الحزب المستقل للطبقة العاملة كهيأة أركان خوض الصراع الطبقي

الحزب المستقل للطبقة العاملة كهيأة أركان خوض الصراع الطبقي

FB_IMG_1679426133529-500x500 الحزب المستقل للطبقة العاملة كهيأة أركان خوض الصراع الطبقي

التيتي الحبيب

الحزب المستقل للطبقة العاملة كهيأة أركان خوض الصراع الطبقي*

في مجتمع كمجتمعنا حيث ينقسم الى طبقات اجتماعية محددة وواضحة المعالم تفصل بينها خطوط بل أسوار من التمايزات، فتتجمع في هذا الطرف طبقات شعبية كادحة أو ميسورة الحال نسبيا، وفي الطرف الآخر طبقات فاحشة الثراء تمتلك جل الثروة التي تنتجها طبقات الطرف الأول. ففي هذا المجتمع يعبر الكادحون من عاملات وعمال وفلاحين فقراء وباقي كادحي المدن والبوادي على مطامحهم في العيش الكريم، تلك المطامح التي تكبر وتنمو وتتسع. فتتحول إلى مطالب وحقوق موجهة إلى طبقات الطرف الثاني، إلى من تراه مسؤولا عن تلبيتها أو من واجبه حمايتها ورعايتها. بفعل الإصرار والتشبث بتلك المطالب تتحول إلى حقوق مشروعة. تصير هذه المطالب قوية وأكثر إلحاحا عندما تصطدم بالحواجز للكبح والمنع. آنذاك تتجمع هذه المطالب ويشعر الكادحون بأنها مطلبهم أجمعين، ويحسون بأنها ليست فقط مطالب فئوية أو خاصة بهذه العينة أو تلك، يشعرون أيضا بأن المسؤول عن عدم تلبيتها ينتمي إلى جهات متشابهة في الملامح والمصالح؛ وان تلك الجهات هي من تظلم وتمنع تلبيتها. يبدأ التعبير عن هذه المطالب عبر أشكال مختلفة ومتنوعة مشتتة عفوية ومتفرقة في الزمان لا يكاد يربط بينها رابط. تبدأ بأبسط الوسائل من التوسل والتمسح إلى التمرد والعصيان.

أمام هذه الحركة المطالبة بالحقوق تنتصب وتقف الطبقات المستغلة المحتكرة للثروة والسلطة وهي موحدة الإرادة والصف لأنها تدرك بان أي تسامح مع هذه الحركة ومهما كان حجمها أو قوتها، فإنها ستكبر وتتحول إلى كرة ثلج أو إلى سيل هادر. لذلك توظف الكتلة الطبقية السائدة كل أجهزتها وأدواتها السياسية والايدويوجية والقانونية والامنية والعسكرية.

+ في الواجهة السياسية تشتغل الكتلة الطبقية السائدة عبر جهاز الدولة وهو الجهاز السياسي الساهر على خدمة مصالح هذه الكتلة الطبقية، وهو الضامن لاستمرار هيمنتها على باقي مكونات الشعب. تسهر الدولة على ترسيخ فكرة أساسية وهي أن مصالح الشعب هي مصالح موحدة واحدة وهناك من يعبر عنها ويخدمها وهو وحده له شرعية القول والفصل فيها. تعمل الدولة على إقناع الجميع بأنهم هم من يحكم وهم من يقرر عبر آلية التناوب والتداول الديمقراطي والتي تنتخب أجهزة الدولة عبر انتخابات عامة، تتحقق فيها المساواة بين صوت المرأة والرجل. هكذا تنمحي فكرة انقسام المجتمع إلى طبقات وتعوضها مساواة الطبقات عبر تواجدها السياسي المتساوي في البرلمان والأجهزة المنتخبة ديمقراطيا.

تلجئ الدولة أيضا إلى حيلة تقسيم صفوف الطبقات الشعبية عبر طريقتين باتت مجربتين بالمغرب، حققتا نتائج سنقف عندها في ما يلي من التحليل والطريقتين هما:

1- جعل الاشتغال في المجال السياسي عملا له غاية تنمية مصالح المنخرطين فيه. هكذا يصبح العمل السياسي من اجل المشاركة في مختلف المجالس المنتخبة مباشرة أو غير مباشرة وسائل تنمية المصالح المادية، ووسيلة الصعود الاجتماعي والتسلق الطبقي. وبضمانها خدمة هذه المصالح، تستطيع الدولة أن تخترق الأحزاب السياسية والاستقطاب منها إلى أجهزتها وتحويل المناضلين إلى أعيان، مصالحهم مرتبطة مع مصالح الدولة، و يتحولون إلى عسكر سياسي احتياطي للدولة.

2- تعمل الدولة إلى التغلغل في التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية بهدف خلق شرخ وسطها لشلها أو حتى جعلها أدوات كبح وفرملة الحركات الاحتجاجية.

+ في الواجهة الأيديولوجية، تشتغل الدولة على توجيه الوعي إلى الوجهة التي تخدمها وخلق المواطن الخانع والمتنازل طواعية عن حقوقه، أو المخدر الذي لا يستطيع أن يفكر في وضعه ومصيره بشكل مستقل عن إرادة الدولة. ومن اجل بلوغها هذه النتيجة تسعى الدولة إلى إبقاء الإنسان في وضعية الجهل والأمية وذلك بمنع تعميم التعليم وبإغراق مناهجه ومحتواه بكمية هائلة من الفكر المتخلف وحرمان المتعلمين من اكتساب مهارات التفكير الحر والنقدي. يضاف إلى هذه الوسائل إشاعة وإطلاق اليد إلى تسليع التعليم وتسخير كل الترسانة الأيديولوجية من زوايا و مدارس عتيقة وإعلام عمومي ومراكز ثقافية وفتح الباب على مصراعيه للفكر الرجعي العابر للقارات وغيره.

+ في الواجهة القانونية تشتغل الدولة أيضا عبر ترسانة من الأجهزة القضائية والإدارية والمعتقلات والسجون لكي تقتل في المهد أية روح للاحتجاج والمقاومة.

+ في الواجهة الأمنية والعسكرية تسخر الدولة جنودها الأمنيين والعسكريين من اجل ترهيب المحتجين والتنكيل بهم، بل إطلاق الرصاص الحي عليهم وتحويل الشوارع إلى ساحات الحرب مع ما ينجم عن ذلك من القتلى والمعطوبين.

هكذا إذا تنتصب جبهتان متقابلتان: جبهة حركة جماهيرية تقوم بحركات احتجاجية بمستويات متدنية أو مستويات قوية وحتى عنيفة، وجبهة الكتلة الطبقية السائدة التي تشتغل عبر دولتها المنظمة على كافة المستويات. إننا إذا أمام حرب طبقية صريحة وملموسة، وحدهم الرومانسيون أو الكذابون الدجالون هم من ينكر ذلك.

أما مناضلو الحركة الجماهيرية المستقلون عن الدولة ولا تربطهم مصلحة بها؛ فإنهم يعتبرونها حقا حربا طبقية وهم يتعاملون معها كذلك. فما هي مهامهم إذا؟

انها حرب تجري عبر مجموعة معارك.

من شأن النظر الى الصراع الطبقي كحرب تجري عبر معارك متعددة إن يساعد المناضلين على التسلح بطول النفس لأنها حرب قد تطول، كما سيساعدهم على الإدراك بان الانتصار قد يتخلله الهزيمة في معركة أو مجموعة معارك. من شان هذا أيضا أن يفرض على المناضلين أن يتعلموا كيفية خوض المعارك عبر رسم الخطط والتي بدون معرفة دقيقة ولمية لموضوع المعركة ومجالها وطبيعة القوى المتصارعة والوسائل المتاحة للطرفين، فبدون هذه المعرفة لن تنجح الخطط ولن يتحقق النصر في المعركة. أما إذا فشلت المعركة، فعلى المناضلين أن يجروا تقييمها للوقوف على الأخطاء كبيرة والصغيرة ويستخلصوا الدروس ويتخذوا الإجراءات العملية لتصحيحها، كما عليهم معالجة نتائجها ومخلفاتها المباشرة والغير مباشرة. يتم ذلك عبر النقد والنقد الذاتي وعبر ربط المسؤولية بالمحاسبة. أما إذا نجحت المعركة فعليهم الاهتمام أولا بجعل الانتصار مكسبا واتخاذ الاحتياطات وكل الاحترازات حتى لا يسرق الانتصار أو يتم إفراغه من محتواه، كما عليهم التخطيط لجعل الانتصار لبنة يتم البناء عليها لما بعدها من المعارك.

وتتشكل هذه المعارك من مختلف الحركات الاحتجاجية التي تنخرط فيها الجماهير سواء بتلقائية وعفوية أو من خلال تخطيط مسبق من طرف أحزاب أو نقابات أو جمعيات أو تنظيمات مستقلة للجماهير الكادحة. إنها حركات احتجاجية غالبا ما يكون وراءها مطلب اقتصادي أو اجتماعي مباشر وجزئي أو وراءها احتجاج على سلب أو تهديد بالتراجع على حق أو مكسب. كما يمكنها إن تكون حركة احتجاجية ذات طابع سياسي تقوده قوى سياسية تحاول من وراءه الضغط أو تحسين شروط تفاوضها مع الدولة وأجهزتها بغرض الحصول على بعض المكتسبات أو إدخال إصلاحات معينة في احد مجالات الحياة السياسية بالبلاد. إنها إذا حركة احتجاجية متنوعة ومتعددة الأطراف المتدخلة في سيرها، تكاد تشبه جوق فوضوي، كل واحد من أفراده يعزف كما يحلو له، وبدون اتجاه آو هدف.

انها حرب لكن قواها من نوع خاص.

هذه الحرب الطبقية تجري بفضل مشاركة الطبقات الاجتماعية التي لها مطامح ومطالب لا يمكن تحقيقها إلا في إطار تحقيق مجتمع جديد. وهذه الطبقات المنخرطة في الصراع والنضال تقوم بذلك من موقعها في عملية إنتاج الثروة والخيرات بالبلاد ومن موقعها من ملكية وسائل الإنتاج. وكلما كانت الطبقات مساهمة مباشرة في الإنتاج، كلما كانت عرضة إلى الاستغلال المكثف لجهدها وكدحها، كلما كانت هي الطبقة المعنية بالصراع وبنتائجه. ولذلك تحتل الطبقة العاملة الموقع الأساسي في هذا الصراع لأنها تعتبر محركه وقاطرته وهي في هذا الصراع تجد الحلفاء وهم كثر؛ منهم من هو حليف استراتيجي موثوق فيه، ومنهم من هو حليف مؤقت إلى هذا الحد أو ذاك، ومنهم من هو حليف غير موثوق فيه أو هو على شاكلة قاطع طريق تفرض الظروف وموازين القوى إجراء مساومات معه قصد تحييده أو عزله مؤقتا حتى تتفرغ المعركة إلى حسم الصراع مع الطرف الأخطر. لذلك فان هذه الطبقات يمكنها أن تدخل إلى المعركة مشتتة أو منفردة أو يمكنها أن تدخلها على شكل تحالفات أو تجميعات لبضعها أو كلها. ونظرا لهذه الخاصية فإن تلك المعارك تكون أحيانا غير مفهومة أو غير مستساغة من طبقة أو فئة اجتماعية حليفة أو يمكن حتى أن تنظر إليها نظرة شك وريبة قد تتحول إلى تناقض عندما تنفخ فيه أدوات الدولة راعية مصالح الكتلة الطبقية السائدة. وهذا الأمر يشكل خطرا محدقا، يهدد بتنامي التناقضات بين الشعب إلى تناقضات رئيسية، وتغطي على التناقض الأساسي مع الكتلة الطبقية السائدة. فمن اجل توحيد الحركة الاحتجاجية ورفع اللبس عن المطالب وجعلها مفهومة ومقبولة من طرف كل الطبقات التي لها مصلحة في التغيير الجذري ومن اجل حل التناقضات الناشبة واعتبارها تناقضات ثانوية. اثبتت التجربة الخاصة بالمغرب وكذلك تجارب شعوب أخرى انه كلما قامت الطبقة العاملة بحركة احتجاجية أو قدمت لائحة مطلبية سواء عبر النقابات أو عبر وسائل أخرى تخلقها، كلما حظيت بالمساندة والدعم من طرف جميع الكادحين لأنهم يعتبرون حركتها مشروعة وهي صاحبة الحق وهي من يتعرض أكثر من غيره إلى الغبن والاضطهاد والقمع. يتعلم الكادحون من نضالات العمال ما معنى أن تستغل طبقة اجتماعية طبقة اجتماعية أخرى، يتعلمون أيضا بالتجربة والمعاينة لما يرون تدخل الشرطة والجيش والبوليس والمحاكم في قمع العمال بأن الدولة هي دولة تلك الطبقة التي تستغل العمال، وأنها ليست محايدة فوق الجميع كما تكذب عبر الإذاعة والتلفزيون. وبتجربتهم العينية والملموسة يعتبر الكادحون أن الطبقة العاملة تحتل مكانة رفيعة في معاركهم وهم يقبلون بالاعتراف لها بهذا الموقع المتميز.

لكي تنجح المعارك ويتم الانتصار النهائي في الحرب لا بد من هيأة أركان لقيادة المعارك.

لكي تحقق الطبقات الشعبية انتصارها في هذه الحرب الطبقية لا بد لها من قيادة ذات مواصفات دقيقة وواضحة.لقد جربت شعوب أخرى أصنافا من القيادات استطاعت حرز الانتصار، لكنها سرعان ما سرقت نتائجه، وقادت الشعب إلى حيت أرادت، وأجهضت التجربة وزجت بالمجتمع برمته في الانتكاسة والردة. من خلال الاستئناس بتجارب الشعوب المنتصرة أو المنهزمة، لابد أن تكون لنا رؤية واضحة لطبيعة القيادة التي تحتاجها الحركة الجماهيرية ببلادنا.ولعل انكبابنا على دراسة تجربة الثورة البلشفية المجيدة وكذلك تجارب ناجحة أخرى ستكون مفيدة و ملهمة لنا.

يقع على عاتق هذه القيادة مهمة “ادخال” الوعي الثوري إلى صفوف العمال والكادحين بمعنى تلقيح الوعي الحسي عبر النضال والكفاح لهذه الطبقات وجعلهم يدركون حقيقة وجودهم كطبقات ودورهم في الصراع الطبقي، كما يرفع من وعيهم الحسي تجاه أعدائهم، فيدركون طبيعة الصراع التناحرية، والتي لا تحل إلا بانتهاء الاستغلال والاستبداد، وتحول ملكية وسائل الإنتاج إلى المنتجين الحقيقيين. ثم على القيادة أن تعمل على تحويل وعي العمال إلى وعي علمي يصبح هو المعبر الحقيقي على طموحات الكادحين وكل الطبقات الاجتماعية التي تسعى إلى التغيير ويصبح فكرا منتشرا مقبولا عن طواعية تسانده وتدعمه مختلف تلك الفئات. إن تحقق ذلك معناه الوصول إلى لحظة الهيمنة الفكرية للطبقة العاملة وتمهيد الطريق لتصبح طليعة التغيير طليعة متوجة شعبيا ولها الحظ الكبير في إنجاح المعركة الحاسمة. وعلى هذه القيادة تقع مهمة حشد الحلفاء مهما كانت استعداداتهم للنضال المختلف الأشكال، وتربية الجماهير المنخرطة في تلك الأشكال النضالية على قيم الكفاح والصمود واستخلاص الدروس من الفشل ومن النجاح.على القيادة أيضا أن تكون مدركة لمزاج الجماهير وقادرة على رصد وضبط الاستعدادات الفعلية وبالتالي اقتراح الشعار المناسب للقوى الفعلية والاستعدادات المناسبة. على القيادة أيضا أن تكون قادرة على رصد وتحليل التناقضات في جبهة الخصوم والأعداء، والفعل فيها عبر عزل العدو الأكثر شراسة وتحييد الأعداء الأقل شراسة في المعركة الجارية. على القيادة أن تؤمن حقا بان الجماهير هي صانعة الانتصار وعليها أن تجعل هذه الجماهير هي من يحقق النصر وهي من يحميه، وهي من يحاسب على الفشل أو يكمل مهام المعارك المنتصرة.

على هذه القيادة أن تشتغل على بناء أدوات التغيير الثوري، والتي بدونها لن تقاد المعارك ومن جملتها أن تصبح الطبقة العاملة طبقة قائدة، وذلك بامتلاكها لحزبها المستقل المعبر السياسي عن مصالحها.على القيادة أيضا أن تنتزع الأدوات المستقلة للجماهير من هيمنة الرجعية وأذيالها، ومنها النقابات المناضلة والجمعيات المختلفة، وان تساعد على بناء التنظيمات المستقلة التي تحتاجها الحركات الجماهيرة الناهضة وفي مختلف الميادين، ومن خلال هذه التنظيمات تتعلم الجماهير تسيير شؤونها وقيادة معاركها وتنظيم مراقبتها تجاه الدولة والكتلة الطبقية السائدة. إنها الانوية الأولى للسلطة البديلة سلطة الشعب والجماهير المناضلة. كما يجب على القيادة أن تبني مختلف الجبهات لكي توحد نضال الطبقات والفئات الاجتماعية وصولا إلى بنا الجبهة الوطنية التي هي التعبير السياسي للطبقات المنخرطة في التغيير الجذري والتي يكون من مهامها صياغة البرنامج العام وحشد وسائل انجازه.

إن قيادة من هذا النوع هي قيادة بنت تربتها، متشبعة بقانون الصراع الطبقي ببلادنا، مدركة جيدا للتفاصيل وللاتجاه العام لتاريخ بلادنا. إنها قيادة تبنى بالمجهود الدائم والصبور للمناضلين الماركسيين اللينينيين الذين يدركون جسامة المهام ويدركون كم من التضحيات التي قدمها هذا الشعب وكم يجب بدله من التضحيات وما يجب عليهم تعلمه من تاريخنا الحديث والقديم. إنها قيادة حازمة سيساهم فيها الماركسيون اللينينيون المستعدون للمزيد من العطاء للمزيد من التعلم وسط الشعب للانخراط الميداني وسط العمال والكادحين المستعدين لخوض الصراع الرفاقي مع جميع رفاقهم من اجل بناء الخط السياسي والايديولوجي للتغيير المنشود والذي أصبح على جدول الأعمال. إنها قيادة، يجب أن يستحقها وان يتبوأها المكافحون حقا المؤمنون بخط الجماهير، وهي ليست معطى أو ادعاء يمكن لكل متحذلق التباهي به.

مرفقات.

الاقتباس الأول من عند لينين… أصول المعرفة وأصول الفكر المستقل. ولكن إذا ما فكر احد في التملص من مسائل المعرفة العليا بالتذرع بالألفباء، واذا ما أخذ احد يعارض نتائج هذه المعرفة العليا (التي هي في مثال حلقة من الأفراد اقل مراسا من حلقة الأفراد الذين تعلموا الألفباء)، نتائجها «الضيقة»، المشكوك فيها، غير الثابتة، – بنتائج المدرسة الابتدائية، بنتائجها الثابتة والعميقة والواسعة والوطيدة، فانه يبرهن على قصر نظر لا يصدق؛ بل انه يمكنه حتى أن يسهم في تشويه كل مغزى المدرسة العليا تشويها تاماً، لأن تجاهل مسائل المعرفة العليا ليس من شأنه إلا أن يسهل للمشعوذين والديماغوجيين والرجعيين تضليل الذين تعلموا الألفباء فقط. أو ايضاً، لنقارن الحزب والجيش. لا يجوز، لا في زمن السلم ولا في زمن الحرب، نسیان تعلیم المجندين الجدد، نسیان علم الرماية، نسیان نشر ألفباء العلم الحربي بين الجماهير سِعةً وعمقأ. ولكن اذا عمد قادة المناورات او المعارك الفعلية…

كتب في حزيران. يونيو ١٩٠٥ المجلد ١٠ ، ص ٣٥٥-٣٥٨

الاقتباس الثاني من عند هنري لوفيفر – فكر لينين.

وكما أتيح لنا أن نرى في الصفحات السابقة، فإن لينين يستخدم المجاز اللفظي العسكري كثيرا. فالبروليتاريا هي جيش، أو ستصبح جيشاً، والحزب الماركسي (البلشفي) يمثل فيلقا من هذا الجيش، يمثل “طليعته” التي تتقدم معظم الجيش، ويتعين عليه أن يتبعها.

هل هي مجرد استعارات؟ لا. إذ باعتبار أن المسألة المركزية في الثورة السياسية هي مسألة السلطة، فإنها تطرح بتعابير عسكرية. إنها حرب. وإذا ما نسيَّتها البروليتاريا، والثوريون، إن السلطة القائمة – بشرطتها وجيشها – كفيلة بتذكيرهم أنها حرب، ليس التمرد، والحرب الأهلية، والمضاعفات التي تعقبها (على الصعيد الدولي خاصة) إلا مراحل حادة ودامية منها.

ولئن كان لينين، منذ صدور کتاب، “ما العمل؟”، يريد منظمة قوية من الثوريين المجربين، فهو إنما يريدها قبل كل شيء لقيادة هذه الحرب الصامتة أو المتفجرة: لتصبح منها بمثابة هيئة الأركان.


* نشر في العدد 500 من جريدة النهج الديمقراطي

العدد 500 من جريدة النهج الديمقراطي كاملا