إنهم كالضباع ينهشون لحم الطبقة العاملة
إنهم كالضباع ينهشون لحم الطبقة العاملة
لا بد للمتتبع الفطن والمراقب النزيه، أن يلاحظ باندهاش وحنق، ما تعيشه الطبقة العاملة المغربية منذ انتشار كوفيد 19 من تفاقم لأوضاعها الاجتماعية، وما تتعرض له من مآسي مخطط لها بسبق إصرار وترصد. لقد قررت البرجوازية الرأسمالية وكبار ملاك الأراضي ببلادنا، التخلص من قناع كانت تستعمله في الماضي القريب للظهور كمن يتوخى العلاقة الإنسانية والتعامل الأبوي مع العمال والعاملات في جميع وحدات الإنتاج. فلما كانت هذه البرجوازية الافتراسية تهرب إلى المخابئ والمنتجعات المعقمة ضد فيروس كورونا، كانت تدفع بالعمال والعاملات إلى العمل وركوب كل المخاطر. نتج عن ذلك فقدان الطبقة العاملة المئات بل الآلاف من أفرادها بسبب الجائحة. لقد توقفت العديد من المؤسسات، لكن ماكينة الاقتصاد استمرت تشتغل، وحققت الشركات والمؤسسات الكبيرة الاحتكارية أرباحا لم تحققها منذ تأسيسها.
استغلت البرجوازية الكبيرة وملاكي الأراضي الكبار، الجائحة فألزموا الدولة على إمدادهم بكل ما يطلبونه من دعم مالي ومن إجراءات قانونية تجبر العمال على الإذعان والمزيد من الرضوخ لأوامر الباطرونا والانضباط للقوانين الأكثر رجعية. هكذا تم إطلاق يد الباطرونا في استعمال وتعميم الهشاشة وسط العمال، وفرض العمل بالعقدة التي لا تتجاوز مدتها 6 اشهر. أطلقت يد الباطرونات في تجريم الانتماء النقابي وتأسيس المكاتب النقابية. كما ساهمت الدولة وأجهزتها القمعية من عمالات وباشويات ومحاكم ومفتشيات الشغل، بالدوس على كل بنود مدونة الشغل المطبقة. إن الطبقة العاملة تعيش تحت حالة الاستثناء بدون أن تعلنها الدولة نهارا وجهارا. لقد تم إلغاء القوانين تمهيدا لسن قانون الاستثمار الذي يشرعن للاستغلال العبودي. إنهم يمهدون لتأسيس سوق نخاسة تباع فيه العاملات والعمال كعبيد القرن 21.
تعتبر الطبقة العاملة المغربية اكبر خاسر إذا قارناها مع جميع الطبقات الاجتماعية المغربية. لقد فقدت آلاف الأرواح نتيجة سياسة الأرباح قبل الأرواح الإجرامية التي طبقت عليها في جائحة كورونا. هي الطبقة التي تعرضت للطرد من الشغل وللسجن والتنكيل لما تناضل ضد هذا الظلم، هي الطبقة التي تعرضت إلى الطرد ورمي بآلاف من أعضائها إلى قارعة الشارع، وتشردت عائلاتها وكانت عرضة لكل أمراض المجتمع. هي أيضا الطبقة التي تعرضت للتجويع وللأمراض الفتاكة لما رمي بأفرادها للبطالة.
لقد كشفت الباطرونا عن وجهها القبيح، وانقضت على العمال والعاملات، مثل ما تفعل الضباع لما تجد في طريقها طريدة مريضة أو واهنة. لكن للتاريخ كلمته، وهذا ما تعلمته الطبقة العاملة في المغرب وفي جميع أصقاع الدنيا؛ وهو أنها طبقة تضعف لكنها لا تستسلم. تتعرض للامتحان، لكنها بفضل لحمتها الطبقية سرعان ما تسترجع وحدتها سر قوتها. ليس ببعيد ذلك اليوم، لأنه لا يمكن تصور مجتمع بدون هذه الطبقة المنتجة للخيرات ولكل الثروات. من بين أيديها تنبعث الحياة بما فيها حياتها هي كطبقة طليعة مجتمعها.