بلاغ حول مشروع ما سمي بالإصلاح البيداغوجي أو دفتر الضوابط البيداغوجية
بلاغ صادر عن لجنة التنسيق المحلية، المكونة من رؤساء الشعب وممثلي السيدات والسادة الأساتذة المنتخبين بمجلسي المؤسسة والجامعة ومنسقي المسالك ومدراء المختبرات ومن أعضاء المكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بكلية العلوم عين الشق،
حول مشروع ما سمي بالإصلاح البيداغوجي أو دفتر الضوابط البيداغوجية.
تفعيلا لقرار الجمع العام المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي المنعقد يوم الثلاثاء 7 مارس 2023 بكلية العلوم عين الشق والقاضي بالعمل على عقد يوم دراسي من أجل مناقشة ما سمي بالإصلاح البيداغوجي أو دفتر الضوابط البيداغوجية (CNPP)، انعقد يوم الخميس 13 أبريل 2023 اجتماع لجنة التنسيق المحلية لكلية العلوم عين الشق، وبعد نقاش صريح جاد ومسؤول اتفق الجميع على إصدار البلاغ التالي تنويرا للرأي العام المحلي والوطني.
إن مظاهر تردي قطاع التعليم ببلادنا ليست جديدة، فهذا القطاع تعرض لمحاولات “إصلاح” متكررة لم تخرجه أبدا من أزمته البنيوية ولم تؤد تلك المحاولات، في كل مرة، سوى إلى تفاقم وتعميق مظاهر الأزمة. كما أن هذا القطاع بطبيعته كان دائما محط صراع سياسي بين منظور رسمي يهدف باستمرار إلى تكريس النخبوية وضرب مجانية التعليم وجودته ومحاصرة الفكر النقدي والتحرري من جهة ومنظور ديمقراطي تقدمي من جهة ثانية، يناضل من أجل تعليم شعبي ديمقراطي، علمي، مجاني وجيد للجميع. فهو إذن كان وسيبقى جزءا من معادلة الصراع العام في المجتمع.
إن ما سمي بالإصلاح البيداغوجي أو دفتر الضوابط البيداغوجية (CNPP) لم يختلف في الجوهر عن نظام LMD الحالي، كونه لم يرق إلى الإجابة عن الأسباب الجوهرية التي أوصلت المنظومة التعليمية برمتها إلى هذا المستوى الجد متدني. وكما لا يخفى على أحد أن أزمة التعليم ببلادنا وبالرغم من محاولات الإصلاح المتتالية، أزمة بنيوية منذ نهاية السبعينات سببها تعاقب سياسات تعليمية مرتجلة تفتقر إلى الاستمرارية وبعد الرؤيا ولا تضع في مركز اهتمامها الفعلي العنصر البشري من تلاميذ وطلبة وأساتذة، كما لا تولي الاهتمام اللازم لصيانة وتحديث الفضاء التعليمي من بنيات تحتية وتجهيزات وتحسين ظروف إنجاز العملية التعليمية والتأطير والبحث العلمي باعتباره محور هذه العملية في منظومة التعليم العالي.
كما هو معلوم طبق مع بداية السنة الجامعية 2003ـ2004 نظام جديد للدراسة والمواد والشعب، يستند في عمومه إلى القانون 01.00، وإلى مذكرات وزارية، وإلى نتائج أعمال بعض اللجن المعينة لهذه المهمة. وجاء هذا النظام بإعادة الهيكلة البيداغوجية للدراسة في إطار مسالك ووحدات ومجزوءات، وتغيير برامج الدراسة في شكل فصول، وتغيير نظام الامتحانات، والشواهد بما اصطلح عليه نظام LMD، ولا بد من الإشارة هنا أن ما سمي بالإصلاح البيداغوجي أو دفتر الضوابط البيداغوجية المنزل (CNPP) لم يخرج عن هذا الإطار. إلا أن النظام الجديد القديم، تصاحبه العديد من المشاكل نذكر منها:
– عدم تحديد وظيفة الجامعة وفهم الهدف العام من التعليم الجامعي والبحث العلمي، والذي سيضعنا بالضرورة أمام إشكال عويص، وهو استحالة الإجابة على السؤال الإشكالي: أي مدرسة، أي جامعة نريد؟ وبالتالي أي مواطن أي طالب أي مجتمع نريد؟
– انعدام الرابط بين الإصلاح البيداغوجي وخيارات استراتيجية كبرى واضحة تستجيب لطموح الشعب المغربي في التقدم والتحرر والعيش الكريم وتوفر حلولا للمشاكل الحقيقية التي تعاني منها الجامعة المغربية والشعب المغربي،
– الإلقاء بمسؤوليات جديدة على عاتق الأستاذ الباحث والطالب والإداري دون أي تحفيز.
– التركيز على المراقبة واختزال العلاقة بين الطالب والأستاذ في التنقيط وتهميش عنصر التأطير والاحتضان.
– محدودية الإمكانات البشرية والمادية المعتمدة وضعف نسبة التأطير.
– الإجهاز على مكتسبات هامة، منها مجانية التعليم واعتماد التكوينات المؤدى عنها، والخضوع لمنطق ” تكلفة التعليم” وتشجيع التعليم الخصوصي وعدم الاهتمام بالعنصر البشري من أساتذة باحثين وطلبة.
– التسرع الذي طبع وضع وإعادة صياغة المضامين الجديدة الملقنة للطلبة، والذي أدى إلى تجديدها شكلا وانعدام انسجامها مضمونا، وعدم انفتاحها على آفاق واضحة، وغياب استجابتها لمواصفات ومخرجات مضبوطة مرتبطة بحاجيات معينة وأهداف استراتيجية محددة.
– ازدواجية الأنظمة داخل نفس المؤسسة وخلق مؤسسات داخل المؤسسة.
– المشاكل التي يطرحها نظام الأسدوسيات: التسجيل في الوحدات، وشروط الانتقال من أسدس إلى آخر، وبرمجة الوحدات مرة واحدة في السنة…، تفرغ النظام الجديد القديم من محتواه.
إن كل هذه الإصلاحات البيداغوجية لم تكرس سوى مزيدا من التدهور وفقدان الثقة في نظام تعليمنا العالي العمومي، فعلى مستوى الأهداف والمحتوى وعلى مستوى الوسائل، لم يتحقق ما كان متوقعا، وبذلك يكون ساهم في تعميق أزمة الجامعة المغربية وعلاقاتها بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وبشكل أدق لعبت دورا مركزيا في ضرب نوعية التعليم العالي والبحث العلمي وجودتهما والتضييق على امتداداته والتمادي في تخريبه بشكل ممنهج.
إن المهام الأساسية الكبرى المطروحة اليوم هي إيقاف مسار هذا الإصلاح واعتماد إصلاح جذري حقيقي وعقلاني يتبنى منظورا شموليا تساهم فيه كل مكونات الجامعة المغربية ويضع المقتضيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجغرافية والتحديات القائمة والمحتملة ضمن أولويات النهوض بالتعليم العالي والبحث العلمي وتطويرهما.
وبناء على ما سبق وبعد نقاش بناء ومستفيض فإن السيدات والسادة الأساتذة بكلية العلوم عين الشق:
· يطالبون بفتح نقاش عمومي تشارك فيه كل القوى الحية بالبلاد وعلى رأسها النقابة الوطنية للتعليم العالي والاستفادة من خبرات الأساتذة الباحثين في الداخل والخارج لبلورة خطة وطنية لإصلاح فعلي يخدم مصالح الشعب المغربي.
· يطالبون بتقييم علمي وبيداغوجي لنظام (LMD) الحالي من أجل تجاوز الأعطاب التي يعاني منها، وعقد بعد ذلك مناظرة وطنية لبلورة مشروع اصلاح شمولي متكامل لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي، ترصد له الإمكانيات المادية واللوجستيكية وتوفر له الموارد البشرية اللازمة لإنجاحه، عوض تنزيل أحادي ومتسرع لنظام مرتجل سيرهن مستقبل جامعتنا ومستقبل الاجيال ببلادنا لعقود.
· يرفضون الطريقة التي يتم بها تمرير وتنزيل كل ما يتعلق بالإصلاح الجامعي المزعوم بطريقة مبتورة وقسرية في غياب الشروط المواكبة لإنجاحه. ويطالبون الوزارة الوصية بالإشراك الفعلي للأساتذة الباحثين في بلورته، وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية واللوجيستيكية لانطلاقه، والعمل على رد الاعتبار المادي والمعنوي للأستاذ الباحث وكذلك تحسين الظروف المادية والمعنوية الجد متدهورة للطالبات والطلبة.
· يرفضون الانخراط في أي إصلاح يهدف إلى مهننة التعليم العالي بالجامعة وبالتالي الإجهاز على نشر المعرفة وتطوير البحث العلمي.
· يثمنون الجهود الجبارة والتضحيات الكبيرة التي يقدمها السيدات والسادة الأساتذة الباحثين رغم النقص والخصاص في الموارد البشرية والتجهيزات والبنايات والمعدات الضرورية لإنجاز مهامهم التربوية والعلمية وينوهون بالنقاش الصريح والمسؤول حول السياسة التعليمية ببلادنا وغيرتهم على التعليم والبحث العلمي العمومي واستعدادهم للدفاع على تعليم عمومي متاح لجميع أبناء الشعب المغربي وعلى بحث علمي يكون في خدمة الشعب ويكون رافعة للتنمية المستدامة.
· ينددون بالتمادي في خوصصت التعليم العالي التي كرّست الإجهاز على التعليم العالي العمومي، وأخضعته لسطوة رأس المال، وجعلته تابعا لمتطلبات المقاولات الرأسمالية تحت عنوان المرونة والقابلية للتشغيل (التشغيلية) باعتبارهما موجهين أساسين لسياسة ومضمون وأهداف التعليم والبحث العلمي. كلّ ذلك جعل التعليم والبحث العلمي في خدمة منظور تنموي يضع البلد والعباد فريسة للاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي ستعمق التبعية للرأسمال الأجنبي وتضرب في العمق السيادة الوطنية.
· يدعون السيدات والسادة الأساتذة الباحثين، أعضاء مجلسي الجامعة والكلية ورؤساء الشعب، الحرص على الاحترام الصارم لاختصاصات الهياكل الجامعية لاتخاذ القرارات، والتصدي لأي تجاوز أو تطاول عليها.
· يعلنون استعدادهم التام للمساهمة بكل فعالية في بلورة مقترح إصلاح شمولي ناجع يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية المعرفية للعلوم والتقنيات على المستويين البيداغوجي والبحث العلمي الجيدين.
· يثمنون كل الملاحظات والاقتراحات التي عبر عنها السيدات والسادة الأساتذة في إطار الشعب والهياكل النقابية؛
يهيبون بكل السيدات والسادة الأساتذة إلى المزيد من اليقظة والتعبئة ورص الصفوف تجسيدا للوحدة والتضامن من أجل الدفاع عن كرامة الأستاذ الباحث وعن التعليم العالي العمومي وعن البحث العلمي في إطار النقابة الوطنية للتعليم العالي؛
لجنة التنسيق المحلية لكلية العلوم عين الشق
الدارالبيضاء، الخميس 13 أبريل 2023