تمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب في ظل اختلال موازين القوة

تمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب في ظل اختلال موازين القوة
الرفيق حسن حيموتي، يمين الصورة، مع الرفيق محمد هاكش في لقاء نقابي دولي




تمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب في ظل اختلال موازين القوة*





تم إقرار الحق في ممارسة الإضراب منذ دستور 1962 حتى دستور 2011، وأحالته كافة الدساتير المتعاقبة على قانون تنظيمي يحدد شروط وإجراءات وكيفيات ممارسة هذا الحق، إلى أن تم إعداد مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وتم عرضه على المجلس الحكومي بتاريخ 28 يوليوز 2016، وصادق عليه المجلس الوزاري بعد شهرين، أي في نهاية حقبة الحكومة التي ترأسّها عبد الإله بن كيران.

ومع مجيء الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش، تم التطرق إلى إصدار المشروع في اتفاقات الحوار الاجتماعي ثلاثية الأطراف بتاريخ 30 أبريل 2022، و29 أبريل 2024.

لكن الحكومة كعادتها أخلت بهذه الاتفاقات حيث، بدل التفاوض مع جميع الفرقاء الاجتماعيين عبر مشاورات موسعة وحقيقية لإصدار قانون ينظم الحق في الاضراب متوافق حوله اعتمدت على أغلبيتها في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) لتمرير مشروع القانون ˝النسخة المعدلة˝.

هذه النسخة المعدلة لا تختلف عن المشروع الأصلي، فلازالت تتضمن موادا غير ملائمة للمواثيق الدولية وقرارات لجنة الحريات النقابية لمنظمة العمل الدولية حيث، تكبل الاضراب وتحصره في المطالب الاجتماعية والاقتصادية الصرفة، وتمنع الإضرابات التضامنية والإضراب السياسي ضد السياسة العامة للحكومة وضد سياسات الغلاء في الأسعار ببلادنا ويتضمن فصولا مخصصة للعقوبات والغرامات المالية ضد العمال والعاملات وعموم المأجورين والمأجورات ولا يلغي الفصل 288 المشؤوم من القانون الجنائي وهو منحاز للباطرونا على حساب حقوق العمال والعاملات والمنظمات النقابية…

كما باشر وزير التشغيل يونس السكوري مشاوراته مع نواب مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) قصد الحصول على توافق أوسع لتمرير هذا القانون التكبيلي للحق في الإضراب.

وهنا يطرح السؤال التالي: كيف تتجرأ الحكومة على تمرير مشروع قانون الاضراب الذي لم تحترم فيه أولا التوافق مع النقابات في إطار مؤسسة الحوار الاجتماعي وثانيا باعتباره يخدم مصالح الباطرونا والرأسمال على حساب مصالح الطبقة العاملة وعموم المأجورين والمأجورات؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي النظر في موازين القوى الناتجة عن الصراع الطبقي بالمغرب بين التكتل الطبقي الحاكم من جهة والطبقة العاملة وحلفاءها من جهة أخرى.

فالتكتل الطبقي الحاكم المكون من ملاكي الأراضي وكبار الرأسماليين أصحاب الشركات والبنوك والعقارات… قوي بدعم الامبريالية له ويستغل الدولة وأجهزتها من قضاء وسلطة لصالحه من أجل قمع معارضيه وإصدار أحكام ضدهم خدمة لمصالحه الطبقية. وبتحكمه بالإعلام استطاع أن يفرض هيمنته الأيدولوجية والثقافية على المجتمع وأصبحت مفاهيمه هي السائدة وجعلها قيما للمجتمع وأي بديل عنها أو نقدها يعتبر خروجا عن الاجماع. كما استطاع أن يلف حوله مجموعة من الأحزاب والفعاليات إما بربط مصالحهم به أو جعلهم يستفيدون من الريع المخزني أو إدماجهم في مؤسساته الفاقدة للشرعية الشعبية من برلمان وبلديات وجماعات… فالتكتل الطبقي السائد وعموده الفقري المافيا المخزنية متحكم في مقاليد الدولة والحكومة والبرلمان. وبالتالي أي تفاوض تقوده الحكومة حول قضايا تهم الطبقة العاملة وعموم الشعب المغربي (كقانون الاضراب مثلا) فهي تمثل هذا التكتل السائد ومصالحه.

وبالمقابل نجد الطبقة العاملة (وحلفائها) تفتقد الى حزبها المستقل الذي يمثل مصالحها ويخوض الصراع الطبقي دفاعا عن برنامجها. فالمركزيات النقابية الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والتي من المفترض ان تدافع عنها، فقدت مصداقيتها عند العمال والعاملات وعموم المأجورين والمأجورات نظرا لبيروقراطيتها ونهجها سياسة “السلم الاجتماعي” التي تخدم في الحقيقة مصالح الباطرونا.

أمام هذا الواقع فطبيعي أن تختل موازين القوى في الصراع الطبقي الدائر بالمغرب لصالح التكتل الطبقي الحاكم مما سيسهل تمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب.

فرغم هذا الوضع فقد أسست عدة نقابات مكافحة وهيآت جبهة “الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد” لمقاومة والتصدي لهذا المشروع. فنظمت عدة أشكال احتجاجية: وقفات أمام البرلمان، وقفات جهوية، مسيرة وطنية بالرباط جوبهت بالقمع، ندوات صحفية، ندوات اشعاعية … كما تشكلت جبهة أخرى “جبهة الدفاع عن الحق في الاضراب” التي نظمت مسيرة وطنية بالرباط بالتنسيق مع الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد.

ولكن الملاحظ ضعف انخراط الطبقة العاملة والموظفين والموظفات في هذه الأشكال الاحتجاجية وفي هده الجبهات. وبالتالي فالمطروح على جميع القوى السياسية المناضلة والهيآت النقابية والحقوقية المكافحة العمل على إقناع العمال والعاملات بجدية هذه المعركة والانخراط فيها من أجل التصدي وإسقاط هذا القانون التكبيلي للإضراب لأن إن فقدت سلاح مقاومتها الاضراب فالباطرونا لن ترحمها.

حسن الحيموتي
27 يناير 2025




* نشر بالعدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي