العمل اليومي لحزب الطبقة العاملة بين الجماهير

العمل اليومي لحزب الطبقة العاملة بين الجماهير
مرتضى لعبيدي: أستاذ باحث تونسي

العمل اليومي لحزب الطبقة العاملة بين الجماهير(*)

ترجمة مرتضى العبيدي

تقديم

ننشر ترجمة أحد أهم النصوص التي صادقت عليها الندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية في دورتها الأخيرة والمتعلق بالعمل اليومي لحزب الطبقة العاملة بين الجماهير والذي يتناول، زيادة عن المقدمة، النقاط التالية:
• انصهار الحركة الاشتراكية مع حركة العمال
• النشاط اليومي للحزب المرتكز على الطبقة العاملة
• التغيّرات الطارئة على أوضاع العمال والكادحين وعمل الحزب
• اتخاذ المصانع كقاعدة لعمل الحزب
• التشهير الاقتصادي والاجتماعي، التحريض والدعاية
• العمل اليومي والمستمر الذي يقوم به الحزب

المقدمة

كما أشار لينين في كثير من الأحيان، فإن “المسألة الأساسية لأي ثورة هي مسألة سلطة الدولة”(1). إن تنظيم الطبقة العاملة كطبقة طليعية للاستيلاء على السلطة السياسية هو الشرط المسبق لتأسيس النظام الاجتماعي الجديد (المجتمع الشيوعي) الذي تتحرر بموجبه. لهذا السبب، يجب أن يكون النضال من أجل تحرر الطبقة العاملة، في المقام الأول، نضالًا سياسيًا يتمحور حول الاستيلاء على سلطة الدولة، ويجب رفع وعي العمال إلى مستوى الوعي السياسي. إن تشكيل ونضج الشروط الموضوعية ليسا كافيين لانتصار الثورة واستيلاء الطبقة العاملة على السلطة. لذا وجب كذلك تهيئة الشروط الذاتية وإعدادها. إذ أن هذه الأخيرة لا تنضج من تلقاء نفسها، بل إن الحزب هو العنصر الأساسي لتهيئتها.

وبما أن موقع البلدان في النظام الرأسمالي الإمبريالي، أي مستوى وشكل تطور الرأسمالية مختلف، فإن العلاقات والتناقضات بين مختلف الطبقات الاجتماعية، وظروف الصراع الطبقي، …إلخ، تختلف كذلك. لذا فإن المهمة الملحة التي تواجه الطبقة العاملة، وكذلك الاستراتيجية والتكتيكات التي يجب اتباعها تختلف من بلد إلى آخر ومن مرحلة لأخرى. إذ تختلف الطبقة (أو التحالف الطبقي) المطلوب الإطاحة بها، وكذلك حلفاء الطبقة العاملة، والقوى التي سيتم تحييدها وكسبها (القوى الرئيسية والاحتياطية للثورة) من بلد إلى آخر.

ومع ذلك، فإذا ما شرعت الطبقة العاملة في تنظيم نفسها كطبقة طليعية من أجل الاستيلاء على السلطة وبناء المجتمع الشيوعي، فإن ذلك يتطلب محافظة حركة الطبقة العاملة على توجهها في الظروف المعقدة والمتغيرة باستمرار للصراع الطبقي، والتي تتطور من خلال استراتيجية وخط تكتيكي صحيحين، وأن تتلقى دعم الطبقات المضطهدة والمستغلة الأخرى وتوجه حركتها، وأن يتِمَّ تحييد القوى الاجتماعية المتذبذبة. لذلك، فإن التحضير للثورة والعامل الذاتي ينطويان على إعداد الطبقة العاملة، وكذلك حلفائها، لكل فترة تاريخية، من أجل التمسك بالنضال الثوري وتطوير حركتهم على الخط الصحيح.

وكما أثبتت التجربة التاريخية، فإنه لا يمكن للطبقة العاملة إنجاز هذه المهام ضمن المجال الضيق للحركة العفوية، بل إن شرط تحقيقها هو انصهار النظرية الثورية مع حركة الطبقة العاملة، وتقدُّم عملها ونضالها بتوجيه من هذه النظرية.

فقط حزب متشبع بالنظرية الثورية يمكنه تطوير الاستراتيجية والتكتيكات الصحيحة وتنظيم العمل الضروري لتهيئة الظروف الذاتية للثورة بين الجماهير العريضة.

ولا يمكن للطبقة العاملة أن تحقق هدفها المتمثل في إنهاء حكم رأس المال إلا متى كسب الحزب ثقة شرائح متنامية من الطبقة العاملة، التي هي القوة الرئيسية للثورة، وكذلك الطبقات المضطهدة والمستغلة الأخرى – التي تتكون أساسًا من طبقة شبه البروليتاريا الحضرية والريفية، والفلاحين الفقراء والأمم المضطهدة، ونساء وشباب هذه المكوّنات – الذين يشكلون جزءًا من القوى المحركة للثورة، والقوى الاحتياطية التي يمكن أن تتغير من بلد إلى آخر، في النضال السياسي الثوري. إن وجود وتطور حركة عمالية قوية تحت قيادة حزب البروليتاريا هو أيضا شرط لكسب كل الجماهير المضطهدة والمستغلة، ولنضالهم الموحد للمضي قدما على الطريق الصحيح.

إن من أوكد واجبات حزب البروليتاريا تنظيم وقيادة الطبقة العاملة والشعب في صراعهم ضد طبقة الرأسماليين التي تمسك بالسلطة وتجعل من الدولة جهازا لتكريس هيمنتها والحفاظ على مصالحها.

إن الدولة الرأسمالية هي تعبير عن دكتاتورية البرجوازية على الطبقة العاملة وعلى جميع الطبقات الكادحة. وتأخذ هذه الديكتاتورية أشكالًا مختلفة، مثل الديمقراطية الليبرالية، والأنظمة الاستبدادية والرجعية التي تقودها الحكومات النيوليبرالية أو الديمقراطية الاجتماعية وحتى الفاشية، أو الديكتاتوريات العسكرية. وأيا كان شكل الهيمنة الرأسمالية ـ الإمبريالية، يجب أن يكون الحزب الثوري للطبقة العاملة هو العنصر الأكثر تصميما في المواجهة اليومية للطبقة العاملة وبقية الطبقات الكادحة مع الدولة الرأسمالية وسياساتها، من أجل فرض الحريات والديمقراطية، والحقوق النقابية والسياسية ضد القهر والطغيان. يجب أن يعارض الرجعية والفاشية تحت كل الظروف، وأن يرفع رايات النضال من أجل السيادة الوطنية وضد الهيمنة الإمبريالية في البلدان التابعة.

ففي النضال النقابي، وفي النضال السياسي من أجل الحرية والديمقراطية، وفي التشهير بالرأسمالية وفضح كل مظاهر غطرستها وظلمها، وفي نشر وتعزيز الاشتراكية وأسسها المادية والأخلاقية، مثل التضامن الطبقي، تعمل الطبقة العاملة، تحت قيادة حزبها الثوري، على تطوير فهم واستيعاب الاشتراكية العلمية.

إننا نعيش عصر الامبريالية والثورات البروليتارية حيث يهيمن النظام الرأسمالي الامبريالي على كل العالم. وعلى الرغم من الهزيمة المؤقتة للاشتراكية، فإن الشروط الموضوعية للنضال من أجل تحرر الطبقة العاملة وإنهاء هيمنة البرجوازية والإمبريالية تنبع من وجود الرأسمالية ذاتها.

لذا فإن النضال ضد الرأسمالية ـ الإمبريالية يتطلب وحدة الطبقة العاملة على الصعيدين المحلي والدولي، وهو ما يستدعي التصدي لسعي البرجوازية والإمبريالية الى تقسيمها وإثارة بعضها ضد بعض، بالإضافة إلى ضرورة السعي الى توحيد نضال الطبقة العاملة مع نضالات الشعوب والأمم المضطهدة، وهذا يستلزم توحيد نضال بروليتاريا البلدان الرأسمالية المتقدمة مع نضال عمال وشعوب البلدان التابعة.

Iـ وحدة الاشتراكية وحركة العمال

1. كما أشار لينين، فإن الحزب الثوري للطبقة العاملة هو “انصهار الحركة العمالية مع الاشتراكية”، ليس مع أي اشتراكية، ليس مع الاشتراكية البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة، بل مع الاشتراكية البروليتارية أي الاشتراكية الماركسية. من حيث المتطلبات التاريخية، فإن عنصري هذه الوحدة – ظهور الرأسمالية وتطورها والطبقة العاملة – لهما أساس مشترك، لكنهما ينبثقان ويتطوران بشكل منفصل عن بعضهما البعض.

2. في كل بلد، إن الذين يلتقون بالماركسية أولاً ولديهم الفرصة لتعلمها بشكل منهجي هم عادةً الأقسام المتعلمة في المجتمع، الذين يمكنهم اكتساب وتعلم واستخدام جميع أنواع المعرفة العلمية. ومن بينهم، هناك الذين يبحثون عن عالم جديد، نظام اجتماعي جديد بدون طبقات وبدون استغلال، ويميلون إلى تعلم هذه النظرية ووضعها حيّز التنفيذ. ولهذا السبب، كما قال لينين: “فإنه في كل بلد هنالك فترة كانت فيها الحركة العمالية موجودة بشكل منفصل عن الاشتراكية، كل منها كان يسلك طريقه الخاص؛ وفي كل بلد أضعفت هذه العزلة كلاًّ من الاشتراكية والحركة العمالية. إن اندماج الاشتراكية مع الحركة العمالية فقط هو الذي أوجد في جميع البلدان أساسًا دائمًا لكليهما”(2).

3. لا يحدث هذا التوحد والاندماج بشكل عفوي، وكما أظهرت التجربة التاريخية، فإنه لا يحصل كعملية متواصلة، أي كوحدة، بمجرد تحقيقها، فهي تتطور من خلال إعادة إنتاج نفسها باستمرار، دون أن تتزعزع أو تنفصل مرة أخرى. بل إنها سيرورة صعبة، فيها تقلبات، تحدث بأشكال مختلفة وتكتسب خصائص محددة في كل بلد، في فترات مختلفة وتحت ظروف تاريخية مختلفة. مثل عملية تشكّل وتطور النظرية الماركسية والاشتراكية، فإن عملية توحدها مع الحركة العمالية هي، من بين أمور أخرى، قصة نضال حازم ومستمر ضد جميع التيارات البرجوازية، من الأكثر ليبرالية إلى الأكثر رجعية. ضد الاشتراكية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة على جبهتين.

4. حوالي عام 1890، عندما انتصرت الماركسية “بشكل لا جدال فيه على جميع الأيديولوجيات الأخرى في الحركة العمالية” [لينين]، كانت التيارات الرئيسية للاشتراكية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة التي تراجعت في مواجهة الماركسية تميل إلى الحفاظ على وجودها والاستمرار في النضال ضد الماركسية تحت ستار الماركسية ذاتها وفي ميادينها بشكل عام. وهكذا، منذ تلك السنوات، وبذرائع وأشكال مختلفة تعتمد على الظروف والتطورات الجديدة، – التي استلهمت أيضًا وتغذت من الأطروحات التي طوّرتها الأوساط الأكاديمية البرجوازية الرأسمالية – كانت هناك أوقات ظهرت فيها اتجاهات وتيارات معينة تنشط تحت اسم الماركسية، لكنها كانت تهدف إلى مراجعتها من منظور برجوازي/ برجوازي صغير. وقد تطورت في ظل ظروف مواتية، بل أصبحت مهيمنة داخل الحركة العمالية الثورية كما كان الحال في الأيام التي أدت إلى انهيار الأممية الثانية، وكذلك الشأن خلال النصف الثاني من القرن الماضي، عند انهيار الاتحاد السوفياتي.

5. فضلا عن الظروف الاجتماعية لوجود الطبقة العاملة، والاضطهاد متعدد الأوجه للبرجوازية للطبقة العاملة وحركتها، والتدفق المستمر لشرائح جديدة إلى صفوفها بخصائص الطبقات والفئات التي أتوا منها، وخاصة في المرحلة الاحتكارية للرأسمالية، وكذلك بفعل العمل المنهجي للبرجوازية لشراء ذمم بعض العمال وإفسادهم، وخلق شريحة الأرستقراطية العمالية والبيروقراطية النقابية – أي الشريحة البرجوازية من الطبقة العاملة – إلخ، كل هذه العوامل ساعدت الأيديولوجيات والتيارات الرجعية للبرجوازية على الحفاظ على وجودها داخل الطبقة العاملة وحركتها التي تغلغلوا وتجذروا فيها.

6. وبفضل الدروس المستفادة من النضالات الطبقية، من كومونة باريس إلى ثورة أكتوبر وغيرها من الثورات البروليتارية، استخدمت البرجوازية وستواصل استخدام جميع الفرص والأدوات لمنع وحدة الاشتراكية البروليتارية والحركة العمالية، ولتدمير هذه الوحدة إذا كانت قد حدثت بالفعل. لهذا، تستخدم البرجوازية جميع أنواع الأدوات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بطريقة منسقة ووفقًا لظروف الصراع الطبقي والأولويات التي تحددها هذه النضالات، وتشمل هذه الأدوات جميع أشكال الإرهاب، من أكثرها وحشية إلى عمليات شراء الذمم والرشوة بصفة منهجية ومستمرة، في محاولة لخلق موطئ قدم داخل الطبقة العاملة وحركتها، إلخ.

7. فمع ظهور وتطور التيارات الانتهازية وسيطرتها على الأممية الثانية، على المستوى الدولي ولأول مرة، تشهد عملية التوحيد بين الحركة العمالية والاشتراكية الماركسية وتنظيم الطبقة العاملة كقوة اجتماعية مستقلة تعثرا ولو بصفة جزئيًة ومؤقتة. إلا أنه سرعان ما تم التدارك على أسس سليمة ومدعومة بما شهدته النظرية الماركسية من تطوير خلاق (من خلال اللينينية وتجربة الحزب البلشفي) والنضال المبدئي ضد كل أشكال الانحرافات والانتهازية التي عششت داخل الأممية الثانية، ومن خلال انتصار ثورة أكتوبر وتأسيس الأممية الشيوعية وميلاد أحزاب ماركسية لينينية من طراز جديد. استمر هذا التقدم لبعض الوقت بعد الدمار الذي سببته الحرب العالمية الأولى والصراعات التي تلته، طوال عشرينيات القرن الماضي، عندما دخلت الرأسمالية في عملية تطور نسبي، وفي الثلاثينيات، عندما مر النظام الرأسمالي الإمبريالي بواحدة من أسوأ أزماته. وعندما سادت الديكتاتوريات الفاشية في العديد من البلدان، وكذلك خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

8. في النصف الأول من القرن العشرين، وتحت تأثير ثورة أكتوبر – التي شرعت الطبقة العاملة من خلالها في بناء الاشتراكية – تجسدت عملية توحيد الاشتراكية العلمية والحركة العمالية على مستوى أكثر تقدمًا، لكنها اهتزت وانقطعت على نطاق واسع مرة أخرى بعد هيمنة التحريفية الحديثة على الحركة العمالية. وبما أن الظروف التاريخية التي أدت إلى انتهازية الأممية الثانية والتحريفية الحديثة والسمات التي حددتها وشكلتها هذه الظروف كانت مختلفة بشكل كبير عن بعضها البعض، فإن آثارها وانعكاساتها على الحركة العمالية كانت مختلفة أيضًا. لقد تسببت التحريفية الحديثة في تدمير وهزيمة غير مسبوقة للطبقة العاملة وحركتها، ولا تزال آثارها محسوسة حتى يومنا هذا.(3).

9. على الرغم من النضال الحازم الذي تم شنه، لا سيما من قبل أنور خوجا وحزب العمل الألباني، لم يكن من الممكن منع هيمنة التحريفية الحديثة على الحركة الثورية للطبقة العاملة؛ علاوة على ذلك، استمرت هذه الهيمنة إلى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، على الرغم من ضعفها بمرور الوقت. وكانت إحدى نتائج هذه الفترة الطويلة من الهيمنة أن الوحدة بين الماركسية – اللينينية والحركة العمالية، التي تأسست وتطورت بعد انتصار ثورة أكتوبر وتأسيس الكومنترن، قد ضعفت إلى حد كبير، وانفصل الاثنان وضعفا.

II. النشاط اليومي للحزب المرتكز على الطبقة العاملة

10. إن الندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية (CIPOML)، التي تأسست في عام 1994، هي “الوريثة للمبادئ الثورية للفترات الثورية للأممية الأولى والثانية، والأممية الثالثة (الكومنترن) وللفترة الثورية للكومينفورم” ولتطبيفاتها(4). وهي وريثة كل الإنجازات النظرية والعملية للنضال من أجل تحرير الطبقة العاملة؛ وهي استمرار غير منقطع للنضال الذي تم خوضه على أساس الماركسية اللينينية ضد التحريفية الحديثة وجميع أنواع الانتهازية والرجعية. وعلى عكس الاتجاهات الأخرى التي تدعي تبني الاشتراكية والشيوعية، وضعت الندوة منذ تأسيسها أرضية وخطا ماركسيا لينينيا على المستوى الإديولوجي والسياسي والتنظيمي يتّسم بالانفتاح والوضوح؛ وفي الفترة اللاحقة تم توضيح هذه العناصر وتطويرها بشكل أكبر، ولا تزال تشتغل عليها، رغم مواطن الضعف والنقائص في أدائها.

11. على الرغم من أنها تزداد قوة مع انضمام أحزاب ومنظمات جديدة، إلا أن cipoml لا تزال متواجدة في عدد محدود من البلدان. إذ لا توجد أحزاب أو منظمات أعضاء في cipoml في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدمًا و/ أو في البلدان ذات التركيز العالي للطبقة العاملة، مثل اليابان، وبريطانيا العظمى، وكندا، والصين، والأرجنتين، وجنوب إفريقيا، إلخ. وفي البلدان التي توجد فيها أحزابنا ومنظماتنا، مازال ارتباطها بالطبقة العاملة وحركتها ضعيفا. فباستثناء عدد محدود من البلدان، لا تزال الأحزاب والمنظمات الأعضاء في الندوة لا تشكل قطب جذب أو نقطة التقاء قوية للعناصر المتقدمة في المجتمع التي تميل نحو الاشتراكية، ولا للأقسام المتقدمة من الطبقة العاملة، بل حتى لجزء كبير منها. إن مستوى الانخراط في النقابات منخفض في العديد من البلدان التي نتواجد فيها؛ ومازالت هذه الأخيرة تحت هيمنة البيروقراطية النقابية والأرستقراطية العمالية التي تتبنى بشكل عام خط التعاون الطبقي؛ وعلى الرغم من التفاوت بين أحزابنا، فإن نشاطها وتأثيرها في النقابات العمالية والمنظمات الجماهيرية الأخرى لا يزال ضعيفًا للغاية. وفي البلدان التي نشأت فيها ظروف ثورية وحيث تطورت الحركات الجماهيرية وتحولت إلى انتفاضات، حيث لعبت أحزابنا دورًا مهمًا في هذه الحركات، إلا أنها لم تكن في موقع القيادة، حتى تتمكن من تعبئة الجزء الأكبر من الطبقة العاملة، وخاصة العمال الصناعيين، من خلال منظمات المصانع وفي مواقع العمل(5).

12. شدد لينين في كثير من الأحيان على أنه لا ينبغي أن نخجل أو نخاف من كشف أخطائنا علانية بل “إن التعلم، على أساس الأخطاء المرتكبة، أفضل طريقة لتنظيم النضال(6) وكتب: “إن موقف حزب سياسي من أخطائه هو من أهم وأضمن الوسائل للحكم على مدى جديته ومدى وفائه بالتزاماته في الممارسة تجاه طبقته وتجاه الكادحين. بصراحة، إن التعرف على الخطأ، وتحديد أسبابه، وتحليل الظروف التي أنتجته، والبحث عن وسائل تصحيحه، هذه علامة على وجود حزب جاد، وهكذا يجب عليه أن يؤدي وظائفه، في تثقيف وتدريب الطبقة العاملة ثم الجماهير.”(7) إن السبيل للتغلب على نقاط ضعفنا ونواقصنا وأخطائنا هو أولاً الكشف عنها بكل بساطتها، مع أسبابها واستخلاص الدروس منها، وتفعيل ذلك للمضي قدمًا.

13. إن اعتماد النظرية الماركسية اللينينية، وتطبيقها على الظروف الملموسة للبلد ووضع استراتيجيات وتكتيكات مناسبة لا تكفي وحدها لبناء حزب ثوري، لأن “تبني برنامج شيوعي يُظهر فقط نية الحزب في أن يصبح شيوعيًا” كما ورد في وثيقة “أطروحات حول الهيكل التنظيمي للأحزاب الشيوعية وعلى أساليب ومحتوى عملها، الصادرة عن المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية”. هذا مجرد شرط من الشروط ونقطة البداية على طريق بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة. إذ يتعين على هذا الحزب أن يقوم بنشاط ثوري متعدد الأبعاد وممنهج ومتواصل بين الجماهير، وخاصة العمال الصناعيين، وأن يكون لديه الهيكل التنظيمي والمهمّات المناسبة من أجل أن يصبح الحزب الثوري للطبقة العاملة. وعندما تتحقق هذه الشروط، سيصبح الحزب الإطار المنظم لأكثر عناصر الطبقة تقدمًا وتفانيًا وتماسكًا، والمجهز بنظرية ثورية، مع الانضباط الصارم، عندها سيُحظى الحزب بدعم وثقة أقسام متزايدة من الطبقة العاملة وهو ينمو في صلبها كجزء منها من خلال كوادره وصلاته بالجماهير ليصبح طليعة الطبقة.

14. في سنواتها الأولى، لم تكن “الغالبية العظمى” من أحزاب الكومنترن “أحزابًا شيوعية حقيقية” بعد. ففي رسالته إلى الشيوعيين الألمان في أغسطس 1921، كتب لينين: “في الغالبية العظمى من البلدان، ما زالت أحزابنا بعيدة جدًا عن أن تكون ما يجب أن تكون عليه الأحزاب الشيوعية الحقيقية؛ فهي بعيدة كل البعد عن كونها طليعة الطبقة الوحيدة الثورية فعلا التي يشارك كل عضو منها في النضال، في الحركة، في الحياة اليومية للجماهير. لكننا ندرك هذا الخلل، وقد أبرزناه بشكل لافت في مقرّر المؤتمر الثالث للأممية حول عمل الحزب. وسوف نتغلب عليه”.(8)

15. لقد تم التغلب على هذا الخلل من خلال العمل الثوري الحازم والصبور، من خلال “الانخراط في النضال والحركة والحياة اليومية للجماهير لكل عضو من أعضاء الحزب”، وبالاعتماد في بناء الحزب على الخبرات الأممية للطبقة العاملة، وخاصة ثورة أكتوبر وتجربة الحزب البلشفي، والنظرية الماركسية اللينينية – وخاصة أحد مكوناتها – ألا وهي التعاليم اللينينية عن الحزب. وبمرور الوقت، تطور عدد متزايد من الأحزاب إلى أحزاب جماهيرية للطبقة العاملة، وهي التي عملت على تطوير وتنظيم العناصر الأكثر تفانيًا وتصميمًا ووعيًا، الذين كانوا جزءًا من الطبقة العاملة من حيث الانتماء الطبقي ومن حيث التواجد في المنظمات؛ والذين حصلوا على ثقة الطبقة العاملة وبالتالي ثقة بقية الكادحين، فانتظموا معهم وتقدموا سويا.(9) ومع ذلك، لم يكن الأمر بسيطًا أو فوريا. كانت عملية محفوفة بصعوبات، مع فترات صعود وهبوط، وظهور انحرافات وأخطاء وعيوب، وكذلك ممارسة النقد للتغلب على الأخطاء. إن الوحدة بين الطبقة العاملة والاشتراكية، التي لم تتزعزع فحسب، بل تراجعت أيضًا بسبب خيانة وانتهازية الأممية الثانية، أعيد تأسيسها على مستوى أكثر تقدمًا بفضل عمل ثوري يومي حازم ومتفان ومتعدد الأبعاد ومتواصل في أماكن العمل، وبشكل رئيسي في المصانع ذات الكثافة العمالية. إن دراسة هذه التجربة المهمة تكتسي أهمية كبرى ليس فقط للتعلم من نقاط قوّتها ولكن أيضًا من أخطائها.

16. لقد تطورت الظروف المادية للثورة البروليتارية وللطبقة العاملة كمكون لها نوعيًا وكميًا إلى مستويات لا يمكن مقارنتها بسنوات ثورة أكتوبر وتأسيس الكومنترن، أو بفترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، عندما تم كسر النظام الرأسمالي الإمبريالي على جبهات جديدة، عندما أصبحت أحزاب الطبقة العاملة الثورية أحزابا جماهيرية بديلة في العديد من البلدان، بما في ذلك بعض أهم البلدان الرأسمالية. ومع ذلك، فإن مستوى الوعي السياسي وتنظيم الطبقة العاملة أصبح متأخرا كثيرا عن تلك السنوات. هذا التناقض بين الظروف الموضوعية للطبقة العاملة وحركتها ووضعها الذاتي يظل مسألة يجب حلها ليس فقط لتحقيق انتصار الثورة البروليتارية، ولكن حتى للاستجابة للمطالب السياسية والاجتماعية الحالية للطبقة العاملة والشعوب. لا يمكننا التغلب على هذا التناقض إلا من خلال تنظيم عمل حازم ومتفان بين الجماهير، وخاصة صلب الطبقة العاملة، ومزاوجة ذلك بنضال أيديولوجي نظري قائم على النظرية الماركسية اللينينية.

III. التغيرات الطارئة على أوضاع العمال والكادحين، وعمل الحزب

17. كانت السنوات التي سيطرت فيها التحريفية الحديثة على الحركة الشيوعية العالمية وعواقبها، أيضًا فترة حدثت فيها تطورات جديدة، بنتائج متعددة الأبعاد، لكن لم تغير لا جوهر ولا التوجهات التاريخية لسيرورة التطور الرأسمالي…، بل عمقت تناقضاتها العدائية. إن إحدى الخصائص الأساسية لنمط الإنتاج الرأسمالي هي تجديد عملية الإنتاج وتقدمها، ولا سيما قاعدتها التقنية، حتى لو انقطع هذا مؤقتًا من حين لآخر في هذا البلد أو ذاك. وتستمر هذه الخاصية في مرحلة الاحتكار، المرحلة الأخيرة من الرأسمالية، لأن الاحتكار، على الرغم من تأثيره المحدود على تقدم القوى المنتجة، لا يقضي على المنافسة بل يحافظ على وجودها جنبا إلى جنب معه. إن التطور اللامتكافئ هو قانون مطلق للرأسمالية من جميع النواحي، وهو يصبح أكثر أهمية في مرحلة الاحتكار. إذ تتطور عملية الإنتاج، ولا سيما قاعدتها الفنية، بطريقة تشمل التفاوتات والارتدادات.

18. إن التطورات في عملية الإنتاج تترتب عليها حتماً عواقب تؤثر على جميع قطاعات الاقتصاد، من الصناعة إلى الزراعة، ومن النقل إلى الاتصالات، ومن التجارة إلى التمويل، ومن التعليم إلى الصحة، وكذلك في البنيتين التحتية والفوقية، وعلى جميع الطبقات الاجتماعية والعلاقات بينها. عندما تكتسب هذه التطورات طابعًا نطاطا (rebondissant)، مثل الثورة العلمية والتكنولوجية، فإن آثارها ونتائجها المتعددة تصبح أعمق وأكثر وضوحًا. إن الثورة الصناعية، وتطورات النصف الثاني، وخاصة الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وكذلك الثورة العلمية والتكنولوجية أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية وعواقبها الحالية، كلها أمثلة بارزة في هذا الصدد.

19. إن التطورات التي أحدثت تغييرات في هيكل وتركيبة الطبقة العاملة أدّت إلى نتائج متعددة الأوجه على الطبقات الاجتماعية الأخرى وكذلك على الطبقة العاملة ذاتها: فمن ناحية هنالك التمديد في ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية، وزيادة كثافة العمل وإنتاجيته؛ بصفة موازية تجديد وتطوير قطاعي النقل والاتصالات، وتحويل الإنتاج، لا سيما في الفروع التي تتطلب كثافة لليد العاملة، في جميع القطاعات تقريبًا، إلى بلدان حيث إمكانات الربح أعلى وتتميز بالقرب من الأسواق والمواد الأولية إلخ. بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، ونظرًا لتقدم الأساس التقني للإنتاج والتخصص وتطوير تقسيم العمل، فإن بعض المهام التي كانت جزءً من تنظيم العمل داخل المصنع – البحث والتطوير والصيانة والإصلاح، الأمان، …إلخ – أصبحت تعتبر، جزءً من قطاعات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تم نقل بعض أقسام المؤسسات الصناعية إلى قطاعات أخرى واعتبارها جزءً منها لإضعاف وتقسيم حركة وتنظيم العمال الصناعيين. من ناحية أخرى، بالإضافة إلى الزيادة في إنتاجية العمل بسبب التقدم التقني، فقد تم إطالة ساعات العمل على مدار الثلاثين عامًا الماضية، فيتم مضاعفة الانتاج بعدد أقل من العمال. نتيجة لكل هذه التطورات والممارسات، بينما انخفضت حصة العمال الصناعيين من إجمالي العمالة في بعض البلدان، ففي العديد من البلدان الأخرى، والأهم من ذلك، على الصعيد العالمي، استمرت حصة العمال الصناعيين في إجمالي العمالة في النمو. فوفقًا لبيانات منظمة العمل الدولية، على مدى فترة 30 عامًا بين عامي 1990 و2019، زادت حصة الصناعة في إجمالي العمالة، على الرغم من التقلبات بسبب الركود والأزمات، من 22٪ (498.6 مليون) إلى 23٪ (749.6 مليون). أما حصة قطاع الخدمات فتطورت من 34٪ إلى 51٪، بينما انخفضت حصة الزراعة من 44٪ إلى 27٪.

وبالإضافة إلى الزراعة والنقل والاتصالات، انتشرت الميكنة واستخدام الآلات في جميع فروع قطاع الخدمات تقريبًا، من التمويل إلى التجارة، من التخزين إلى الخدمات المحلية، من الصحة إلى التعليم. وتطورت عملية البلترة (prolétarisation) حيث أصبحت قطاعات أكبر وأكبر من العمال امتدادًا للآلات تماما مثل البروليتاريا الصناعية. أصبحت هذه المجالات أماكن تم فيها استثمار رأس المال على نطاق واسع وتحققت أرباح ضخمة من خلال تكثيف الاستغلال. مع تزايد أهمية النقل والاتصالات في عملية الإنتاج، مع إضافة سياسات الخصخصة، أصبح المعلمون والعاملون الصحيون، على سبيل المثال، مجرد عمال بأجر إلى حد كبير. وبفضل التقدم التقني وغيره، يتم إنتاج نفس الكمية من السلع بعدد أقل من العمال، بينما يزداد استخدام المنتجات الصناعية وتتغلغل الصناعة بشكل أكبر في جميع فروع الاقتصاد. يُلاحظ سرعة تفكك طبقة الفلاحين وتقلص عددهم ونسبتهم من عموم السكان، وهو ما جعل التناقضات والانقسامات الطبقية أكثر بروزًا. وبالموازاة مع الطبقة العاملة، ازداد عدد أشباه البروليتاريا التي تتدفق إلى المناطق الحضرية. كما وصلت الهجرة الجماعية بين البلدان والقارات إلى مستويات غير مسبوقة، محدثة تحولات هامة في البلدان الرأسمالية المتقدمة. لذلك، يجب على أحزابنا ومنظماتنا مراجعة عملها في ضوء هذه التطورات وآثارها، ودفع أنشطتها إلى الأمام على أساس التحليل الملموس للظروف الملموسة. وبهذه الكيفية فقط يمكننا دفع عملنا إلى الأمام.

20. في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، انتهت الهيمنة الطويلة للتحريفية الحديثة على الحركة العمالية بتفكك الأحزاب التحريفية والكتلة التحريفية بقيادة الاتحاد السوفيتي، وأدّى تسارع التفكك إلى إضعاف الأحزاب والتيارات التحريفية بكل أشكالها. وإذا تفكك بعضها وتحولت بقاياهم إلى أحزاب اجتماعية ديمقراطية إصلاحية بتوجهات يمينية أو يسارية، حافظ آخرون على وجودهم بتجديد برامجهم. هذا التفكك، الذي صورته جميع الدوائر البرجوازية الرأسمالية على أنه إفلاس للاشتراكية، لم يُنظر إليه بهذه الطريقة فقط من قبل الأقسام المتخلفة من الجماهير ولكن أيضًا من قبل الغالبية العظمى من القطاعات المتقدمة من العمال، جزئيًا بسبب أن التحريفين المعاصرين استمروا في نظامهم، الذي كان برجوازيًا رأسماليًا في جوهره، مع الحفاظ على القشرة الاشتراكية الماركسية حتى اللحظة الأخيرة. فأطلقت البرجوازية العالمية وجميع التيارات والدوائر الرجعية، باستخدام كل الوسائل المتاحة لها، الحملة الأكثر فاعلية ضد الشيوعية من حيث النتائج، من أجل القضاء على جميع مكاسب الطبقة العاملة والشعوب، وتشويه كل ما يتعلق بالثورة والشيوعية من أجل اقتلاعه من جذوره. ومن ناحية أخرى، كان لتجديد وتقدم القاعدة التقنية للإنتاج والنقل والاتصال في هذا المسار تداعيات أثرت أيضًا على عملية التنمية، وكذلك على الطبقة العاملة والطبقات والشرائح الاجتماعية الأخرى وعلى علاقاتها المتبادلة. كان من أهم النتائج قصيرة المدى لكل هذا، إلى جانب عوامل وتطورات أخرى، إضعاف الاشتراكية بكل تياراتها، وأفكارها والتيارات المناهضة للإمبريالية، والديمقراطية التقدمية، وحتى الاشتراكية الديمقراطية بكل ما فيها، وتقوية ونشر وزيادة تأثير الأيديولوجيا والتيارات السياسية البرجوازية، من الأشكال الليبرالية والنيوليبرالية إلى الأكثر رجعية، بما في ذلك التيارات الدينية والطوائف والأفكار القروسطية بين العمال والكادحين. إن تطوير أحزابنا يعتمد، إلى حد ما، على تعزيز العمل الذي تقوم به في صلب الجماهير وتجديده والنهوض به على أساس كل هذه التطورات والظروف الملموسة في بلدانهم، وكذلك على تطوير أرضيتها الإيديولوجية – النظرية.

IV. اتخاذ المصانع كقاعدة لعمل الحزب

21. إن منظري البرجوازية والبرجوازية الصغيرة والأوساط الأكاديمية البرجوازية التي يستلهمون منها، مستندين إلى الاختلافات في تشكّل الطبقة العاملة التي تصاحب التطور الرأسمالي والتي ليست جديدة أصلا، وعلى اختلاف تلك السيرورة من بلد إلى آخر، يدّعون اليوم بأن قوى اجتماعية جديدة قد تطورت، وأن الطبقة العاملة لم تعد القوة الرئيسية والأساسية في النضال ضد هيمنة الرأسمالية ورأس المال، وأنها فقدت الآن دورها الثوري التاريخي كما حدده ماركس إلخ. وعلى عكس هذه التأكيدات المتكررة إلى حد الغثيان في كل لحظة ومناسبة، فإن عملية نزع الملكية وانحسارها في أيدي أقلية تتقلص يوما بعد يوم فحسب، ونتيجة لهذه العملية، تتطور الطبقة العاملة في جميع البلدان، ويتزايد دورها في الصراع الطبقي المتطور باستمرار. إن الطبقة العاملة، بالإضافة إلى كونها أكثر الطبقات حزما وتماسكًا وثورية في النضال ضد جميع أشكال الرجعية في عدد متزايد من البلدان، فهي تشكل أيضًا من الناحية الكمية القوة الرئيسية والأساسية لهذا النضال. وهذا يجعل الحاجة إليها في النضال ضد الرجعية تنمو على نطاق عالمي.

22. نظرًا لأن مرحلة وشكل التطور الرأسمالي يمثلان اختلافات كبيرة من بلد إلى آخر، فإن مرحلة تطور أقسام من الطبقة العاملة تتركز في قطاعات مختلفة مثل الصناعة والزراعة والتعدين والخدمات، تتميز باختلافات كبيرة في كل بلد وهي خاضعة أيضًا لعملية تغيير. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذه التطورات والاختلافات، فإن البروليتاريا الصناعية، كما كانت بالأمس، تُظهر اليوم أيضًا “التجانس الأكبر مع الأفكار الماركسية اللينينية “، و”لديها أكبر نضج فكري وسياسي”، وتشكل القسم الأكثر تطورًا من الطبقة العاملة من جميع النواحي، بما في ذلك روح التضامن والوحدة فيها، وتنظيمها السياسي والاقتصادي والثقافي وجميع أنواع التنظيم، وتعبئتها الجماعية، وقدرتها واستعدادها للنضال إلخ. علاوة على ذلك، في الغالبية العظمى من البلدان، “بسبب عددها وتمركزها، فإن دورها يبقى حاسما في المراكز السياسية الرئيسية للبلد”. ونتيجة لذلك، ليس فقط في البلدان التي تطورت فيها الصناعة والبروليتاريا الصناعية، ولكن أيضًا حتى في البلدان التي تكون فيها البروليتاريا الصناعية ضعيفة فإن “إنشاء منظمة ثورية حازمة بين عمال المصانع”، وتعبئة قوانا وإمكانياتنا في العمل تبقى هي “المهمة الأولى والأكثر إلحاحًا” لأحزابنا(11).

23. واليوم، وعلى وجه الخصوص، فإن الأحزاب والمنظمات حديثة النشأة، وجزء من أحزابنا ومنظماتنا، هي حسب عبارة لينين، في “الفترة الأولية” لعملية توحيد الحركة العمالية والاشتراكية البروليتارية، أي في الفترة التي تتطلب منا “أن نكرس أنفسنا كليا للعمل بين العمال وأن نتصدّى بشدة إلى أي انحراف عن هذا المسار”. من ناحية أخرى، فإن أحزابنا، التي لديها ارتباطات ومنظمات أكثر تطوراً داخل الطبقة العاملة، لم تفز بعد بأغلبية هذه الطبقة، وخصوصا من البروليتاريا الصناعية، من أجل تنظيم الأقسام الأكثر تقدمًا في صفوفهم، لكي يصبحوا جزءًا من الطبقة من حيث التكوين الطبقي لمنظماتهم وأعضائهم، من الهياكل العليا إلى الهياكل القاعدية. وعلى الرغم من وجود أمثلة إيجابية، لا يمكن القول إننا أنشأنا منظمات ثابتة ودائمة في المصانع وأماكن العمل ذات الأهمية الحاسمة لتطوير الحركة العمالية، أو أننا حولنا هذه المواقع إلى معاقل لا يمكن اقتلاعها بسهولة. لذلك، يجب على أحزابنا ومنظماتنا أن تضع العمل داخل الطبقة العاملة، وخاصة عمال الصناعة الحديثة، في قلب كل نشاطهم، وأن توزع قواها ومهامها وفقًا لذلك، وأن تتعامل مع الجوانب الثلاثة الرئيسية للنضال أي النضال النظري-الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي وتديرها وفق هذا المنظور.

24. إن ضعف روابطنا مع الطبقة العاملة هو في نفس الوقت أحد الأسباب الرئيسية لضعف ميل الطبقات والشرائح الاجتماعية الأخرى لأحزابنا وتأثيرنا المحدود داخل هذه الأقسام، وسبب عدم قدرتها على تطوير ذلك. إن تأثير أحزابنا بين المثقفين والطبقات الكادحة الأخرى وخاصة الجماهير شبه البروليتارية، فضلا عن إمكانيات التنظيم والعمل بين هذه الأقسام، سيزداد أيضا مع تقدم عملنا داخل الطبقة العاملة، وخاصة مع الطبقة العاملة الصناعية، لأن أحزابنا ستنشئ منظمات قوية، وستكتسب ثقة ودعم أقسامها المتنامية تدريجياً وتصبح جزءًا من الطبقة العاملة من جميع النواحي. علاوة على ذلك، فإن الأقسام المختلفة من الطبقة العاملة لا تعيش حياتها فيما بينها فقط، أي معزولة عن الطبقات والشرائح الاجتماعية الأخرى؛ لذا فإن تقوية الحزب بين صفوف العمال وخلق منظمات بينهم يشارك فيها جميع أعضائه من خلال خوض نضال جماهيري يومي متواصل سيؤدي حتما إلى نمو نفوذه وتطور علاقاته في جميع مجالات الحياة وفي العلاقات الاجتماعية. لذلك، عندما يضع الحزب العمل بين العمال، ولا سيما عمال المصانع الكبرى، في قلب كل أعماله، ويجعل من ذلك أساسا لعمله وينشر وينظم قواه وفقًا لذلك، لا يعني البتة أنه يُهمل ويتجاهل الأقسام الأخرى من الطبقة العاملة وعموم الكادحين بل على العكس من ذلك، لأنه يخطّ الطريق الذي سيتم من خلاله توسيع إمكانيات الحزب للتنظيم والعمل وزيادة نفوذه في هذه القطاعات. لا شك أن العمل في الطبقة العاملة يجب أن يتم من خلال دمج القطاعات العاملة في إنتاج الطاقة وتوزيعها، والاتصالات والنقل، والتي اكتسبت أهمية استراتيجية على المستوى الدولي.

25. من ناحية أخرى، في جميع البلدان تقريبًا، تمتلك أحزابنا قوى وحلقات وأعضاء حزبيين ليس لديهم إمكانية “الذهاب بين العمال”، للقيام بعمل مباشر داخل الطبقة العاملة وخاصة العمال الصناعيين، في المصانع الكبرى. فلا يحقّ للحزب أن يتجاهلهم لأنهم لا يملكون الشروط “للذهاب بين العمال الصناعيين” أو بشكل عام للعمل بين العمال. فتبعا لمواقعهم وعلاقاتهم الاجتماعية، ومع مراعاة قدراتهم واحتياجات الحزب، يجب توجيههم وتنظيمهم للقيام بالعمل في المجالات التي يجدون أنفسهم فيها – أماكن العمل والمدارس والمؤسسات والمحليات إلخ ـ وحتى في الحالات التي لا يكونون فيها في وضع يسمح لهم بالمشاركة مباشرة في العمل بين الطبقة العاملة، بإمكانهم المساعدة في تنظيم هذا العمل وتعزيزه.

26. فيما يتعلق بنفوذ الحزب المتنامي داخل الطبقة العاملة، ستتوسع هذه القوى وسيؤدي عملها المستمر والمنهجي في مجالاتها، بما يتماشى مع خط الحزب، إلى تحسين وتعزيز فرص وإمكانيات العمل للحزب ليس فقط بين صفوف هذه الطبقات والفئات ولكن أيضًا بين العمال. إن التنظيم والعمل في جميع مجالات الحياة الاجتماعية ضروريان أيضًا للعمل غير المنقطع في مجالات التشهير السياسي والدعاية والتحريض ولتبني التكتيكات الصحيحة، المبنية على معلومات دقيقة ومستفيضة عن جميع مجالات الحياة الاجتماعية، لا تقتصر على ما تبثه وكالات الأنباء والمصادر البرجوازية، بل مبنية على معلومات وأمثلة ملموسة. فالحزب الذي يقوم بعمل منظم بين الجماهير المستغَلة والمضطهدة، مع شبابهم ونسائهم، ولا سيما القطاعات شبه البروليتارية، التي تشكل الحليف الرئيسي للطبقة العاملة، وبعد أن وسع قواعده تدريجياً، سيتحوّل إلى محور يتطوّر حوله النضال كنضال موحد تحت قيادة الطبقة العاملة. الشيء المهمّ هنا هو أن العمل بين قطاعات العمال الأخرى لا يجب أن يؤدي إلى انحراف في المنظور والتوجه من شأنه أن يمنع الحزب من التركيز على العمل الذي يهدف إلى ترسيخ جذوره في الطبقة العاملة، ولا سيما البروليتاريا الصناعية، بل عليه نشر قواه وفقًا لذلك. وعلى أحزابنا أن تصوغ برامجها من أجل التركيز على العمل داخل الطبقة العاملة. إنها ليست مسألة اختيار، بل هي ضرورة أن تحصل الطبقة العاملة على مطالبها الجزئية – المباشرة، وكذلك الاستيلاء على السلطة السياسية، التي هي شرط مسبق لتحررها، وتنظمها كطبقة مهيمنة والحفاظ على هذا الوضع.

27. لا يمكن لأي حزب، منذ نشأته، أن يمتلك الكوادر والوسائل والإمكانيات الأخرى اللازمة لخوض نضال متعدد الأوجه ومتواصل بين جميع قطاعات الطبقة العاملة، في المؤسسات الصناعية الكبيرة وفي أماكن العمل الرئيسية. ما هو مهم ومحدد لتطوير منظماتنا الحزبية هو الاستخدام الأكثر فعالية ونجاعة لقوانا، وضبط المهام وخطط الانتشار وفقًا لبرنامجنا وأولوياتنا، وذلك لضمان التدفق المستمر والمتعدد الأوجه للنشاط الذي يستهدف الأولويات والمجالات الأساسية، أي بشكل رئيسي المصانع ومواقع العمل الأخرى. وعندما تكون فيه القوى الموجودة تحت تصرفنا محدودة للغاية، من الضروري عدم تشتيتها والتركيز على العمال والعمل في المصانع.

28. إذا لم يركز الحزب قواته ووسائله، على أساس تقييم دقيق لها، على المصانع وأماكن العمل ذات الأولوية المحددة وفقًا لهذا التقييم، ويتحرك لتوسيع “شبكته من التنظيمات الحزبية” والعمل على الفور في منطقة بأكملها، محاولًا الوصول إلى كل مكان وكل مركز مقاومة، فلن يتمكن من “النجاح في بناء قاعدة صلبة”، ولا من تحقيق تطوير “عمل حزبي دائم ومستقر وعلاقات مع الجماهير أو الفوز بعناصر جديدة. يجب أن يكون واضحًا سبب عدم تمكن هذا الشكل من العمل من تحقيق أي من الأهداف قصيرة وطويلة المدى لأقلية حسنة النية، بحيث يصعب عليها الدخول بين الجماهير، ناهيك عن الالتحام بهم، وأن يتكرّر عذا العمل ويتعمّم بصفة مستمرة.

V. التشهير الاقتصادي والسياسي، التحريض والدعاية

29. لكي تقوم أحزابنا بالمهام والمسؤوليات التي تتحملها تجاه الطبقة العاملة والشعوب، لا يكفي تبني فكرة الانتشار المناسب لقوانا واتخاذ القرارات وفقًا لذلك. فما هو مهم وحاسم بنفس القدر هو تنفيذ هذه القرارات وأن ينظم جميع أعضاء ومنظمات أحزابنا حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وفقًا للمهام المنوطة بعهدتهم، حتى يصبحوا “القادة الفعليين المنخرطين في النضالات، وفي الحركة وفي الحياة اليومية للجماهير”، كما قال لينين. وأن يطوّروا عملهم وفقًا للشروط والتطورات الملموسة من حيث المحتوى والانتشار والعمق والاستمرارية، إلخ. وأن يرفعوها إلى المستوى الذي تتطلبه العقيدة الماركسية اللينينية(12).

30. تتميز الطبقة العاملة عن الطبقات الأخرى، ليس فقط بموقعها من وسائل الإنتاج ومكانتها في عملية الإنتاج، ولكن أيضًا من خلال الأشياء التي تنبع منها، مثل علاقاتها اليومية، وحياتها وموقفها من الأحداث، وثقافتها، وما إلى ذلك. لا يمكن تحقيق هذا النوع من العمل الذي من شأنه أن ينهض بالعمال في جميع المجالات مع البقاء منفصلين عن الطبقة العاملة أو بالتواصل معها من الخارج. يجب أن تكون المنظمات الحزب وأعضاؤه داخل الطبقة العاملة، مع حياتهم اليومية وعلاقاتهم، كجزء واع من الجماهير، وألا يكونوا منفصلين عنها. هذا هو الشرط للقيام بمثل هذا العمل وتطوير مثل هذه التكتيكات التي من شأنها النهوض بالعاملين من جميع النواحي، والتي من شأنها تقليل احتمالية ارتكاب الأخطاء من حيث فهم أفكارهم وميولهم، وصياغة مطالبهم والربط بين الاثنين، إلخ.

31. من المعروف أن الطبقة العاملة لا تستطيع اكتساب الوعي الطبقي في المجال الضيق للحركة العفوية. منذ بداية القرن العشرين، لفت لينين الانتباه إلى هذا الجانب من المشكلة، مؤكدًا على الحاجة إلى إدارة الجوانب الثلاثة للنضال، أي النضال الأيديولوجي -النظري، والسياسي والاقتصادي، بطريقة متناغمة ومنهجية ومستمرة. صحيح أن الوعي السياسي الطبقي يُستورد إلى الطبقة العاملة من “الخارج”، لكن هذا لا يعني أنه سيُعطى من خارج الطبقة، على سبيل المثال من قبل المثقفين البرجوازيين. إن معنى استيراد الوعي من الخارج واضح: يمكن، كما قال لينين، غرسه من خارج ميدان النضال العفوي الذي تستطيع الطبقة العاملة خوضه وهي تخوضه بالفعل، أي من خارج ميدان النضال الاقتصادي: ” لا يمكن إحضار الوعي السياسي الطبقي إلى العمال إلا من الخارج، أي فقط من خارج النضال الاقتصادي، من خارج نطاق العلاقات بين العمال وأرباب العمل. فالمجال الوحيد الذي يكتسب فيه العمال هذا الوعي هو مجال علاقات جميع الطبقات والفئات بالدولة والحكومة، مجال العلاقات المتبادلة بين جميع الطبقات.”(13) ولا يمكن أن يقوم بذلك إلا حزبها الذي يقوم بعمل يومي منظم بين جماهير العمال.

32. على الرغم من حقيقة أنه في المجال الضيق للحركة العفوية، لا يستطيع العمال تحقيق وعي سياسي اشتراكي تلقائي أو مستوى تنظيم يقودهم إلى النصر في نضالهم ضد البرجوازية وإلى التحرر، فإن نضالهم حول المطالب الجزئية يشعل الشرارات الأولى للوعي ويفتح الطريق لإمكانيات التقدم من خلال تجاربهم الخاصة. تعتمد كيفية تطور هذه الشرارات الأولى على العديد من العوامل مثل شكل النضالات التي تتطور تلقائيًا، وعملية تطورها -سيعطي الإضراب في مكان العمل، أو الإضراب العام، أو الانتفاضة نتائج مختلفة لدى العمال ـ وسيعطي عمل متعدد الأبعاد ومنهجي للعمال الواعين ومنظماتهم نتائج أخرى.

33. لذلك، لا يجب على حزب ماركسي لينيني الاستخفاف بتطور النضالات العمالية، حتى لو كانت قائمة على أصغر المطالب الطبقية، وأن يحشد كل إمكانياته لدفع هذه النضالات من خلال قيادتها والمشاركة فيها. لكن هذا لا يعني أن الحزب يجب أن يحشد فوراً كل قواه أينما كان هناك إضراب أو مقاومة، والدفع بقواه المحدودة من إضراب إلى آخر ومن مقاومة إلى أخرى، مما يؤدي إلى إضعاف وتشتيت تنظيماته القاعدية وعمله في المصانع وأماكن العمل والمدارس والأحياء، إلخ. في هذه الحال سيكون في موقع التبعية للجماهير والحركة العفوية بأسوأ طريقة، باسم توجيه الانفجارات العفوية. لكن لا يمكن للحزب أن يظل مكتوف الأيدي أمام الإضرابات الكبرى وأعمال المقاومة حيث لا توجد له منظمات أو ارتباطات، أو إزاء نضالات الطبقات المضطهدة والمستغَلة الأخرى من أجل مطالبها العادلة، أو إزاء قمع هذه النضالات، والاكتفاء بمراقبتها من بعيد. يجب أن يحاول التدخل هناك من خلال منظماته القاعدية، دون تشتيتها، من خلال تشكيل منظمات خاصة مؤقتة إذا لزم الأمر. يجب أن يقوم بأنشطة في جميع المجالات التي تتواجد وتعمل فيها منظماته، وخاصة في المصانع وأماكن العمل، بهدف الانضمام إلى هذه النضالات ودعمها وإقامة الروابط وتطويرها. فقط عندما يعارض العمال جميع أشكال الاضطهاد والاستغلال التي تتعرض لها الطبقات الأخرى، ويناضلون معها من أجل مطالب مشتركة مثل معاداة الإمبريالية، والحريات الديمقراطية، والسلام، وحماية البيئة إلخ، ويدافعون عن كل مطالبها العادلة، عندها فقط يصبح العمال طليعة كل هذه الطبقات.

34. إن تنظيم نضالات الجماهير والنهوض بها من أجل مطالبها اليومية الملحة، فضلاً عن التحريض والعمل التنظيمي الذي تتطلبه، ضروريان لتطوير الارتباط مع أوسع قطاعات الطبقة العاملة والعمال ودعمهم في حياتهم ومساعدتهم على التقدم من خلال تجاربهم الخاصة. إن المنظمات التي لا تقوم بهذا العمل بشكل مستمر لن تكون قادرة على تطوير علاقات واسعة النطاق وتحقيق الوحدة معها. ويستخدم البعض ـ ولا سيما من المنتمين للتيارات الاشتراكية البرجوازية الصغيرة ـ نقد لينين للاقتصادوية للتقليل من شأن النضال من أجل المطالب العاجلة وخاصة المطالب الاقتصادية للعمال. بالإضافة إلى المواقف التحقيرية للنضال الاقتصادي التي تؤدي إلى اللامبالاة إزاء الحركات العفوية، يجب على أحزابنا الاحتراس من الاتجاهات التي تصل إما إلى فقدان الذات ونسيان الواجبات، أو إلى عبادة الذات. يجب أن ننضم إلى نضال الجماهير من أجل مطالبها العاجلة، ولكن لا نقصر نشاطنا بين الجماهير على هذا. علينا أن نساهم لا فقط في صياغة مطالب العمال بل أن نكون كذلك العناصر المشاركة الأكثر تقدمًا في هذه النضالات، وأن نحرص على الربط بين هذا النضال الاقتصادي وعملنا التشهيري التحريضي والدعائي المستند إلى أمثلة حقيقية وملموسة، أثناء هذه الأنشطة ووفقًا لها. ما لم ينظم الحزب عملاً يوميًا منظمًا ومتواصلًا من التشهير السياسي والتحريض والدعاية بين العمال، فلن يتمكن من رفع وعي وعمل الطبقة العاملة إلى مستوى الوعي والنضال السياسي الضروريين لتحررها.

35. إذا كان عمل التشهير والتحريض الاقتصادي والسياسي وضرورة التفاعل مع الحركات التي تتطور على أساس المطالب الملحة للجماهير هو شرط -وهو كذلك – لتقدّم عمل الحزب، فإن النتيجة هي الحاجة إلى التواجد حيثما تتواجد الجماهير، ولا سيما في النقابات العمالية، وبالتحديد في المنظمات الجماهيرية، من خلال تعزيز نشاط الحزب في هذه الفضاءات. في الظروف الحالية، حيث تتحكم الرجعية البرجوازية في النقابات العمالية والمنظمات الجماهيرية الأخرى، من الضروري العمل في هذه المنظمات والقيام بعمل حزبي مستمر للتنظيم داخل الطبقة العاملة، وخاصة بين العمال الصناعيين، والجماهير العاملة الأخرى، علانية أو سرا، مباشرة أو باستخدام تكتيكات الحرب حسب الضرورة. إن كلمات لينين خير مرشد لنا: “من المهم تقديم التضحيات والتغلب على أصعب العقبات من أجل القيام بنشاط دعاية وتحريض منهجي وموجه وثابت ومستمر في الجمعيات والمؤسسات والتجمعات التي يوجد فيها البروليتاريون وأشباه البروليتاريين، وخاصة الأكثر رجعية (14).

وعلى الرغم من وجود اختلافات مهمة بين البلدان في ظرفنا الراهن، إلا أن جزءًا صغيرًا فقط من العمال والكادحين منظمون في منظمات جماهيرية مثل النقابات العمالية. لذلك أصبح من المهم بشكل متزايد أن يكون العمل النقابي أحد الجوانب الأساسية للعمل الحزبي في المصانع وأماكن العمل الأخرى، وأن يتم دمج هذا العمل مع عملنا الحزبي في النقابات العمالية والمنظمات الأخرى. إن التنظيمات الحزبية في المصانع وأماكن العمل والعمل الذي تقوم به هو الأساس والعامل الحاسم للحصول على مواقع دائمة وثابتة في النقابات العمالية. يجب أن يعتمد الحزب في عمله في أماكن العمل والنقابات على المفهوم الطبقي للنضال النقابي، ومع ذلك، يجب عليه تطوير العلاقات مع المعارضة والحركات والتوجهات الثورية والتقدمية للنقابات التي لا تتبنى بعد خط الحزب ولكنها تدعم النضال ضد أرباب العمل ورأس المال، يجب أن تصارع معهم وتستفيد من التناقضات بين الأرستقراطية العمالية والبيروقراطية. يجب أن تسعى إلى إنشاء وتطوير أوسع وحدة نقابية وسياسية للطبقة العاملة في النضال ضد رأس المال والرجعية. هذه الوحدة تتطور وترسخ في النضال السياسي من أجل المطالب المادية وضد الهيمنة البرجوازية. إن وضع الحركة النقابية وحالة الفوضى الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية للحركة العمالية عموما تتطلبان منا أن نعمل من أجل وحدة الطبقة العاملة، وأن نبني هذه الوحدة في النضال وأن نرفع المطالب المباشرة للطبقة العاملة.

36. يجب أن تكون أنشطة التشهير الاقتصادي والسياسي والتحريض والتنظيم مرتبطة بأسباب أهم المشاكل والتطورات وصياغة الشروط اللازمة لتحقيق الحلول الشاملة. إن تفسير كيفية تحقيق الأهداف قصيرة وطويلة المدى للعمال وتحررهم الكامل والمؤكد، من خلال أمثلة وتناقضات حقيقية وملموسة، ونقد الرأسمالية والدعاية للاشتراكية، لن يكون لها معنى ونجاح إلا إذا اقترن ذلك بنشاط تعليمي يؤدي إلى تقدم العمال، وقبل كل شيء قواهم المتقدمة، في جميع المجالات. وحتى يتمكن الحزب من القيام بنشاط ينهض بوعي وتنظيم ونضال الطبقة العاملة لكي تكون قادرة على الدفاع بشكل مقنع عن أسباب وحلول التطورات الوطنية والعالمية والمشاكل التي تواجه الطبقة العاملة، يجب أن تتكون من كوادر وهياكل مُشبعة بالنظرية الماركسية اللينينية.

37. يجب أن يصبح العمل الدعائي الذي يتناسب مع التشهير والتحريض الاقتصادي والسياسي، والذي ينتشر تدريجياً إلى قسم كبير من العمال، جزءًا أساسيًا من نشاطنا الحزبي وعملنا اليومي الذي يجب أن نؤديه دون انقطاع. بدون هذا يستحيل تطوّر العمال، وخاصة أقسامهم المتقدمة، حتى يصبحوا أعمدة الحزب. تمامًا مثل الأجزاء الأخرى من نشاطنا، يجب أن تستند دعايتنا- والدعاية للاشتراكية جزء أساسي منها – إلى مفاهيم ملموسة وحقائق حية ومحددة في ضوء النظرية الماركسية اللينينية. وإلا فإن الدعاية بشكل عام، وخاصة الدعاية للاشتراكية، ستتحول إلى معرفة أكاديمية متكررة، منفصلة عن الواقع؛ وستكون عودة إلى فترة الدعاية الشيوعية قبل الماركسية. ستكون خطوة إلى الوراء، وهذا العمل لن يسمح لنا بتحقيق أهدافنا.

38. يجب على حزب الطبقة العاملة أن يطور الصراع الطبقي في المجال الأيديولوجي. وهذا يعني معارضة أطروحات ومقاربات البرجوازية التي تسعى إلى تحويل نضال الطبقة العاملة والشعوب عن أهدافها الاستراتيجية المركزية؛ شرح الطابع المضاد للثورة للتحريفية والتروتسكية والاشتراكية الديموقراطية والانتهازية؛ نشر الأطروحات والمقاربات الماركسية اللينينية بين الطبقة العاملة والقوى المحركة للثورة. إن النضال ضد جميع أشكال الأيديولوجيات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، ضد التيارات والتوجهات المعادية للماركسية؛ وكذلك نشر الماركسية اللينينية بشكل رئيسي بين العمال المتقدمين يُعَدّ أحد أبعاد نشاطنا الدعائي. تشكل الأنشطة التربوية بين العمال والكادحين وفئاتهم من النساء والشباب، مع إيلاء اهتمام خاص لاحتياجاتهم المختلفة من حيث المعرفة والوعي، عنصرا مكملا ومتدرّجا لعمل الحزب بين الجماهير.

39. الصحف والتلفزيون والمحطات الإذاعية، إلخ هي أيضًا أدوات للتنظيم والدعاية، مع أنشطة منتظمة على الساحة المحلية والوطنية؛ تعتبر البلاغات والمناشير والملصقات من أكثر الأدوات فعالية لنشاط التشهير والتحريض. كما أن الكراريس والكتب والمجلات هي أيضًا أدوات دعائية فعالة. كان من نتائج الثورة والتقدم العلمي والتكنولوجي تجديد الأساس التقني للإنتاج والنقل والاتصالات وتطوير أدوات جديدة. تمت إضافة التلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة واستخدام المنصات الرقمية إلى الهواتف اللاسلكية والخطوط الثابتة والراديو؛ تتحسن قدراتهم التقنية كل يوم وينتشر استخدامها. يجب على أحزابنا استخدام هذه التقنيات الحالية بكفاءة ومهنية، وكذلك الوسائل القديمة للنشر والتواصل، والتي هي نفسها وسائل التشهير والتحريض والدعاية. يجب توسيع وتطوير الوثائق المطبوعة للتحريض والدعاية مثل الصحف والمجلات والنشرات والكتب والملصقات باستخدام جميع الأساليب والوسائل المتاحة، ويجب أن يتمّ تفعيلها جنبا إلى جنب مع التحريض الشفوي والدعاية والتنظيم والمباشر بين الجماهير. لا يمكن للطرق الجديدة واستخدامها الفعال أن تحل محل عملنا بالمطبوعات والشفوي المتمثل في الكشف والتحريض والدعاية والتنظيم بين الجماهير، ولا المحاضرات والاجتماعات الجماعية والأنشطة الفردية والجماعية الأخرى. لا يمكن أن تكون هذه الوسائط الحديثة سببًا أو تعلّة لتجنب العمل الضروري بين الجماهير، كجزء واع من الطبقة من خلال حياتها العامة وعلاقاتها اليومية، من أجل تطوير العلاقات مع كل أقسامها واستخدام جميع الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك.

VI. العمل اليومي غير المنقطع الذي يقوم به الحزب

40. ذاك هو أحد الشروط التي لا غنى عنها للقيام بعمل ثوري دون انقطاع بين الجماهير في ظل أحلك ظروف القمع والإرهاب، وكذلك في الفترات التي تكون فيها الحركة في حالة صعود ثم تهدأ. إن العمل الثوري الذي يصر عليه لينين كثيرًا ليس فقط ما يتم تنفيذه خلال الفترات الثورية، بل أيضًا العمل الذي يتم تنفيذه عندما تتراجع الحركة، أو حتى تنهزم، وفي ظل ظروف من القمع والإرهاب أكثر ظلمة. يمكن أن يكون العمل الحزبي نشاطًا متواصلًا إذا استطاع جميع أعضاء الحزب ومنظماته تجديد أشكال العمل والتنظيم حسب الظروف، دون أن ينفصلوا عن الجماهير والبقاء صلبها مهما كانت صعوبة هذه الظروف. إلى جانب كونه شرطًا ضروريًا، فإن الخطوة الأولى أيضًا هي بناء أحزابنا على أساس منظمات / خلايا وحدات العمل، بشكل رئيسي في المصانع والمناجم والمؤسسات الزراعية وفي جميع القطاعات بدءًا من الصحة إلى التعليم ومن النقل إلى الاتصالات وجعل هذه المنظمات قاعدة الحزب.

41. يجب التعامل مع العمل الحزبي بين الجماهير كعنصر أساسي وكوسيلة لعملنا، ولا ينبغي اختزاله في التوزيع والقراءة والكتابة لمطبوعات الحزب مهما كانت دوريتها سواء كانت منتظمة أو غير منتظمة. إذا جمعت المنظمات القاعدية للحزب هذا العمل مع ذلك الذي يسمح بالاستخدام الفعال لجميع الوسائل والأساليب المكتوبة والمرئية والشفوية، مثل المنشورات والكتيبات والملصقات والصحف الجدارية والاجتماعات الضيقة والواسعة للعمال، إلخ، فقط عندما تتحقق هذه الوحدة دون انقطاع، وفقًا للشروط الملموسة وبطريقة تلبي احتياجات النضال، يمكن لعمل الحزب أن يكتسب طابع العمل اليومي متعدد الوظائف الذي من شأنه أن يرفع من مستوى الحزب ومستوى وعي الجماهير وتنظيمها ونضالها. هناك شرط آخر للتوسع التدريجي غير المنقطع واليومي والمتعدد الوظائف للعمل الحزبي بين الجماهير وهو أن المنظمات القاعدية والأعضاء في المصانع والمناجم والشركات الزراعية والمؤسسات، إلخ يجب أن يكون لديهم تقسيم مناسب للعمل، حيث يقومون بتعبئة الحلقات الحزبية والعلاقات الأخرى بطريقة منظمة من خلال تحديد المهام والوظائف وفقًا لقدرات كل منهم، واستخدام جميع الأدوات المركزية والمحلية بطريقة متناغمة وفعالة.

42. إن ظروف الصراع الطبقي، الصراع المستمر بين البرجوازية والبروليتاريا، تتغير وفقًا للعديد من العوامل والتطورات على الصعيدين الوطني والدولي، وستستمر في ذلك في المستقبل. يجب أن يكون للحزب القدرة على التصرف في أي موقف، لتطوير وسائل وأشكال العمل والنضال من أجل الحفاظ على تأثيره على الحركة الجماهيرية والحياة السياسية للبلاد؛ يجب أن يعرف كيفية الجمع بين جميع أشكال النضال والعمل القانوني وغير القانوني وفقًا للشروط الملموسة التي يعمل فيها. يجب أن يكون الحزب، من أكثر الظروف ديمقراطية إلى أحلك سنوات الرجعية، من فترات ازدهار الحركة إلى فترات تراجعها وهزيمتها، في جميع الظروف، بين الجماهير، وهو ملزم بتطوير أشكال النضال ووسائله، للقيام بأعمال يومية متواصلة تصل إلى أوسع قطاعات الجماهير الممكنة بكل الوسائل. ويتطلب تحقيق هذا الجانب توحيد الأساليب الشرعية وغير الشرعية وأشكال ووسائل العمل المختلفة كالمطبوعات بجميع أنواعها والمشاركة في الانتخابات والنضال النيابي وفق شروط تشارك فيها كل المنظمات وكل مستوى من مستويات الحزب، من منظماته القاعدية إلى أعلى هياكله، والتطوير المستمر لهذه العلاقة من خلال التجديد وفقًا للظروف المتغيرة. يجب على أحزابنا، في جميع الظروف، بما في ذلك في الجمهوريات الديمقراطية البرجوازية، أن تدير عملها بطريقة تجعل العدو الطبقي وأجهزة السلطة تصل إلى أقل قدر ممكن من المعطيات حول المنظمات والعلاقات الحزبية. وهذا ضروري ليس فقط للتقليل من الخسائر الناجمة عن هجمات الديكتاتورية، والتي تبقى محتملة أو تتفاقم في المستقبل، ولكن أيضًا لصد هجمات الرأسماليين مثل تسريح العمال وما إلى ذلك، وبناء منظمات دائمة وقوية. يتطلب توحيد طريقة وشكل ووسائل العمل الحزبي بالشكل المناسب تحت جميع الظروف تنظيم العمل الجماعي على أساس تقسيم العمل في الأجهزة العليا للحزب وكذلك في منظماته القاعدية. إن إنشاء التنظيمات الحزبية حيثما وجدت الجماهير، وفي المقام الأول في المصانع الكبرى، ليس فقط شرطًا من الشروط الأساسية للقيام بنشاط مستمر بينها، والاندماج فيها، وبالتالي تحديد أوضاعها بدقة، ومراقبة حالتها الذهنية بشكل فعال من أجل صياغة التكتيكات الصحيحة، ولكن أيضًا تلك الخاصة بصد هجمات العدو والقدرة على تنفيذ العمل في ظل أقسى الظروف.

الندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية
ماي 2022


الهوامش:
(*) نص المقرر الذي صادقت عليه الندوة الدولية للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية (CIPOML) في اجتماعها العام المنعقد بجمهورية الدومينيك خلال السنة 2022
(1) لينين، الأعمال المختارة، المجلد السادس
(2) لينين، الأعمال المختارة، المجلد 2، “المهام العاجلة لحركتنا”، ديسمبر 1900
(3) فيما يتعلق بالاختلافات بين الاثنين ، يمكن أن يقال ما يلي لشرح سبب زيادة التدمير للتحريفية الحديثة واستمرارها لفترة أطول: نشأت وتطورت انتهازية الأممية الثانية في ظل الظروف التالية: أ) انجر العالم الرأسمالي إلى حرب جديدة لإعادة توزيع العالم ، مما أدى إلى شحذ تناقضاته وإلى تدمير متعدد الأوجه ؛ ب) لذلك ، فإن الوجه الحقيقي للخيانة شوهد من قبل الجماهير بسرعة نسبية من خلال تجاربهم الخاصة ؛ ج) نشأ الغضب والاستياء والميل إلى النضال بين العمال الذين تدهورت ظروفهم المعيشية والعمل في ظل ظروف الحرب ، وظهرت الانتفاضات العمالية في العديد من البلدان ، وخاصة في ألمانيا ؛ د) مع ثورة أكتوبر ، تعرض النظام الرأسمالي الإمبريالي لضربة في روسيا ، وقام الاتحاد السوفيتي بتعبئة كل القوى من أجل تنظيم الحزب الثوري للطبقة العاملة والحركة العمالية.
من ناحية أخرى ، كانت الظروف التي نشأت وتطورت في ظلها التحريفية الحديثة على النحو التالي: أ) دخل العالم الرأسمالي فترة نمو على أنقاض حرب إعادة التوزيع الثانية، على الرغم من الأزمات الدورية التي مرت بها ، إلا أنها لم تسبب اضطرابات هائلة ، وحقيقة أن المعسكر الإمبريالي الرأسمالي قد شهد تصدعات جديدة ؛ ب) على الرغم من استمرار نضالات الأمم والشعوب المضطهدة ، والتي أدت إلى تفكك النظام الاستعماري ، إلا أن الحركة العمالية تراجعت ، ومن أجل تهدئة العمال ، وخاصة في البلدان الرأسمالية المتقدمة ، فإن سياسيات “دولة الرفاه” “انتشرت على نطاق واسع ؛ د) لم يعد الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الأخرى ، باستثناء ألبانيا ، للحركة العمالية ، بل أصبحوا من أعمدة الرجعية ، مستخدمين مكانتهم العظيمة لتعبئة جميع الفرص الاقتصادية والسياسية والعسكرية من أجل فرض هيمنة. التحريفية الحديثة.
(4) الأرضية النضالية للندوة: “حول الرأسمالية والطبقة العاملة والنضال من أجل الشيوعية”.
(5) إلى جانب ما سمّي بالربيع العربي، تطورت نضالات العمال والشعوب من وقت لآخر في العديد من البلدان مثل السودان وهايتي وفرنسا واليونان والهند وبنغلاديش، إلخ. والأوضاع الثورية التي ظهرت في العديد من المناطق الأخرى، سرعن ما تلاشت إما بتحقيق مكاسب مؤقتة ومحدودة أو تعرضت لهزيمة ثقيلة. والسبب الرئيسي لذلك هو أن معظم الطبقة العاملة لم تشارك في هذه النضالات كقوة مستقلة ومنظمة تحت قيادة حزبها، وهذه النضالات لم تتطور تحت قيادة حزب الطبقة العاملة وهيمنتها.
(6) لينين، خطاب أمام المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية
(7) لينين، مرض اليسارية الطفولي
(8) لينين، الأعمال المختارة، المجلد 10، “رسالة إلى الشيوعيين الألمان”.
(9) في مقالته “بلشفة الأحزاب” المنشورة في مجلة “الأممية الشيوعية” ، يشير د. مانويلسكي ، مندوب الاتحاد السوفيتي وأمين اللجنة التنفيذية للكومنترن ، إلى مظهر أساسي من البلشفة على النحو التالي: إن مهمة الأحزاب الشقيقة ، والهدف الرئيسي لجهودهم يجب أن يكون تكوين أكبر عدد ممكن من الكوادر الثورية داخل المصانع والورشات ، المكرسين جسدا وروحًا لقضية الثورة. إن هدفنا اليوم هو إعادة تنظيم الأحزاب الأوروبية على أساس نواتات المصنع والورشة “. ويتابع قائلاً: “… إن مهمة مشتركة تُطرح اليوم بحدّة على جميع أحزابنا. فمهمتها اليوم هي أن تقترب أكثر فأكثر من العمال داخل مواقع العمل. إن إعادة تنظيم الأحزاب على أساس أنوية المصانع والورش ليس إجراء ميكانيكيًا لإعادة بناء العلاقات من الخارج فقط. إنه يعني تحويل مركز عمل الحزب بالكامل مستوى النواتات القاعدية لعمال المصنع. إن الحزب الذي يحول أنويته الشيوعية داخل ورشات إلى قيادات فعلية للنضال الثوري للجماهير البروليتارية، هو الذي يمكن القول حقا أنه بصدد البلشفة “. ثم يثني على الحزب الشيوعي الفرنسي بالقول: “إن الأممية الشيوعية تُشيد بكل فخر واعتزاز بالخطوات الجبارة التي قطعها الحزب الشيوعي الفرنسي في هذا الاتجاه. ، فمن بين 237 مندوبا حضروا أشغال مؤتمره الأخير، فاق عدد العمال الـ 200.” (الأممية الشيوعية”، المجلد الأول، العدد 10، 1924)
(10) بما أن جميع أنواع الانتهازية والتحريفية لها في جوهرها نفس النظرة البرجوازية للعالم، فإلى جانب خطوطها وخيبات الأمل والانحرافات التي تخلقها بين الجماهير، فإنها تهيئ الظروف لنشر وترسيخ جميع أشكال الأيديولوجيا والتيارات البرجوازية، بما في ذلك الأكثر رجعية.
(11) لينين، الأعمال الكاملة، المجلد الأول، 1897 مقالة، “مهام الاشتراكيين الديمقراطيين الروس”.
(12) إن لوائح رابطة الشيوعيين، التي وُضعت بمشاركة نشطة من ماركس وإنجلز في مؤتمرها الأول عام 1847، والتي كانت أول مبادرة لتأسيس الحزب الثوري للطبقة العاملة، والتي تم تبنيها في مؤتمرها الثاني، نصت في نقطتها الأولى على أهداف الرابطة، وفي النقطة الثانية، على شروط العضوية في الرابطة. كان الشرط الأول لكي تصبح عضوًا هو “اتخاذ أسلوب حياة وعمل” وفقًا للهدف المنصوص عليه في النقطة الأولى. منذ السنوات الأولى لتأسيس نظريتهم كدليل للعمل من أجل النضال من أجل تحرر الطبقة العاملة، عاش ماركس وإنجلز “حياة وعملا” بما يتفق مع الهدف المحدد بوضوح شديد في النقطة الأولى من قواعد الرابطة وكذلك في البيان الشيوعي. وكما فعل في المجالات الأخرى، طور لينين آراء ماركس وإنجلز حول الحزب الثوري للطبقة العاملة وشروط العضوية فيه، ودافع عنها ضد أي شكل من أشكال الانتهازية.
(13) لينين، ما العمل؟، 3.5. الطبقة العاملة كطليعة مناضلة من أجل الديمقراطية.
(14) لينين، الأعمال المختارة، المجلد العاشر.

o