الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة البيداغوجية والمضمون

الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة البيداغوجية والمضمون
الرفيق عبدالحق الوسولي: أستاذ باحث


الإصلاح البيداغوجي الجامعي
نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة البيداغوجية والمضمون



مقدمة:

في بداية الموسم الجامعي الحالي (2023-2024) تم إنزال الهندسة البيداغوجية الجديدة في الجامعات المغربية والتي تقوم على أربع دعائم أساسية حسب ادعاء وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار وهي: تكريس التميز الأكاديمي والعلمي، الإدماج الترابي والتنمية الشاملة، الإدماج الاقتصادي والتنافسية، والإدماج الاجتماعي والاستدامة. كما يأتي الإصلاح المزعوم حسب الوزارة الوصية كمحاولة جديدة لإخراج الجامعة من أزمتها، سواء في الشق المتعلق بعدم مواءمة التكوينات مع متطلبات سوق الشغل، أو في الجانب المتعلق بالرسوب، حيث يتوقف 49 في المئة من طلبة سلك الإجازة عن الدراسة دون الحصول على أي شهادة. فالسؤال المطروح وبإلحاح هل هذا الإصلاح المزعوم سيخرج الجامعة من أزمتها البنيوية أو بالعكس سيعمقها؟ قبل الخوض في محاولة الجواب على هذا التساؤل الجوهري فلا بد من تقديم نظرة عامة موجزة تعريفية وتشخيصية للهندسة البيداغوجية الجديدة في التعليم الجامعي كما قدمتها الوزارة الوصية.

1- نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة البيداغوجية

من بين أبرز ما تضمنته الهندسة البيداغوجية الجديدة، الإبقاء على نظام الإجازة – الماستر – الدكتوراه (LMD)، وعلى مدد كل سلك، أي 3 سنوات لشهادة الإجازة، سنتين للماستر وثلاث سنوات للدكتوراه. كما تتضمن الهندسة البيداغوجية الجديدة مقتضيات تنظيمية تهم تنويع أنماط التدريس باعتماد التعلم عن بعد في بعض الوحدات، والتعلم بالتناوب، إلى جانب التعلم الحضوري، كون وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أكد أن الوزارة انكبت على تطوير مضامين بيداغوجية رقمية تهم الوحدات المعرفية في مختلف الحقول، وإعداد منصات رقمية للتعليم عن بعد تشمل المواد الرقمية، ووحدات الكفايات الحياتية والذاتية، والمهارات اللغوية والثقافية، كما سيتم اعتماد ملحق للدبلوم كوثيقة مصاحبة للشهادة الجامعية توضح مسار تكوين كل طالب ومختلف الأنشطة والتدريب والشهادات الموازية لتكوينه الجامعي، بما فيها الأنشطة البيداغوجية، والعلمية، والثقافية، والفنية، والرياضية، وباقي الأنشطة الموازية.

وحسب الوزارة الوصية فإن هذا الإصلاح المزعوم قد يشمل:

تجديد الوحدات والتكوينات: تتميز الهندسة البيداغوجية الجدية حسب الوزارة الوصية بعرض تكويني متنوع يشمل أزيد من 1000 مسار للتكوين، وهي مسارات مرتبطة بتحديات التنمية السوسيو – اقتصادية للبلاد، أغلبها تم إعدادها في إطار تنسيق وثيق مع الشركاء السوسيو اقتصاديين والهدف منها مواكبة ما سمي بالأوراش الكبرى للمغرب. كما أنه سيتم توفير تكوينات للطلبة في سلك الإجازة من أجل تعزيز مهاراتهم اللغوية والرقمية والذاتية والحياتية، إذ سيصبح الحصول على شهادة الإجازة رهينا بالإشهاد في المستوى B1 باللغة الإنجليزية، والمستوى B2 في اللغة الفرنسية أو في لغة التدريس، بالإضافة إلى إشهاد في المهارات الرقمية. أما بخصوص سلك الماستر، يُشترط نيل الطالب للدبلوم ببلوغ المستوى C1 في اللغة الإنجليزية، و2C في لغة التدريس، وأن يحصل على إشهاد في المهارات الرقمية من بينها التسويق عبر الأنترنت والأمن السيبراني. أما في سلك الدكتوراه، فمن بين بنود إصلاحه إدراج تكوينات إجبارية لاكتساب المهارات اللازمة، إضافة إلى ضرورة التكوينات الإشهادية في اللغات DALF وTOFEL.

تعزيز تنمية المهارات المزدوجة: حسب ادعاء الوزارة سيشهد الموسم الجامعي 2023-2024 مباشرة تعزيز المهارات الرقمية لدى الطلبة، إذ سيتم تعميم وحدات الرقمنة والذكاء الاصطناعي، وكذا إدراج وحدات تكوينية في المهارات المعرفية، لاسيما عبر منصات رقمية ودروس مصورة، قصد تعزيز الكفاءات الأفقية والمهارات الذاتية.

إحداث وحدة جديدة سميت بالوحدة الممهننة، وتهدف إلى تمكين الطلبة من الانفتاح على نشاط اقتصادي معين، مثل التأمين، واللوجستيك، والخدمات المصرفية…، والرفع من فرص الإدماج المهني، وتكوين كفاءات أكثر ملاءمة لمتطلبات سوق الشغل. ولهذا الغرض، سيتم إحداث منصة رقمية لتقوية قدرات طلبة سلك الإجازة، تهدف إلى تقديم الدعم البيداغوجي لهم من خلال دروس مصممة في التخصصات، ودروس إشهادية في مجال تقوية المهارات عبر الأنترنت.

2- هل الهندسة البيداغوجية الجديدة ستخرج التعليم العالي من أزمته البنيوية أو ستعمقها؟

إن ما سمي بالهندسة البيداغوجية لم تختلف في الجوهر عن نظام LMD كونها لم ترق إلى الإجابة عن الأسباب الجوهرية التي أوصلت المنظومة إلى هذا المستوى المتدني جدا. وكما لا يخفى على أحد أن أزمة التعليم ببلادنا أزمة مزمنة منذ نهاية السبعينات سببها تعاقب سياسات تعليمية مرتجلة تفتقر إلى الاستمرارية وبعد الرؤيا ولا تضع في مركز اهتمامها الفعلي العنصر البشري، كما لا تولي الاهتمام اللازم لصيانة وتحديث الفضاء الجامعي، من بنيات تحتية وتجهيزات وتحسين ظروف إنجاز العملية التعليمية والتأطير والبحث العلمي، باعتباره محور هذه العملية في التعليم العالي.

كما هو معلوم طبق مع بداية السنة الجامعية 2003ـ2004 نظام جديد للدراسة والمواد والشعب، والذي جاء بإعادة الهيكلة البيداغوجية للدراسة في إطار مسالك ووحدات ومجزوءات، وتغيير برامج الدراسة في فصول، وتغيير نظام الامتحانات، والشواهد بما اصطلح عليه نظام LMD، ولا بد من الإشارة هنا أن ما سمي بالهندسة البيداغوجية لم يخرج عن هذا الإطار.

إلا أن النظام الجديد القديم، تصاحبه العديد من المشاكل نذكر منها:

– عدم تحديد وظيفة الجامعة وفهم الهدف العام من التعليم الجامعي والبحث العلمي، والذي سيضعنا بالضرورة أمام إشكال عويص، وهو استحالة الإجابة على السؤال الإشكالي: أي مدرسة، أي جامعة نريد؟ وبالتالي أي مواطن أي إنسان أي مجتمع نريد؟

– انعدام الرابط بين الإصلاح البيداغوجي وخيارات استراتيجية كبرى واضحة تستجيب لطموح الشعب المغربي في التقدم والتحرر والعيش الكريم وتوفر حلولا للمشاكل الحقيقية التي تعاني منها الجامعة المغربية والشعب المغربي،

– التركيز على المراقبة واختزال العلاقة بين الطالب والأستاذ في التنقيط وتهميش عنصر التأطير والاحتضان،

– محدودية الإمكانات البشرية والمادية المعتمدة وضعف نسبة التأطير،

– الإجهاز على مكتسبات هامة، منها مجانية التعليم واعتماد التكوينات المؤدى عنها، والخضوع لمنطق “تكلفة التعليم” وتشجيع التعليم الخصوصي وعدم الاهتمام بالعنصر البشري من أساتذة باحثين وطلبة،

– التسرع الذي طبع وضع وإعادة صياغة المضامين الجديدة الملقنة للطلبة، والذي أدى إلى تجديدها شكلا وانعدام انسجامها مضمونا، وعدم انفتاحها على آفاق واضحة، وغياب استجابتها لمواصفات تخرج مضبوطة مرتبطة بحاجيات معينة وأهداف استراتيجية محددة،

– ازدواجية الأنظمة داخل نفس المؤسسة وخلق مؤسسات داخل المؤسسة،

– المشاكل التي يطرحها نظام الأسد وسيات: التسجيل في الوحدات، وشروط الانتقال من أسدس إلى آخر، وبرمجة الوحدات مرة واحدة في السنة… تفرغ النظام الجديد القديم من محتواه.

إن كل هذه الإصلاحات البيداغوجية لم تكرس سوى مزيدا من التدهور وفقدان الثقة في نظام تعليمنا العالي العمومي، فعلى مستوى الأهداف والمحتوى وعلى مستوى الوسائل، لم يتحقق ما كان متوقعا، وبذلك يكون ساهم في تعميق أزمة الجامعة المغربية وعلاقاتها بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وبشكل أدق لعبت دورا مركزيا في ضرب نوعية التعليم العالي وجودته والتضييق على امتداداته وتخريبه عن وعي.

إن المهام الأساسية الكبرى المطروحة اليوم هي إيقاف مسار هذا الإصلاح واعتماد إصلاح جذري حقيقي وعقلاني يتبنى منظورا شموليا تساهم فيه كل مكونات الجامعة المغربية ويضع المقتضيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجغرافية والتحديات الممكنة والمحتملة ضمن أولويات النهوض بالتعليم العالي والبحث العلمي وتطويرهما.