المحطات الكبرى في تاريخ الاعتقال السياسي والاختفاء القسري بالمغرب منذ 1956

المحطات الكبرى في تاريخ الاعتقال السياسي والاختفاء القسري بالمغرب منذ 1956
الصورة من الأرشيف: عائلات المختطفين مجهولي المصير في وقفة اجتجاجية بساحة الحقيقة بالدار البيضاء

elouassouli_abdelhak المحطات الكبرى في تاريخ الاعتقال السياسي والاختفاء القسري بالمغرب منذ 1956
عبدالحق الوسولي


المحطات الكبرى في تاريخ الاعتقال السياسي والاختفاء القسري بالمغرب منذ 1956

تقديم

قبل التطرق للمحطات الكبرى في تاريخ الاعتقال السياسي والاختفاء القسري بالمغرب منذ 1956 لا بد من الإشارة أن هذه المحطات صاحبتها وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ الاستقلال الشكلي ولا زالت مستمرة إلى الآن، وتنوعت من حيث طبيعتها ودرجة عنفها وآثارها وأبعادها وشملت الاختفاء القسري، الاعتقال التعسفي، الإعدام خارج نطاق القانون، التعذيب الوحشي المفضي إلى عاهة مستديمة او الموت، المنفى الاضطراري او الاختياري هربا من الاضطهاد السياسي، المحاكمات السياسية الجائرة، الحصار ونزع ومصادرة الممتلكات، الاغتصاب الممارس على الضحايا وخاصة النساء كما شملت هاته الانتهاكات الأفراد والجماعات والمناطق بأكملها. لقد اتسمت هاته الانتهاكات بالاستمرارية والشمول وشكلت نمطا ونهجا ثابتا واختيارا سياسيا للدولة المخزنية في مواجهة الحركات السياسية المعارضة والحركات الاحتجاجية الشعبية وما تعامل النظام المستبد مع الحراك الشعبي بالريف وجرادة إلا دليل على استمرارية الماضي في الحاضر. كما شكلت أيضا جوابا رسميا عن المطالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للشعب المغربي في الماضي والحاضر لكي يتسنى للنظام وخدامه نهب خيرات الشعب وكبح طموحاته المشروعة في التحرر الوطني وتقرير مصيره بنفسه.

تحديد المفاهيم

الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان هي الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والانتهاكات الأخرى التي تتوفر فيها عناصر الاختفاء القسري و/أو الاعتقال التعسفي ومنها على الخصوص الوافيات التي حصلت خلال أحداث اجتماعية، وحالات الإعدام خارج نطاق القانون، والحالات التي نفذ فيها حكم بالإعدام بناء على حكم قضائي، مسبوق باعتقال تعسفي و /أو بإجراءات قضايا غير عادلة، حرمت فيها العائلات من مواكبة المحاكمة والتعرف على مصير الضحايا منذ لحظة الاعتقال، إلى حين تنفيذ حكم الإعدام.

الاختفاء القسري هو اختطاف شخص أو أشخاص أو إلقاء القبض عليهم واحتجازهم بأماكن سرية رغما عنهم بسلب حريتهم، بدون وجه حق على أيدي موظفين عموميين أو أفراد أو جماعات تتصرف باسم الدولة.

الاعتقال التعسفي هو كل احتجاز أو اعتقال مخالف للقانون يتعارض ومبادئ حقوق الإنسان الكونية، وخاصة حق الأفراد في الحرية والحياة والسلامة البدنية، وذلك بسبب ممارستهم لأنشطة سياسية أو نقابية أو جمعوية.

المحطات الكبرى في تاريخ الاعتقال السياسي والاختفاء القسري بالمغرب منذ 1956

منذ الاستقلال الشكلي عرف تاريخ الصراع بالمغرب أسلوب الاختطاف بالجملة، الاغتيال السياسي والنفي الاضطراري والكثير من الأحداث السياسية، والهزات الاجتماعية، والحركات الاجتماعية ترتب عنها أحداث دموية عنيفة واعتقالات ومحاكمات سياسية شاملة نذكر منها بعض المحطات الكبرى:

الاختفاءات التي جرت فجر الاستقلال الشكلي: اتخذت هذه الأحداث طابعا عنيفا أدى إلى تصفية فاعلين سياسيين من مختلف المشارب السياسية، وخاصة في صفوف المقاومين وحزب الشورى والاستقلال والمنظمات التابعة له. لقد تم اختطاف الضحايا من طرف أفراد مجهولين وتم الزج بهم في معتقلات سرية كدار بريشة ودار الريسوني ودار اسليشر ومراكز سرية أخرى، ولا زال مصير مجموعة من هؤلاء الضحايا مجهولا إلى الآن حيث لم تعرف الحقيقة حول أماكن دفنهم.

أحداث الريف 1958: في سنة 1958 اندلعت بالريف المغربي، انتفاضة يوم 07 أكتوبر 1958 وانتهت يوم 13 مارس 1959، استمرت ما يقارب 158 يوما، وقد دعا للانتفاضة آنذاك محمد بن الحاج سلام أمزيان، صحبة رفاقه. لم يختلف تعامل المخزن مع الانتفاضات التي اجتاحت ربوع الوطن، فكان القمع “الوحشي” والاعتقالات العنوان البارز في التعامل مع هذا الغضب المستشري. فواجه المسؤولون احتجاجات سكان الريف بالسلاح والحديد. لقد أبان رجال اوفقير وولي العهد آنذاك عن قسوة كبيرة مع الساكنة، اعتقالات عشوائية، تعذيب وقتل، وكمثال: بلدة بني حذيفة أحد معاقل الحراك دمرت عن أخرها وقتل فيها 400 نسمة التي تسكنها، وفي المجموع ألاف من الضحايا، وتبعات نفسية واجتماعية واقتصادية مهمة.

المحاكمة السياسية 1963: من أشهر المحاكمات السياسية التي شهدها المغرب في 16يوليوز 1963 والتي توبع فيها خمسة آلاف مناضلا ينتمون لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في كل من الدار البيضاء والرباط وفاس والعديد من الأقاليم الأخرى، وُجِّهَت لهم تهمة التخطيط للإطاحة بالنظام الملكي القائم. قد استمرت جلسات المحاكمة التي انطلقت في 25 نوفمبر من نفس السنة إلى 13 مارس 1964 لتصدر أحكاما قاسية وصلت إلى الحكم بالإعدام.

محاكمة مراكش الكبرى 1971: فرض حالة الاستثناء (1969-1970)، أدى إلى تعطيل جل المؤسسات، وتكثيف الأجهزة القمعية لاستبدادها وقمعها. لقد صاحبت هذه الفترة عدة اعتقالات تعسفية واختطافات في صفوف مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وزجهم في المعتقل السري دار المقري، وقد أحيلوا على هذا المعتقل في شهر يناير 1970 لتتم محاكمتهم في محاكمة مراكش الكبرى 14 يونيو1971. وقد توبع في هذه المحاكمة 193 مناضلا 11 منهم صدر في حقهم الحكم بالإعدام.

حادثتي 10 يوليوز 1971 و16 غشت 1972: شهدت هذه الأحداث عدة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان نذكر منها الإعدامات خارج نطاق القانون، قتل 111تلميذ ضابط أمام الإذاعة بالرصاص الحي وعدم تسليم الرفات إلى عائلتهم، اختطاف يوم 7 غشت 1973 من السجن المركزي بالقنيطرة 62 ضابط وضابط صف (58 منهم إلى السجن السري تازمامارت و4 إلى النقطة التابة رقم 3) وذلك بعد أن أصدرت في حقهم المحكمة العسكرية بالقنيطرة سنة 1972 أحكاما تتراوح بين سنة سجنا وعقوبة الإعدام.

محاكمة صيف 1973 للماركسيين اللينينيين المغاربة: لقد تعرضت هذه المجموعة إلى الاختطاف والتعذيب سنة 1972 وبلغ عدد المتابعين 81 مناضلا من بينهم 44 مناضلا رهن الاعتقال. كانت “مجموعة 1972” الماركسية اللينينية تتكون أساسا من المستخدمين، والتلاميذ، زيادة على بعض العمال والحرفيين، والطلبة والمثقفين، ومن ضمنهم ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالمغرب، المناضل أبو دقة.

أحداث 3 مارس 1973: بعد هذه الأحداث، قام النظام باختطافات واعتقالات واسعة في صفوف مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سواء شاركوا أو لم يشاركوا في هذه الأحداث وتم الزج بهم في مراكز سرية بعد أن مورس عليهم التعذيب الوحشي. قدمت مجموعة منهم للمحاكمة بالقنيطرة في 25 يونيو 1973. في فاتح نوفمبر تم تنفيذ حكم الإعدام على 14 مناضلا يوم عيد الأضحى ومناضلين في غشت 1974. وقد تعرض مجموعة من المناضلين والمناضلة فضامة أحرفو للاختطاف ولا زال تحديد قبور ورفاة مجموعة منهم مجهولة.

محاكمة اليسار الماركسي اللينيني إلى الأمام و23 مارس الدار البيضاء 1977: بدأت الاعتقالات والاختطافات سنة 1974 وقد تعرض المناضلون في مراكز الاعتقال السرية وخاصة درب مولاي الشريف إلى أبشع أنواع التعذيب، أستشهد على إثرها الشهيد عبد اللطيف زروال والذي لازال قبره مجهولا. لقد تمت محاكمة 178 مناضلا أمام الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، 139 منهم حضوريا، لذلك حملت هذه المجموعة لقب “مجموعة 139″، و39 غيابيا. خلال المحاكمة، من 12 يناير إلى 5 فبراير، أضرب المعتقلون عن الطعام احتجاجا على منعهم من التعبير عن أفكارهم وعلى إلزامهم بالإجابة على الأسئلة المطروحة بنعم أو لا، وكذلك ضد ظروف الاعتقال. في 15 فبراير 1977 أصدرت في حقهم أحكام قاسية تراوحت بين خمس سنوات والمؤبد.

محاكمة الحركة الإسلامية سنة 1984: في ساعة متأخرة من ليلة يوم الثلاثاء 31 يوليوز من سنة 1984 أصدرت محكمة الاستئناف بالحبوس بالدار البيضاء أحكامها القاسية في مجموعة ال 71، بعد تعرضهم للاختطاف والتعذيب والاعتقال التعسفي في مراكز الاحتجاز السرية للنظام.

محاكمة مناضلي إلى الأمام المجموعة 26 سنة 1986: بدأ اختطاف واعتقال المناضلين سنة 1985 وإيداعهم في المعتقل السري درب ملاي الشريف وقد تعرضوا لشتى أنواع التعذيب. في 6 نونبر 1985 تم استشهاد القائد الثوري: التهاني أمين تحت التعذيب بدرب مولاي الشريف. في فبراير 1986 تمت محاكمتهم وصدرت في حقهم أحكام تراوحت بين 3 سنوات و20 سنة.

الانتفاضات الشعبية المجيدة: وقعت عدة انتفاضات شعبية بالمغرب نذكر منها (الدار البيضاء23 مارس 1965-20 يونيو1981) ـ (مراكش ومدن الشمال 1984) ـ (فاس – طنجة 1990) لقد أعطيت التعليمات والاوامر من طرف النظام المخزني على أعلى مستوى بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في الأحياء الشعبية، مما أدى إلى سقوط العديد من القتلى ومئات من الجرحى، وجرت اعتقالات عشوائية واسعة في صفوف التلاميذ والطلبة وعموم المواطنين، ولم يسلم المارة من طلقات الرصاص العشوائي وفي كل الاتجاهات، حيث دفن القتلى في مقابر جماعية سرية و أقيمت محاكمات صورية صدرت فيها أحكاما قاسية.

الحراكات الشعبية: نذكر منها 20 فبراير المجيدة وحراك الريف وجرادة، هذه الحراكات الشعبية التي عبر فيها الشعب المغربي عن مطالبته بالحرية والكرامة والتحرر الوطني والديمقراطية والعيش الكريم وإسقاط الاستبداد. هذه الحراكات السلمية لم تسلم من الاختطافات والاعتقالات التعسفية والمحاكمات الصورية.

النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 539