لمحة عن الثورة الكوبية*
○ الرفيقة أزلاف زهور
لمحة عن الثورة الكوبية*
هذه اللمحة ستتطرق للوضع بالجزيرة الكوبية قبل الثورة، ثم لتشكيل القيادة الثورية الكوبية في معمعان الثورة، وأخيرا لمحطات بناء الدولة العمالية.
تحت ديكتاتورية باتستا (Fulgencio Batista) بداية 1950 كانت كوبا شبه مستعمرة تابعة للولايات المتحدة الامريكية. اقتصاديا، لم تعد دولة فلاحية بحيث 55% من مواطنيها يقطنون المدن، خاصة “هافانا” حيث يتواجد 6/1 من سكانها، والإنتاج الفلاحي، أي التبغ والسكر الموجهين للتصدير، يتوفر على بنية رأسمالية يستحوذ عليها أشخاص أمثال “جوليو لوبو” (Julio Lobo) الذي يملك زيادة على 400 000 هكتار من الأراضي الفلاحية، بواخر وأسهم بالأبناك. فلوحده يصدر ما بين 35 الى 50% من السكر لأمريكا، ومعلوم ان مادة السكر تشكل بتلك الفترة ربع مداخيل كوبا. في هذا الوقت تعيش بالجزيرة حوالي 200000 عائلة فلاحية منها 140000 في حالة الفقر المدقع.
إلى جانب العائلات الفلاحية يتواجد قرابة 600.000 عامل زراعي نصفهم لا يعمل الا فترات قطع قصب السكر، اما البروليتاريا الكوبية فتتشكل من 400.000 عائلة تقطن المدن وهي منظمة بالنقابات والى جانبها 200.000 عائلة من البرجوازية الصغيرة المشكلة من المدرسين ورجال القانون والأطر الإدارية والتجارية. هذه البورجوازية الصغيرة كانت القاعدة الاجتماعية التي غدت التيارات المناهضة للإمبريالية، وكان “كاسترو” ينتمي لهذه الطبقة. فبعد فشل الثورات البرجوازية التي قادها هو ورفاقه، اختاروا تبني الثورة الاشتراكية لمواجهة الامبريالية وكطريق للحصول على الاستقلال الحقيقي.
الثورة قادتها حركة 26 يوليوز (M26-7) بزعامة “فيديل”. وكانت البداية بالهجوم على الثكنة العسكرية “مونكادا” (Moncada) بهدف الاستيلاء على السلاح، لكن فشلت فتم اعتقال “فيديل” و”راوول” كاسترو ومن معهم. وبعد العفو عنهم التحق “فيديل” بالمكسيك حيث تعرف على “غيفارا” الذي انضم لحركة 26 يوليوز. هذه الأخيرة رجعت لكوبا سنة 1956 واستقرت بالسلسلة الجبلية “سيرا ما يسترا” (Sierra Maestra) حيث قادت حرب عصابات وكونت النواة الاولى للسلطة العسكرية والإدارية البديلة.
بعد فشل الهجوم العسكري الذي قام به “باتيستا” على الثورة ماي 1958، قام الثوار في “سيرا ما يسترا” بإعلان القانون رقم واحد من الإصلاح الزراعي، وهو قانون يأخذ بعين الاعتبار الوضع الفلاحي بالجزيرة حيث %1,5 من كبار الفلاحين يملك 42% من الأراضي الصالحة للزراعة و12% فقط من الاراضي هي ما تبقى لما يناهز 70% من الفلاحين الكوبيين الفقراء. هذا القانون توخى تعبئة الفلاحين المتوسطين والصغار فبدأ تطبيقه بجهة “لاس بيلا” (Las Villa) غداة رحيل “باتيستا” بتوزيع أراضيه على الفلاحين الصغار.
واجهت الثورة مشاكل في بداياتها الاولى منها علاقتها بالحزب الشيوعي (PSP). فقد دعت الحركة الثورية للإضراب العام فتأخر الحزب في الانخراط فيه ما طرح مشكلة تشكيل الجبهة الموحدة، غير انه التحق فيما بعد بالثوار وانتدب أحد قادته (Carlos Rafael) للالتحاق بجبال “السييرا” حيث الثوار. إثر ذلك تشكلت جبهة عمالية وطنية موحدة (FONU) دعت للإضراب العام بالعاصمة “هافانا” يناير 1959. وعلى مستوى التمثيلية المؤسساتية فقد تشكلت جبهة ديمقراطية تكونت من حركة “26 يوليوز” ومن أوساط برجوازية وعسكرية مناهضة للديكتاتورية، غير ان برنامج الحركة الثورية اقتصر فقط على العودة للدستور الديمقراطي البرجوازي ل 1940، وعلى الإصلاح الزراعي واصلاح التعليم وتنقية صفوف الجيش من الموالين للإمبريالية والحكم الدكتاتوري.
بعد فشل القضاء على الثورة، وإثر ميثاق كاراكاس، تشكلت حكومة مؤقتة وتم اختيار منسق للجبهة الديمقراطية ورئيس مؤقت لكوبا واحتفظ فيديل كاسترو بقيادة الجيش، كما تم سطر الميثاق استراتيجية موحدة للقضاء على الديكتاتورية ترتكز على المواجهة العسكرية. لكن بعد هروب الدكتاتور حاول جنرال من الجيش (Cantillo) الاستفراد بالحكم لكن فشل فورط الجيش فساهم ذلك في تجدير الثورة وتشكيل سلطة بديلة منبثقة عن القيادة الثورية. هكذا فبعد سقوط الدكتاتور تشكلت حكومتين، واحدة شكلية تتكون من بورجوازيين ساهموا في وضع ميثاق كاراكاس، وأخرى ثورية، هي الحكومة الفعلية، تعتمد التعبئة الشعبية للفلاحين المناصرين للإصلاح الزراعي. والمجهود المبذول لتقوية الثورة في ضل ازدواجية الحكم ركز على تشكيل بوليس وجيش شعبيين مواليين للثورة، وموازاة مع ذلك استبدلت المحاكم القائمة بمحاكم شعبية يترأسها قادة من الجيش الثوري وممثلون عن الشعب.
على المستوى الاقتصادي سن قانون للإصلاح الزراعي هو استمرار للقانون الذي أعلن عنه بجبال “سييرا مايسترا”. وطيلة 1959 تعمق مسلس القطيعة مع البرجوازية الليبرالية. وخلال ربيع 1960، تحولت الثورة الديمقراطية الى ثورة ضد الرأسمالية، فدشن “كاسترو” مشروع المليشيات الشعبية وشجع نقابات الاعلام والطباعة للقيام بالرقابة على ما تنشره البرجوازية من أكاذيب ومغالطات. كما قامت الحكومة الثورية الكوبية بتجميد الأرصدة البنكية للمتعاونين مع “باتيستا” ما شكل ضربة قوية لأصحاب الاعلام البرجوازي ومحطات الراديو الخاصة.
القطيعة مع البرجوازية الكوبية هي التي قادت الى المواجهة المباشرة مع الامبريالية، وهي المواجهة التي شكلت المحطة الحاسمة في الطريق نحو الثورة الاشتراكية وبناء الدولة العمالية.
* نشر في العدد 500 من جريدة النهج الديمقراطي