المخزن غير قابل للاصلاح

المخزن غير قابل للاصلاح

IMG-20210902-WA0019-707x500 المخزن غير قابل للاصلاح


المخزن غير قابل للاصلاح

هذه هي الحقيقة التي تنجلي ساطعة بقوة التجربة التاريخية.
لماذا فشلت الاصلاحات في عهد الحسن الاول مع انها كانت بسيطة ويصفها البعض بانها سطحية؟ حاول الإجابة عن هذا السؤال العديد من المثقفين منهم المانوني والجابري وجرمان عياش. هذا الاخير يقول بان الاصلاح فشل لانه لم يكن مسنودا من الشعب الذي لم يكن موحدا ولا مؤطرا.

الحقيقة ان ثلثي القبائل المغربية كانت متمردة وخارجة عن سيطرة السلطة المركزية في اواخر عهد الحسن الاول. ورفض الاعيان وفقهاء البلاط تلك الاصلاحات على بساطتها.
ورفض الملك عبد الحفيظ العلوي مشروع الدستور الذي قدمته جماعة لسان المغرب سنة 1908 ووقع على اتفاقية الذل والعار والخيانة، اتفاقية الحماية في 30 مارس 1912 التي شرعنت استعمار فرنسا لبلادنا ولهذا سماه المغاربة بسلطان النصارى.

الاستعمار هو الذي تمكن من سحق القبائل المتمردة واخضاعها وتحطيم بناها التضامنية العريقة.

وحده عبد الكريم الخطابي، هذا القائد العبقري، تمكن من اعادة توحيد قبائل الريف وهزم المستعمر الاسباني وتأسيس جمهورية الريف.

أما الحركة الوطنية فبدل تعميق المسلسل التحرري الكفاحي للشعب المغربي واستثمار موازين القوى التي كانت في صالحها، فقد سلكت مسلك المساومة وفوتت للاسف فرصة تاريخية للتغيير بقبولها باتفاقيتي اكس ليبان ولسيل سان كلو المذلة.

مرة اخرى كان عبد الكريم الخطابي حازما واثبتت الايام والسنين صحة موقفه. وقد أصدر بيانا نقتبس منه ما يلي:
“وقد اقتدت جماعة الرباط بجماعة تونس المستسلمة فأبرزت اتفاقية إكس ليبان إلى حيز العمل والتنفيذ، وأخذت تناور وتدلس وتغري الشعب المغربي بالكلام المعسول. وهي سائرة في نفس طريق اتفاقية تونس وستطالب المناضلين بإلقاء السلاح، بعدما طلبت منهم الهدوء بحجة أن المفاوضة لا تكون إلا في الهدوء، والهدوء لا يكون إلا بإلقاء السلاح حين يتفرغ الأعداء للقضاء على الجزائر. فحذار من السقوط في الفخ المنصوب، وإننا على يقين من أن الشعب المغربي سوف يستمر في الكفاح والنضال إلى أن يخرج من بلاد المغرب بل من شمال إفريقيا كلها آخر جندي فرنسي يحمل السلاح من جماعة المستعمرين.”

أما المخزن فقد استغل الفترة لتوطيد دعائمه واعادة هيكلة الكتلة الطبقية السائدة واعادة بناء الدولة والجيش والامن وتفكيك جيش التحرير والمقاومة المسلحة وتحييد الامش وعرقلة حكومة عبد الله ابراهيم التي تمت اقالتها بطريقة تثير الشفقة.

حينها ادرك المهدي بنبركة الاخطاء القاتلة. وكتب في “الاختيار الثوري” يقول:
“ويظهر لي أننا في الماضي قد انزلقنا نحو ثلاثة أخطاء رئيسية سوف تكون قاتلة لا محالة، ان لم نتداركها في الظروف الراهنة.
الخطأ الأول: يرجع إلى سوء تقديرنا لأنصاف الحلول التي كنا مضطرين للأخذ بها.

الخطأ الثاني: يتعلق بالإطار المغلق الذي مرت فيه بعض معاركنا، بمعزل من مشاركة الجماهير الشعبية.

الخطأ الثالث: نشأ عن عدم الوضوح في مواقفنا الإيديولوجية وعن عدم تحديدنا لهوية حركتنا.”

ودخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية غمار انتخابات 1963 تحت شعار ” لا اصلاح لهذا النظام الا بزواله”. ولكن هل بالامكان القضاء على النظام بواسطة الانتخابات؟

هل رايتم في العالم ثورة حقيقية قامت بواسطة الانتخابات؟

ما يحدث في امريكا اللاتينية مثلا هو وصول اليسار التقدمي عبر الانتخابات لقيادة الحكومات وليس تغييرا جدريا للانظمة السياسية والاقتصادية- الاجتماعية القائمة. وخلال وجوده في السلطة يقوم باصلاحات طفيفة على العموم من قبيل توزيع الريع والاعتناء نسبيا بالمرفق العمومي وبعض التاميمات متفاوتة من تجربة الى اخرى. ولكن سرعان ما تنقلب عليه اجزاء من قاعدته الانتخابية من القوى الوسطى بل وحتى بعض الفئات الكادحة ويخسر الانتخابات الموالية ليصعد اليمين وهكذا. اما حركة سيريزا في اليونان فقد استسلمت كليا للترويكا (البنك الدولي، البنك المركزي الاوروبي، الاتحاد الاوروبي) بتنفيذ املاءاتها فخسرت هذه الحركة نفسها.

في الحقيقة كان النقد الذاتي للشهيد المهدي بنبركة مجرد صيحة في واد، أو مجرد قوس أغلق بسرعة. وها هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينخرط في المسلسل الديمقراطي في السبعينات، بعدما تم تصفية الاتجاه الثوري، ويطرح تحقيق الديمقراطية بواسطة الديمقراطية اي عبر الانتخابات التي تحولت من مجرد واجهة من واجهات الصراع الى الواجهة الاساسية ان لم تكن الوحيدة. وعانى الاتجاه الجدري داخله معاناة مريرة مع التوجه المتنفذ بقيادة عبد الرحيم بوعبيد.

وفي بداية التسعينات كان النظام في مازق حقيقي، وقد انفضح امر المعتقلات السرية الرهيبة وعلى راسها تازمامارت وخففت الامبريالية من دعمها للانظمة الديكتاتورية ومنها النظام المغربي بقيادة الحسن الثاني بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي ولكن القوى الديمقراطية مرة أخرى اهدرت فرصة تاريخية. فبدل استثمار النهوض الجماهيري العارم وتعبئة الشعب المتعطش للتغيير وقيادته نحو الخلاص من المخزن وتشييد الديمقراطية راحت من جديد تساوم وتمارس سياسة الدهاليز في غياب الجماهير وترسل المذكرات والاشارات السياسية، تلك السياسة التي حذر منها بنبركة.

وفي نهاية التسعينات سقطت اطروحة الاصلاح من الداخل سقوطا مدويا وفقد هذا الحزب (الا.ش.ق.ش) ذراعه الشبيبي والنقابي ومن من حوله من المثقفين وانقسم وانشطر وما تبقى تحت هذا المسمى تمخزن بشكل لا رجعة فيه. وسلك حزب التقدم والاشتراكية الطريق نفسه ولقي نفس المصير.

خوفي كبير على مستقبل اليسار الديمقراطي، فهل يتعض؟

معاد الجحري
2 شتنبر 2021