عبد الحق الوسولي بمناسبة اليوم الوطني للمختطف (المختفي قسريا): من أجل الحقيقة والعدالة – المغرب الأقصى

عبد الحق الوسولي بمناسبة اليوم الوطني للمختطف (المختفي قسريا): من أجل الحقيقة والعدالة – المغرب الأقصى




مداخلة في ندوة 26 أكتوبر 2024 بمناسبة اليوم الوطني للمختطف 29 أكتوبر الذي يصادف اختطاف المناضلين المهدي بنبركة والحسين المانوزي





أولا أتقدم بالشكر لقناة حرة بريس والأستاذ أسامة سعدون على استضافته ومشاركته في تنظيم هذا الحوار تحت شعار من أجل الحقيقة والعدالة. والشكر موصول كذلك للأساتذة المشاركين في تأطير هذا الحوار البشير بنبركة، رشيد المانوزي ومحمد بجاجا تخليدا لليوم الوطني للمختطف 29 أكتوبر الذي يصادف اختطاف المناضلين الكبيرين المهدي بنبركة والحسين المانوزي. كما أتقدم بتحية تقدير واحترام وإجلال، إلى شهداء الشعبين الفلسطيني واللبناني، المقاومة الفلسطينية واللبنانية، شهداء الشعب المغربي، عائلات الشهداء، عائلات المختطفين مجهولي المصير وكافة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا المقترفة في الماضي والحاضر من طرف النظام المغربي وكافة المناضلات والمناضلين المتتبعين لهذا الحوار. إننا نحيي هذه الذكرى حتى لا ننسى المختطفين مجهولي المصير وشهداء الشعب المغربي والمبادئ النبيلة التي ضحوا بحياتهم من أجلها كالحرية والكرامة والعيش الكريم لكل المغاربة، وناضلوا من أجل مجتمع ديمقراطي خال من كل أنواع الاستغلال والاستبداد والتسلط تكون فيه السيادة للشعب حتى يتمكن من تقرير مصيره بنفسه.

سأركز في هذه المداخلة على 3 محاور:

تقديم مركز حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب في الماضي، التجربة المغربية وتكرار هذه الجرائم
الخصاص الكبير في التجربة المغربية
المهام المطروحة

I- تقديم مركز حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب في الماضي، التجربة المغربية وتكرار هذه الجرائم

لا بد من الإشارة هنا وحتى لا ننسى أنه ومنذ الاستقلال الشكلي عرف المغرب الكثير من الأحداث السياسية، والهزات الاجتماعية، والحركات الاجتماعية ترتب عنها أحداث دموية عنيفة، (الريف 1958) ـ (الدار البيضاء 1965-1981) ـ (مراكش ومدن الشمال 1984) ـ (فاس – طنجة 1990)، بالإضافة إلى اعتقالات ومحاكمات سياسية شاملة (1963-1969-1971-1972-1973-1977-1981-1984-1986-1990)، كما عرف تاريخ الصراع بالمغرب كذلك، أسلوب الاختطاف، الاغتيال السياسي والنفي الاضطراري.

لقد صاحبت هذ الأحداث وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب مند سنة 1956 وتنوعت من حيث طبيعتها ودرجة عنفها وآثارها وأبعادها وشملت الاختفاء القسري، الاعتقال التعسفي، الإعدام خارج نطاق القانون، التعذيب الوحشي المفضي إلى عاهة مستديمة او الموت، المنفى الاضطراري او الاختياري هربا من الاضطهاد السياسي، المحاكمات السياسية الجائرة، الحصار ونزع ومصادرة الممتلكات، الاغتصاب الممارس على الضحايا وخاصة النساء كما شملت هاته الانتهاكات الأفراد والجماعات والمناطق بأكملها. لقد اتسمت هاته الانتهاكات بالاستمرارية والشمول وشكلت نمطا ونهجا ثابتا واختيارا سياسيا للدولة في مواجهة الحركات السياسية المعارضة والحركات الاحتجاجية الشعبية وما تعامل النظام مع الحراك الشعبي بالريف وجرادة واستمرارية الاعتقال السياسي التعسفي إلا دليل على استمرارية الماضي في الحاضر. كما شكلت أيضا جوابا رسميا عن المطالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للشعب المغربي في الماضي والحاضر لكي يتسنى للنظام وخدامه نهب خيرات الشعب وكبح طموحاته المشروعة.

لا بد من التأكيد على أن ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوف الإنسان في الماضي والحاضر لا زال مفتوحا رغم مرور أكثر من 20 سنة على إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة التي سوقت على أنها تندرج ضمن إطار العدالة الانتقالية. إن النضال من أجل الحقيقة والعدالة وعدم التكرار والقضاء على التعذيب يندرج ضمن النضال من أجل الديموقراطية والتغيير الحقيقي لإن مفهوم العدالة الانتقالية يركز أساسا على العدالة والانتقال من حكم تسلطي استبدادي إلى حكم ديمقراطي عبر تطبيق مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية تعالج من خلالها ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والغاية من هذا هو عدم التكرار. إن الانتقال الذي شهدته السلطة سنة 1999 لم يغير جوهر الحكم لدى النظام المغربي وبعبارة أخرى لم يشهد المغرب الانتقال من حكم تسلطي استبدادي إلى حكم ديمقراطي بل التجربة المغربية أنجزت في ظل استمرارية نفس النظام والنتيجة أن التكرار لا زال قائما وجزء كبير من الحقيقة لا زال غائبا أو بالأحرى مغيبا أما المحاسبة والقصاص وذكر أسماء المجرمين والجلادين فقد أصبحوا من الممنوعات المادة 6 من الظهير المحدث لهيئة الإنصاف والمصالحة.

كما نسجل أيضا انه لا يمكن إصدار العفو لمنع الملاحقة القضائية في الجرائم ضد الإنسانية. ففي التجربة المغربية فإن رئيس الدولة أصدر عفوه عن جميع المسئولين المباشرين وغير المباشرين المتورطين في هذه الانتهاكات ومن بينهم الجلادين بالإضافة إلى سن قانون يقضي بتمتيع العسكريين بالحصانة. إن هذا يبين بالملموس مرة أخرى مدى تناقض التجربة المغربية مع مبادئ حقوق الإنسان الكونية وكذلك مبادئ العدالة الانتقالية وذلك بمنطق الخصوصية المغربية. إن التجربة المغربية لم تأخذ بعين الاعتبار مبدأ المحاسبة والقصاص بل الأخطر من ذلك أنها أسست للإفلات من العقاب في جميع الجرائم ضد الإنسانية السياسية، الاقتصادية والثقافية.

 II- الخصاص الكبير في التجربة المغربية

إننا نخلد هذه الذكرى ومؤسسات النظام الرسمية وشبه الرسمية كوزارة حقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان أصدرت تقاريرها بخصوص الاختفاء القسري وآخرها التقرير الأولي المقدم من طرف الدولة المغربية إلى اللجنة الأممية المكلفة بالاختفاء القسري وكلها تنحو نفس المنحى الا وهو إقبار الحقيقة حول الاختفاء القسري، تارة تدعي أن عدد الحالات العالقة هو 9 ثم انخفضت إلى 6 والآن وصلت إلى 2 حالات حسب التقارير الأخيرة ومن ضمنها التقرير الأولي بشأن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري المقدم للجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري. فعوض مواصلة البحث والتحري لمعرفة الحقيقة نصبت نفسها ناطقا رسميا باسم النظام ومدافعة عنه وخصوصا أمام المحافل الدولية لتلميع صورته. إن الدولة المغربية لا تكلف نفسها عناء مواصلة البحث عن الحقيقة، حقيقة الاختفاء القسري واستشهاد الشهداء وهم في ضيافة الأجهزة القمعية للنظام الاستبدادي ومحاكمة الجناة المتورطين في الاختطافات والتعذيب والقتل بل تعمل المستحيل لطمس الحقيقة وإغلاق الملف. كذلك نخلد هذه الذكرى والتكرار لا زال مستمرا من قبيل الاختطاف، الاعتقال التعسفي، التعذيب، المحاكمات الصورية…

اليوم، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على صدور تقارير هيئة المتابعة لسنتي 2009 و 2010، وبعد العديد من الوعود بنشر التقارير عن نتائج اشتغال لجنة المتابعة في مرحلتها الثانية، يظل الكشف عن الحقيقة غير مكتمل بالنسبة إلى أزيد من 500 حالة بدل حالتين كما تدعي كل التقارير الرسمية وشبه الرسمية، وفي هذا الصدد نفتح قوس لنذكر بأن التوصيات الأخيرة الصادرة عن اللجنة الأممية المكلفة بالاختفاء القسري تطالب فيها الدولة المغربية بمواصلة البحث عن الحقيقة و الحفاظ عن الذاكرة و ومحاسبة المجرمين وجبر الأضرار الفردية والجماعية ضمانا لعدم التكرار، كما نذكر أيضا بان مجموعة العمل ضد الإختفاء القسري تتبنى 155 حالة اختفاء قسري بالمغرب إلى حدود الآن هذا بالطبع لا يشمل الا الحالات التي توصلت بملفات حولها.

إن من أبرز النواقص والقضايا العالقة المسجلة على التجربة المغربية أثناء معالجتها لملف ماضي الانتهاكات هي:

– عدم وجود الإرادة السياسية للدولة مواصلة التحريات لمعرفة الحقيقة بل تعمل المستحيل لطي الملف نهائيا مستعملة التغليط وتحريف المعلومات للصول إلى نتائج تتناقض مع واقع الحال.

– معرفة الحقيقة لا زال ينقصها الكثير وخصوصا بالنسبة لضحايا الاختفاء ألقسري مجهولي المصير.

– العفو على الجلادين وحصانة العسكريين في تناقض فاضح مع مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

– محو آثار الجريمة والضرر الذي لحق مواقع الذاكرة في تناقض مع مبدئ الحفاظ الإيجابي للذاكرة.

– عدم تقاسم الحقيقة حول ما جرى وعدم تحديد المسؤوليات وشرح الوقائع وأسباب الاختطافات والوفيات.

– عدم الانتقال من نظام استبدادي متسلط إلى نظام ديموقراطي تكون فيه السيادة للشعب.

– استمرارية النظام في ارتكابه للجرائم ضد الإنسانية.

– انشغال المسؤولين بتسويق التجربة دوليا عوض الانشغال بالتسوية الحقيقية الشاملة للملف مما أضاع الكثير من الوقت وسبب الكثير من التعذيب والألم والإحباط داخل حركة الضحايا.

– إغلاق الملف مع إصدار تقارير غير مطابقة للواقع ومتناقضة عوض مواصلة التحريات.

III- المهام المطروحة

إنه من بين المهام المطروحة علينا الآن:

العمل على التأسيس وإنشاء الآلية الوطنية للحقيقة واستنفاذ شروط المصادقة على بقية مقتضيات الاتفاقية الدولية حول الاختفاء القسري.

– الاستمرار في النضال والمرافعة وطنيا ودوليا وخلق رأي عام وطني ودولي مساند.

– العمل على الرد على التقارير التي تصدرها الدولة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية.

– العمل على عقد المناظرة الوطنية الثانية.

– العمل على الكشف عن مصير المختطفين مجهولي المصير وإطلاق سراح الأحياء منهم.

– الكشف عن الحقيقة الكاملة لجميع حالات الاختفاء القسري بالمغرب بما فيها حالة الوفيات تحت التعذيب في مراكز الاستنطاق وأماكن الاحتجاز والاعتقال، وكل الحيثيات السياسية والأمنية التي أدت إلى هذه الجرائم وتوضيح جميع ملابساتها.

– رد الاعتبار للضحايا وعائلاتهم بالكشف عن نتائج التحاليل الجينية والأنثروبولوجيا لتسوية قضية الرفات وتأهيل المدافن وحفظ الذاكرة والاعتذار مع إبعاد الجلادين السابقين من مراكز المسؤولية.

– التعجيل باستكمال جبر الضرر الفردي والجماعي والإدماج الاجتماعي لذوي الحقوق وتمكين الضحايا من كافة حقوقهم كالتغطية الصحية الشاملة والمجانية من أدوية ومعالجة واستشفاء، والحق في التقاعد وتسوية الوضعية الإدارية والمالية ونخص بالذكر ضحايا تازمامارت.

– مواصلة النضال ميدانيا بتنظيم مسيرات ووقفات وقوافل من أجل الذاكرة وعدم التكرار.

– ملائمة التشريع الجنائي الوطني مع مقتضيات الآليات الدولية المجَرِّمة للاختفاء القسري.

– المطالبة بوضع استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب وسحب قانون العفو العسكري كونه لا دستوري وتعارضه مع المبادئ العامة لحقوق الإنسان.

– العمل على إقناع التنظيمات السياسية والنقابية الاهتمام بملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وربطه بالنضال من أجل الديموقراطية الحقيقية تكون فيها السادة للشعب.

– العمل على توحيد النضال بين ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي والحاضر.

– العمل على إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين.

– العمل على جعل ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي والحاضر شأنا مجتمعيا ولا زال مفتوحا لان الحقيقة لا زالت غائبة او مغيبة، خاصة مصير المختطفين مجهولي المصير والإعتقال السياسي لا زال مستمرا، والذاكرة يطالها النسيان والتدمير، والتكرار لا زال مستمرا، والافلات من العقاب لازال قائما.

ودمتم لنضال أوفياء