُعزى هذه الوضعية أيضا إلى عدم توجيه الاستثمار الخاص بشكل كافٍ نحو القطاعات المدرة لمناصب الشغل وللقيمة المضافة. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية ميثاق الاستثمار الجديد.

ويتمثل الهدف الرئيسي للميثاق في عكس معادلة الاستثمار الخاص والعام، ليشغل القطاع الخاص الثلثين، أي 350 مليار درهم بحلول سنة 2035 وليحظى الاستثمار العمومي بالثلث، وذلك بناء على التزام قوي من جانب السلطات لفائدة المقاولات من حيث الضرائب أو العقار أو الولوج إلى الطلبيات العمومية أو تبسيط الإجراءات الإدارية.

وبحلول سنة 2026، تهدف الحكومة، بموجب هذا الميثاق المدعوم من القطاعين الخاص والبنكي، إلى تعبئة 500 مليار درهم من الاستثمارات الخاصة وخلق 500 ألف منصب شغل، من أجل ضمان اتساق التزامات مختلف الجهات الفاعلة.

خلاصة لا بد منها: شهادة شاهد من أهلها
“يتمثل الهدف الرئيسي للميثاق في عكس معادلة الاستثمار الخاص والعام، ليشغل القطاع الخاص الثلثين، أي 350 مليار درهم بحلول سنة 2035 وليحظى الاستثمار العمومي بالثلث، وذلك بناء على التزام قوي من جانب السلطات لفائدة المقاولات من حيث الضرائب أو العقار أو الولوج إلى الطلبيات العمومية أو تبسيط الإجراءات الإدارية.”

(تتمة المقال قريبا: “لمن يتم تفكيك المؤسسات العمومية وتفويت المقاولات العمومية”؟)

محمد موساوي
في 23 يناير 2025