نشوء الحركة الماركسية اللينينية المغربية: القطيعة مع الإصلاحية وتجاوز العفوية

نشوء الحركة الماركسية اللينينية المغربية: القطيعة مع الإصلاحية وتجاوز العفوية
الرفيق على فقير

نشوء الحركة الماركسية اللينينية المغربية:
القطيعة مع الإصلاحية وتجاوز العفوية

أولا – انتفاضة 23 مارس 1965 تحول نوعي في الصراع ضد الاستبداد المخزني.

شكلت انتفاضة مارس 1965 أول انتفاضة شعبية ضد النظام، وبداية وعي الشباب بالعجز الطبقي لمكونات الحركة الوطنية في قيادة المقاومة الشعبية.

كان حلم الشعب المغربي كبيرا خلال النضال التحرري قبل 1956، لكن الطبيعة الطبقية للحركة الوطنية حالت دون تحقيق تلك المطامح المشروعة، نظرا لتعاقدها مع القصر الذي أصبح يستند قوته الأساسية، زيادة على تبعيته للإمبريالية، من طبقة ملاكي الأراضي الكبار الشبه-الإقطاعيين (امحزان، امهراق، لحسن اليوسي، أحرضان، مبارك البكاي…)، من الأطر العسكرية التي تكونت في أحضان الجيوش الاستعمارية (افقير، الكتاني، امزيان، حمو امحزون…)، ومن المثقفين الليبراليين المرتبطين بفرنسا أمثال كديرة…الخ.

بعد وفاة محمد الخامس، تمكن القصر من حسم خلافاته التي ظهرت بعد 56 مع الحركة الوطنية، وذلك خلال سنوات 61/62/63 عبر فرض دستور لاديمقراطي، وإجراء انتخابات مزورة، وقمع الحركة الاتحادية عبر مؤامرة 1963، عبر الاغتيالات (اغتيال شيخ العرب غشت 6419، اختطاف المهدي بن بركة أكتوبر 1965…)…الخ.

لقد اتضحت للشباب المنحدر من الطبقات الشعبية الطبيعة اللاشعبية، واللاديمقراطية واللاوطنية لنظام ما بعد الاستقلال، مما جعل من مذكرة وزير التربية الوطنية، يوسف بلعباس، الشرارة التي فجرت غضب الشبيبة المدرسية، قبل أن يمتد لهيب النار إلى مناطق وفئات أخرى.

ولإخماد غضب المنتفضين، التجأ النظام إلى ارتكاب مجازر لا يمكن نسيانها، مستعملا في ذلك دبابات، ومروحيات، زيادة على الجحافل العسكرية التي تقتل في دروب وفي أزقة الدار البيضاء، تغتصب، وتنهب…الخ.

شكلت أحداث شهر مارس 1965، قطيعة الشباب مع النظام الملكي، ومنعطف في علاقة الشباب مع قيادة الحركة الوطنية (علال الفاسي، عبد الرحيم بوعبيد، على يعته…الخ) التي لبت دعوة الحسن الثاني وانتقلت إلى افران للعب دور رجال المطافئ، وهذا في القوت الذي لم تنشف فيه بعد شوارع الدار البيضاء من دماء الشهداء.

شكلت انتفاضة مارس 65 المجيدة تحولا أساسيا في وعي الشباب المغربي، وزلزالا حقيقيا داخل الأحزاب التقدمية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والحزب الشيوعي المغربي)، نظرا لتخاذل قيادتها. لقد اتضح للعديد من المناضلين المتحزبين والغير المتحزبين أن فشل النضال ضد النظام يرجع بالأساس إلى الطبيعة الطبقية البرجوازية الغير المؤهلة لقيادة هذا النضال، وهذا ما دفع بالعديد من الثوريين إلى بناء خلايا ثورية داخل الحركة الاتحادية، وأنوية ماركسية- لينينية مستقلة أعطت فيما بعد منظمات “23 مارس”، “إلى الأمام” و “لنخدم الشعب”.

ثانيا – نشأة الحركة الماركسية اللينينية عامة ومنظمة «الى الأمام” خاصة

لقد شكل بروز الحركة الماركسية اللينينية المغربية (مارس 1970 بالنسبة لمنظمة “23 مارس” و30 غشت 1970 بالنسبة لمنظمة “إلى الأمام”) تحولا نوعيا في الصراع السياسي بالمغرب.

احتد الصراع داخل الحزب الشيوعي المغربي غداة انتفاضة مارس 1965، نظرا لموقفه المتخاذل تجاه الانتفاضة، ونظرا لذيليته للحزب الشيوعي السوفياتي، كما تعمق هذا الصراع عندما أقدمت قيادته، بدون نقاش داخلي، على تغيير اسم الحزب – من الحزب الشيوعي إلى “حزب التحرر والاشتراكية” – وتبني شعار “الله الوطن الملك”.

انسحبت مجموعة أولى بزعامة الشهيد بوعبيد حمامة (67/68)، تبعتها مجموعة صغيرة سنة 1969 بقيادة محمد الكرفاتي، ناهيك عن الانسحابات الفردية.

لقد بقي أغلب المعارضين للخط السائد داخل الحزب يخوضون صراعا فكريا وسياسيا من داخل الهياكل إلى حدود صيف 1970، حيث اجتمعت العشرات من المناضلين وقررت الانسحاب الجماعي وتشكيل منظمة جديدة، عرفت في البداية ب”منظمة أ”، ثم بعد ذلك باسم “منظمة إلى الأمام” الماركسية اللينينية، و ذلك يوم 30 غشت 1970. وقد انبثقت عن هذا التجمع التأسيسي “لجنة مؤقتة للتنسيق الوطني” مكونة من السرفاتي، اللعبي، بلخضر، بنعدي، بنعيم، المنصوري، فقير. سنة ونصف من بعد، انعقدت أول ندوة وطنية/المؤتمر (31 دجنبر 1971 -1 يناير 1972)، انبثقت عنها لجنة وطنية، وسكرتارية وطنية مكونة من السرفاتي، اللعبي، أمين، زروال والمشتري. ابتداء من مارس 1973، أصبحت “المنظمة “أ” تحمل اسم “منظمة إلى الأمام”.

يمكن إبراز المرتكزات الأساسية لمرجعية/بوصلة منظمة “إلى الأمام” في النقط الآتية (أنظر وثيقة “سقطت الأقنعة فلنفتتح طريق الثورة”).

– عجز القيادات الإصلاحية التقليدية على قيادة وتأطير الجماهير الشعبية في نضالها من أجل التحرر من السيطرة الامبريالية ومن النظام المخزني الرجعي.

– غياب التنظيم المستقل للطبقة العاملة المسلح بفكرها الشيوعي لقيادة الجبهة الطبقية المناهضة لنظام البرجوازية الكبرادورية والملاكين العقاريين الكبار، لضمان انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية (تشييد جمهورية مجالس العمال والفلاحين الفقراء) على طريق الثورة الاشتراكية (تشييد دكتاتورية البروليتاريا) في أفق المجتمع الشيوعي (تضمحل فيه الدولة كجهاز طبقي) الخالي من الطبقات الاجتماعية والذي ينعدم فيه استغلال الإنسان للإنسان.

– شكلت الماركسية اللينينية وإسهامات ماو تسي تونغ المرجعية الإيديولوجية للمنظمة.
– شكل واقع التشكيلة الاجتماعية (مختلف الطبقات المتواجدة وعلاقات الإنتاج السائدة)، وطبيعة التناقضات المحركة للصراع السياسي والفكري، والهيمنة الامبريالية… أهم العناصر التي أسست لنظرية: مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية على طريق الثورة الاشتراكية في أفق تشييد مجتمع تنعدم فيه الطبقات الاجتماعية، المجتمع الشيوع الخالي من استغلال الإنسان للإنسان.

– تبني إستراتيجية العنف الجماهيري الواعي والمنظم (خلافا للعقليات الانقلابية والنخبوية التي كانت سائدة آنذاك في العالم العربي)، وهذا ما تطلب الانخراط الفعلي في الكفاح الجماهيري اليومي: تأطير الحركة التلاميذية بواسطة النقابة الوطنية للتلاميذ، قيادة الحركة الطلابية بواسطة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، المساهمة النضالية في الاتحاد المغربي للشغل، ربط علاقات نضالية مع العمال الزراعيين والفلاحين الفقراء، المساهمة في تأسيس الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة، المساهمة في تأسيس أول لجنة حقوقية لمناهضة القمع في المغرب…الخ.

– تسطير الارتباط النضالي ووحدة المصير مع شعوب العالم العربي والمغاربي، وأهمية النضال التحرري الوطني للشعب الفلسطيني في مواجهة الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية.

– تسطير الارتباط النضالي والتضامن الأممي مع الحركات العمالية والتقدمية العالمية في مواجهة الامبريالية والرأسمالية.

– تسطير الاستقلال السياسي والتنظيمي والمالي تجاه مختلف التيارات والتكتلات العالمية.

كانت الحركة الماركسية اللينينية المغربية بمختلف فصائلها أول من عبر عن مساندتها للمناضلين الصحراويين في نضالهم المشروع ضد الاستعمار الاسباني وفي كفاحهم الوطني، وهذا ما عبرت عنه الحركة الطلابية إبان المؤتمر الخامس عشرة للاتحاد الوطني للطلبة المغرب الذي انعقد في غشت 1972. لم تخطئ منظمة “إلى الأمام” موعدها مع التاريخ عندما عبرت على موقف “حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بنفسه” سنة 1974، وواقع اليوم الذي يتسم بالمأزق الذي وصل إليه ملف الصحراء الغربية والكلفة الاقتصادية والاجتماعية الباهظة التي أدى ويؤدي الشعب المغربي فاتوراتها المتعددة، يبرهن عن سدادة ذلك الموقف.

ومن العوامل الثانوية التي لعبت دورا ايجابيا في توعية الشباب المغربي نذكر: الثورة الثقافية الصينية، ظهور اليسار الفلسطيني، انتفاضة مايو 1968 الطلابية بفرنسا…الخ.

حوالي 53 سنة بعد نشأة الحركة الماركسية اللينينية المغربية، فان مهامها الأساسية تبقى راهنية، لأن النظام السائد لم يتغير في جوهره، ولأن وضعية الجماهير الشعبية عامة، ووضعية الكادحين خاصة ازدادت تدهورا.
واليوم، ورغم تكالب مختلف القوى السياسية ضدها، ورغم سياسية القمع الاستئصالية التي نهجتها مختلف أجهزة النظام، فان منظمة “إلى الأمام” بقيت صامدة سياسيا وفكرية رغم التشتت التنظيمي التي عرفتها في فترات تاريخية معينة.

لقد شكل تأسيس “النهج الديمقراطي” سنة 1995 انبعاثا تنظيميا للحركة الماركسية اللينينية المغربية، وشكل المؤتمر الخامس الذي دشن مرحلة بناء النهج الديمقراطي العمالي، كحزب مستقل للطبقة العاملة، تحولا تاريخيا على طريق التغيير الثوري المنشود. لقد شكل النهج الديمقراطي (1995 – 2022)، ثم النهج الديمقراطي العمالي (ابتداء من يوليوز 2022) الاستمرارية السياسية والفكرية لمنظمة “إلى الأمام” وأعادا الأمل إلى آلمئات من المناضلين المخلصين والمناضلات المخلصات، وفتح آفاق تنظيمية واعدة للعمال والعاملات، ولعموم الكادحين والكادحات.

بعد نضال مرير توج بوقفة احتجاجية أمام وزارة الداخلية (يوليوز 2004)، تمكن النهج الديمقراطي من فرض قانونيته وعقد مؤتمر الأول خلال شهر يوليوز 2004 دون أي تنازل من طرفه، كما تكرر السناريو في يوليوز 2022، حيث تمكن النهج الديمقراطي من فرض انعقاد مؤتمره الخامس وتحوله الى النهج الديمقراطي العمالي تدشينا لمرحة جديدة على الطريق الثوري.

* نشر في العدد 500 من جريدة النهج الديمقراطي