مداخلة الرفيق عبدالحق الوسولي في الندوة التي نظمها حزب النهج الديمقراطي العمالي بمناسبة ذكرى الشهداء
مداخلة الرفيق عبد الحق الوسولي في الندوة التي نظمها حزب النهج الديمقراطي العمالي بمناسبة ذكرى الشهداء، بعنوان الاغتيالات السياسية بالمغرب والإفلات من العقاب، تحت شعار “شهداء على طريق التغيير الثوري”.
أولا أتقدم بالشكر لحزب النهج الديمقراطي العمالي على تنظيمه لهذه الندوة بعنوان “الاغتيالات السياسية بالمغرب والإفلات من العقاب“. تحت شعار “شهداء على طريق التغيير الثوري“، كما أتقدم بتحية تقدير واحترام إلى عائلات الشهداء وعائلات المختطفين مجهولي المصير وكافة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا المقترفة في الماضي والحاضر من طرف النظام المخزني وكافة المناضلات والمناضلين المتتبعين لهذه الندوة، حتى لا ننسى المختطفين مجهولي المصير وشهداء الشعب المغربي والمبادئ النبيلة التي ضحوا بحياتهم من أجلها كالحرية والكرامة والعيش الكريم لكل المغاربة، وناضلوا من أجل مجتمع ديمقراطي خال من كل أنواع الاستغلال والاستبداد والتسلط تكون فيه السيادة للشعب حتى يتمكن من تقرير مصيره بنفسه.
سأركز في هذه المداخلة على تجربة عائلات المختطفين مجهولي الصير وضحايا الاختفاء القسري بالمغرب في موضوع الاغتيالات السياسية بالمغرب والإفلات من العقاب، وانسجاما مع شعار الندوة فسأقسم مداخلتي إلى ثلاثة محاور.
في المحور الأول سأقدم بتركيز شديد المحطات الرئيسية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الأنسان التي قام بها النظام المغربي والتي خلفت العديد من الاختطافات والاغتيالات.
وفي المحور الثاني سأركز على تجربة العائلات والحركة الحقوقية والسياسية التقدمية في علاقتها بالاغتيال السياسي والإفلات من العقاب.
أما المحور الثالث فسأتطرف فيه إلى ما العمل؟ حتى لا يتكرر ما جرى من اغتيالات سياسية والإفلات من العقاب على طريق التغيير الثوري والقضاء على الاستبداد.
1- المحطات الرئيسية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الأنسان التي قام بها النظام المغربي والتي خلفت العديد من الاختطافات والاغتيالات
عرف المغرب ممارسة الاختفاء القسري خلال فترة ما بعد الاستقلال كجزء من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كان ضحيتها أفراد أومجموعات، واستعملت لهذا الغرض مراكز سرية للاحتجاز تراوحت مدد الاختفاء القسري فيها من بضعة شهور إلى ما يفوق ثمانية عشرة سنة. ومن بين خاصيات الاختفاء القسري في المغرب إطلاق سراح العديد من الناجين الذين مكنت شهاداتهم من تسليط الضوء على مختلف جوانب هذه الجريمة الشنيعة، التي تضع الضحية خارج نطاق الحماية القانونية ويكون عرضة للتعذيب والممارسات المهينة واللاإنسانية والحاطة من الكرامة، وتنتهك مجموع حقوقه، وتمتد تبعاتها إلى عائلته ومقربيه، بل إلى المجتمع ككل.
كما أن عددا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تتقاطع بعض خاصياتها مع عدد من خاصيات الاختفاء القسري، فالقتل خارج نطاق القضاء أو المس بالحق في الحياة تحت التعذيب أفضى إلى بقاء مصير رفات عدد من الضحايا مجهولا، وهي حالات عرفها المغرب بشكل واسع، مما يستدعي إعمال الحق في معرفة الحقيقة في جميع هذه الحالات.
لابد من الإشارة هنا وحتى لا ننسى أنه ومنذ الاستقلال الشكلي عرف المغرب الكثير من الأحداث السياسية، والهزات الاجتماعية، والحركات الاجتماعية ترتب عنها أحداث دموية عنيفة ، (الريف 1958) ـ (الدار البيضاء 1965-1981) ـ (مراكش ومدن الشمال 1984) ـ (فاس – طنجة 1990)، بالإضافة إلى اعتقالات ومحاكمات سياسية شاملة (1963-1969-1971-1972-1973-1977-1981-1984-1986-1990) ولا زلت مستمرة إلى الآن نذكر منها معتقلي حراك الريف، الصحافيين، المدونين …، كما عرف تاريخ الصراع بالمغرب كذلك، أسلوب الاختطاف بالجملة، الاغتيال السياسي والنفي الاضطراري.
لقد صاحبت هذ الإحداث وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب مند سنة 1956 ولا زالت مستمرة إلى الآن، وتنوعت من حيث طبيعتها ودرجة عنفها وآثارها وأبعادها وشملت الاختفاء القسري، الاعتقال التعسفي، الإعدام خارج نطاق القانون، التعذيب الوحشي المفضي إلى عاهة مستديمة او الموت، المنفى الاضطراري او الاختياري هربا من الاضطهاد السياسي، المحاكمات السياسية الجائرة، الحصار ونزع ومصادرة الممتلكات، الاغتصاب الممارس على الضحايا وخاصة النساء كما شملت هاته الانتهاكات الأفراد والجماعات والمناطق بأكملها. لقد اتسمت هاته الانتهاكات بالاستمرارية والشمول وشكلت نمطا ونهجا ثابتا واختيارا سياسيا للدولة المخزنية في مواجهة الحركات السياسية المعارضة والحركات الاحتجاجية الشعبية وما تعامل النظام المستبد مع الحراك الشعبي بالريف وجرادة إلا دليل على استمرارية الماضي في الحاضر. كما شكلت أيضا جوابا رسميا عن المطالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للشعب المغربي في الماضي والحاضر لكي يتسنى للنظام وخدامه نهب خيرات الشعب وكبح طموحاته المشروعة في التحرر الوطني و تقرير مصيره بنفسه.
2- تجربة العائلات والحركة الحقوقية والسياسية التقدمية في علاقتها بالاغتيال السياسي والإفلات من العقاب.
للتذكير فقد لعلبت بعض عائلات مجهولي المصير والمعتقلين السياسيين في المغرب وجمعية عائلات وأقارب وأصدقاء المختطفين والمنفيين في باريس دورا أساسيا في جمع العائلات وتكوين اللبنة الأولى للدفاع عن المختطفين مجهولي المصير في المغرب.
وبعد ذلك، تشكلت النواة الأولى – منذ بداية التسعينات – لتنظيم لجنة من مجموعة من عائلات المختطفين مجهولي المصير وضحايا الاختفاء القسري، فكانت طرفا فاعلا في لجان التضامن مع المعتقلين السياسيين والمختطفين والمنفيين وضحايا الاعتقال التعسفي.
وقد عملت هذه اللجنة – منذ البداية، وبإمكانيتها المتواضعة – على تعريف جميع الجهات بملف الاختفاء القسري على الساحة الوطنية والدولية: الجمعيات الحقوقية، والصحافة الوطنية والدولية، واللقاءات والملتقيات – سياسية كانت أو اجتماعية-، والمؤتمرات الحزبية والنقابية، والوقفات والتظاهرات والإضرابات عن الطعام… وقد حافظت تقليديا على المشاركة في فاتح ماي من كل سنة في مقدمة القافلة النقابية للتعبير عن مطالب عائلات الضحايا ورفع شعارات إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن الحقيقة حول المختفين قسرا و مجهولي المصير.
منذ بداية التسعينيات عملت هذه اللجنة – بالمشاركة مع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية لحقوق الإنسان – وفعاليات حقوقية أخرى على رصد وجمع ملفات المختطفين مجهولي المصير والنضال من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المختطفين والمطالبة بالحل الشامل لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المقترفة من طرف النظام المخزني ومحاكمة الجلادين وعدم التكرار.
إن نضال العائلات والحركة الحقوقية والسياسية التقدمية المغربية والضغط الخارجي الحقوقي والسياسي أدى إلى تأسيس «هيئة التحكيم المستقلة للتعويض المترتب عن الضررين المادي والمعنوي وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء والاعتقال التعسفي” في غشت 1999 وبعد ذلك تم توسيع اختصاصها ليشمل الاعتقال التعسفي. بالرغم من بداية الاعتراف الرسمي للنظام المخزني بقيام الدولة المغربة بانتهاكات جسيمة لحوق الإنسان إلا أنها حصرته في التعويض المادي دون معرفة الحقيقية وأصدرت عفوا شاملا عل جميع المتورطين في هذه الانتهاكات الجسيمة (الاغتيال السياسي، الاختطاف، الإعدام خارج نطاق القانون..) المجرم يصدر عفوا عن نفسه. وبطبيعة الحال فإن حركة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية وأيضا عدد من المكونات السياسية والنقابية اعتبرت مقاربة الحل هذه تجزيئية واختزالية وأكثر من ذلك أنها أسست للإفلات من العقاب ي الجرائم ضد الإنسانية ومن ضمنها الاغتيال الساسي. ومن أبرز النتائج المترتبة عن هذا الموقف تأسيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف في نونبر 1999، وتنظيم المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان سنتين بعد ذلك (نونبر 2001) التي أوصت بإنشاء هيئة وطنية للحقيقة.
بعد نضال مرير للعائلات وكل الطيف الحقوقي والسياسي المشارك في المناظرة وعلى رأسها هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تم إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2003 والتي سوقت على أنها تندرج في إطار العدالة الانتقالية.
ينطوي مفهوم العدالة الانتقالية على أربع دعائم رئيسة ومترابطة تشكل آليات وأهدافا في الوقت ذاته هي: معرفة الحقيقة، المحاسبة والقصاص، التعويض وجبر الضرر، ضمانات عدم التكرار.
لابد من التأكيد على أن ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوف الإنسان في الماضي والحاضر لا زال مفتوحا رغم مرور أكثر من 20 سنة على إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة التي سوقت على أنها تندرج ضمن إطار العدالة الانتقالية. إن النضال من أجل الحقيقة وعدم الإفلات من العاقب يندرج ضمن النضال من أجل الديموقراطية والتغيير الحقيقي لإن مفهوم العدالة الانتقالية يركز أساسا على العدالة والانتقال من حكم تسلطي استبدادي إلى حكم ديمقراطي عبر تطبيق مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية تعالج من خلالها ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والغاية من هذا هو عدم التكرار. إن النظام المغربي المرتكب لأفظع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان نظام تسلطي استبدادي يسوده الحكم الفردي المطلق. إن الانتقال الذي شهدته السلطة سنة 1999 لم يغير جوهر الحكم لدى النظام المغربي وبعبارة أخرى لم يشهد المغرب الانتقال من حكم تسلطي استبدادي إلى حكم ديمقراطي بل التجربة المغربية أنجزت في ظل استمرارية النظام المخزني المتسلط والمستبد والنتيجة أن التكرار لا زال قائما.
بالنسبة للحقيقة التي تعتبر من أهم ركائز العدالة الانتقالية فإنها لا زالت غائبة أو بالأحرى مغيبة نظرا لاستمرارية نفس نظام الحكم كون الظهير المؤسس لهيئة الإنصاف والمصالحة يكرس عدم إمكانية معرفة الحقيقة بحيث أن:
أن المادة السادسة تنص على أن ” اختصاصات هيئة الإنصاف والمصالحة غير قضائية ولا تثير المسؤولية الفردية عن الانتهاكات، ومن مهامها البحث والتحري والتقييم والتحكيم والاقتراح “؛ وأن اختصاصها الزمني يشمل الفترة الممتدة من أوائل الاستقلال (سنة 1956) إلى تاريخ المصادقة الملكية على إحداث هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي (سنة 1999)؛
إن من ضمن الالتزامات التي يفرضها على الشهود ميثاق الشرف المحدد لالتزامات كل من ” هيئة الإنصاف والمصالحة” وضحايا الانتهاكات المشاركين في جلسات الاستماع الالتزام بالإمساك عن التطرق إلى المسؤوليات الفردية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان اعتبارا للطبيعة غير القضائية للهيئة ولما ينص عليه نظامها الأساسي من عدم إثارة المسؤولية الفردية عن الانتهاكات؛
أما بخصوص المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب وذكر أسماء المجرمين فقد أصبحوا من الممنوعات بمقتضى المادة 6 من الظهير المحدث لهيئة الإنصاف والمصالحة وقانون العفو الذي أصدره رئيس الدولة والمسئول الأول عن أغلب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت في بلدنا عن جميع المسئولين المباشرين وغير المباشرين المتورطين في هذه الانتهاكات ومن بينهم الجلادين. إن هذا يبين بالملموس مرة أخرى مدى تناقض التجربة المغربية مع مبادئ حقوق الإنسان الكونية وكذلك مبادئ العدالة الانتقالية وذلك بمنطق الخصوصية المغربية. إن التجربة المغربية لم تأخذ بعين الاعتبار مبدأ المحاسبة والقصاص بل الأخطر من ذلك أنها أسست للإفلات من العقاب في جميع الجرائم ضد الإنسانية السياسية، الاقتصادية والثقافية.
3- ما العمل؟ حتى لا يتكرر ما جرى من اغتيالات سياسية والإفلات من العقاب على طريق التغيير الثوري والقضاء على الاستبداد.
انطلاقا مما سبق فإننا نسجل أن قضية الاغتيال السياسي والإفلات من العقاب لا يمكن حلها حلا منصفا وعادلا في ظل نظام استبدادي فلهذا فإن التقدم في حل هذا الملف يستوجب القضاء على الاستبداد والتحرر الوطني ولهذا فإن نضال العائلات من أجل الحقيقة وعدم الإفلات من العقاب يندرج ضمن النضال السياسي من أجل مجتمع ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب وللوصول إلى هذا الهدف فلا بد من:
– العمل على إجلاء الحقيقة كاملة والكشف عن مصير المختطفين مجهولي المصير بما فيها حالة الوفيات تحت التعذيب في مراكز الاستنطاق وأماكن الاحتجاز والاعتقال، وكل الحيثيات السياسية والأمنية التي أدت إلى هذه الجرائم وتوضيح جميع ملابساتها، وإطلاق سراح الأحياء منهم وتسليم رفات المتوفين لذويهم لدفنهم حسب مشيئتهم وضمان حق العائلات في الطعن في نتائج التحليلات الجينية.
– العمل على التأسيس وإنشاء الآلية الوطنية المستقلة للحقيقة،
– تحسيس الفاعلين الحقوقيين والسياسيين على الصعيدين الوطني والدولي من أجل إعطاء نفس جديد لصيرورة الحقيقة والإنصاف في المغرب.
– النضال من أجل تغيير موازين القوى لصالح الصف الديمقراطي التقدمي كون ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مرتبط بمدى تحقيق الديمقراطية الحقيقية ببلدنا،
– الإسراع بعقد المناظرة الوطنية الثانية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان
– الكشف عن الحقيقة الكاملة لجميع حالات الاختفاء القسري بالمغرب بما فيها حالة الوفيات تحت التعذيب في مراكز الاستنطاق وأماكن الاحتجاز والاعتقال، وكل الحيثيات السياسية والأمنية التي أدت إلى هذه الجرائم وتوضيح جميع ملابساتها وإطلاق سراح الأحياء منهم
– العمل على إعمال مبدأ المساءلة ومناهضة الإفلات من العقاب وتحديد المسؤوليات لتمكين الضحايا من حقهم في متابعة المسئولين قضائيا، وإبعاد المتورطين منهم بشكل مباشر من وظائفهم ومن تسيير الشأن العام.
– العمل على حفظ الذاكرة وإنعاشها ووقف الأعمال الرامية إلى طمس معالم جرائم الماضي.
– العمل على نشر اللوائح الكاملة لضحايا الاختفاء القسري وتضمينها كل المعلومات الأساسية: ( هوية المختفي – تاريخ ومكان اختطافه – أماكن احتجازه – تاريخ ومكان الوفاة عند حدوثها – تحديد المؤسسات والأجهزة المسئولة عن الاختطاف والاحتجاز…).
– العمل على تمكين الضحايا وذوي الحقوق وكافة المهتمين من الاطلاع على الأرشيف.
– العمل على القضاء على الاستبداد.
– مواصلة النضال حتى الاستجابة لمطالب الهيئات الحقوقية والسياسية والنقابية في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
الإثنين 13/ 11/ 2023