بصدد موقف النهج الديمقراطي العمالي من الأزمة السورية؟
![بصدد موقف النهج الديمقراطي العمالي من الأزمة السورية؟](https://i0.wp.com/annahjaddimocrati.org/wp-content/uploads/2025/02/abouali.jpg?fit=1093%2C499&ssl=1)
بصدد موقف النهج الديمقراطي العمالي من الأزمة السورية؟
يمثل موقف النهج الديمقراطي إزاء الصراع في سوريا قراءة جذرية تتجاوز السرديات السائدة، سواء تلك التي تتبناها الأنظمة الاستبدادية باسم “الممانعة”، أو التي تروجها القوى الإمبريالية باسم “التحرر والديمقراطية”. فمن خلال اعتبار إسقاط بعض مناطق النظام السوري نتيجة لغزو أمريكي تركي صهيوني بتنفيذ الميليشيات الإرهابية التابعة لداعش، يضع النهج الديمقراطي العمالي الصراع في إطاره الامبريالي الأوسع، حيث يتم توظيف الأصولية الدينية كأداة لتفتيت الدول الوطنية وإعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم مصالح الإمبريالية العالمية.
هذا التحليل ينطلق من رؤية ماركسية أممية تربط بين الصراع الطبقي الداخلي والأجندات الإمبريالية الخارجية. فالغزو لم يكن مجرد تدخل عسكري، بل كان جزءا من مشروع شامل لتدمير الدولة السورية ككيان مستقل، وتحويلها إلى كانتونات طائفية وإثنية متناحرة. هذا التفتيت ليس مجرد صدفة تاريخية، بل هو تجسيد لاستراتيجية إمبريالية طويلة الأمد تسعى إلى إضعاف أي قوة إقليمية قد تشكل تهديدا للتفوق الصهيوني ومصالح الإمبريالية الأمريكية.
من هذا المنطلق، فإن الميليشيات الإرهابية التابعة لداعش ليست سوى أداة في أيدي هذه القوى الإمبريالية. فالإرهاب لم يكن يوما حركة ذاتية النشوء أو مجرد رد فعل على القمع أو الاستبداد، بل هو صناعة إمبريالية تهدف إلى تدمير المجتمعات من الداخل وتشويه المطالب الشعبية بالحرية والكرامة. لقد تم توظيف داعش كفزاعة لإعادة صياغة التحالفات الإقليمية، ولتبرير التدخلات العسكرية الأمريكية والتركية تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب”، بينما كان الهدف الحقيقي هو إسقاط الدولة السورية وتدمير بنيتها التحتية وإخضاعها لهيمنة الشركات متعددة الجنسيات.
من هنا، يصبح موقف النهج الديمقراطي العمالي موقفا مبدئيا يتجاوز الاستقطاب الزائف بين نظام استبدادي يدعي “المقاومة” وقوى معارضة مخترقة من قبل الميليشيات الإرهابية المدعومة من الإمبريالية. فالموقف الجذري هو الذي يرفض كل أشكال التدخل الإمبريالي، سواء أتت من الولايات المتحدة أو تركيا أو الكيان الصهيوني، وفي الوقت نفسه يرفض كل أشكال الاستبداد والقمع الداخلي. هذا الموقف لا يتورط في اصطفافات جيوسياسية، بل ينحاز إلى الطبقات الشعبية والمقهورة، ويدعم حقها في تقرير مصيرها بعيدا عن أي وصاية خارجية.
لكن النهج الديمقراطي العمالي، من خلال هذه القراءة العميقة، لا يسقط في فخ المساواة بين الجلاد والضحية، أو في تبرير قمع النظام السوري للحراك الشعبي. بل إنه يرى في انحراف الثورة السورية نحو العسكرة والتطييف نتيجة لتدخل القوى الإمبريالية والإقليمية التي عملت على إجهاض أي مشروع ديمقراطي جذري. فالمشروع الثوري الحقيقي لا يمكن أن يتحقق عبر ميليشيات إرهابية أو عبر معارضة مدعومة من الإمبريالية، بل عبر حركة شعبية مستقلة تحمل مشروعا ديمقراطيا جذريا يربط بين التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية.
هذا الموقف الفريد لا يسعى فقط إلى فهم الصراع في سوريا، بل يتجاوزه إلى طرح رؤية أممية بديلة للنضال ضد الإمبريالية والصهيونية والأصولية الدينية والاستبداد. فهو يدعو إلى بناء حركة تحرر أممية ترفض الاصطفافات الزائفة، وتربط بين النضال ضد الإمبريالية والنضال ضد الأنظمة الاستبدادية العميلة، وتتبنى برنامجا ثوريا للتغيير الجذري، يقوم على الديمقراطية الشعبية والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطني.
بهذا المعنى، يمثل موقف النهج الديمقراطي العمالي نقطة تحول في الخطاب اليساري الراديكالي، لأنه يعيد الربط بين الموقف المبدئي من الإمبريالية والموقف المبدئي من الاستبداد، رافضا كل أشكال الوصاية الخارجية والاستبداد الداخلي. إنه موقف يتجاوز التحليل السطحي للصراع، ويطرح مشروعا ثوريا أمميا يربط بين النضالات في سوريا وفلسطين ومصر والعراق وكل مناطق الهيمنة الإمبريالية، مؤكدا أن الصراع في جوهره هو صراع طبقي أممي ضد نظام عالمي قائم على الاستغلال والقمع.
بناءً على هذا التحليل، يصبح من الضروري دعم هذا الموقف الجذري الذي لا يخضع للابتزاز الإيديولوجي أو الاصطفافات الجيوسياسية، بل ينحاز إلى الشعوب المقهورة، ويربط بين النضال ضد الإمبريالية والنضال ضد الأنظمة القمعية العميلة. بهذا فقط يمكن بناء حركة تحرر أممية حقيقية قادرة على مواجهة التحديات التاريخية التي يفرضها النظام الإمبريالي العالمي، وفتح أفق جديد للتحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
الحسيمة: مساء يوم 12 فبراير 2025