راهنية بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية

راهنية بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية
الرفيق عبداللـه الحريف عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي

قرر النهج الديمقراطي، في مؤتمره الوطني الخامس المنعقد في 22 و23 و24 يوليوز 2022، الإعلان عن تأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية تحت إسم “حزب النهج الديمقراطي العمالي”، وعيا منه بأن الظروف العالمية والإقليمية والقارية وواقع الصراع الطبقي في المغرب أصبحت تحتم القيام بهذه المهمة، بدون تأخر أو تردد وبكل حماس وتصميم وعزم.

الوضع العالمي:

يعيش العالم قفزات نوعية كنتيجة لتراكمات كشفتها وسرعتها الحرب في أوكرانيا، لعل أهمها ما يلي: الأزمة العميقة والمستدامة لنمط الإنتاج الرأسمالي على جميع المستويات الاقتصادية فشل النيولبرالية والركود الاقتصادي وإفلاسات عدد من البنوك والشركات الكبرى والتضخم…) والاجتماعية الارتفاع الهائل للبطالة والهشاشة وسط الطبقة العاملة التصفية التدريجية للمكتسبات والخدمات الاجتماعية تفقير الطبقات الوسطى والفلاحين والهجوم على أراضيهم… والفكرية (تراجع فكر ما بعد الحداثة وما بعد الرأسمالية ونهاية التاريخ …) والبيئية (التدمير المتسارع للطبيعة بفعل جري الرأسمال الجنوني نحو الربح السريع والتبذير والحروب… التي تحملها الرأسمالية في جيناتها) والقيمي (الأرباح على حساب الأرواح الممارسات المافوزية السطو على أموال الشعوب التي تقاوم هيمنة الرأسمال المالي الاحتكاري…).

– نجاعة الماركسية في تفسير أزمات الرأسمالية وراهنية الاشتراكية لتجاوز هذه الأزمات.

– تراجع نفوذ الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتشكل عالم متعدد الأقطاب: قطبان رئيسيان القطب الامبريالي الغربي والقطب الصيني الروسي) وأقطاب إقليمية.

– الحرب في أوكرانيا سرعت هذا التشكل وفضحت الوجه البشع للامبريالية الغربية (السطو على خيرات الشعوب وعلى أموال الشعوب التي تواجه هيمنتها المودعة في بنوك الغرب وتجويع هذه الشعوب بواسطة العقوبات والحصار بهدف الدفع بها إلى الإنتفاض واستغلال ذلك للقيام ب”الثورات الملونة المزعومة. إنتقال الثقل الأساسي للطبقة العاملة في العالم، خاصة الصناعية، إلى الصين ودول الجنوب عموما.

– نهوض نضالي عمالي للتصدي لهجوم الرأسمالية المتوحشة مواجهة الهجوم على الخدمات الاجتماعية والحماية الاجتماعية والتقاعد وتدني الأجور).

– نهوض نضال الفلاحين الهند وأومريكا اللاتينية بالخصوص… للتصدي لتفقيرهم بهدف السطو على أراضيهم. الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها للتصدى لهيمنة الاعلام الغربي المتحكم فيه من طرف الشركات المتعددة الاستيطان رأس رمح الامبريالية الغربية، والتي تنشر الأكاذيب لتجميل وجهها البشع وتشويه القوى والأنظمة الوطنية والتقدمية والاشتراكية وتبليد
الجماهير.

– حدود البدائل التي ركزت على الحركات الاجتماعية وعلى الشعبوية اليسارية وتنكرت للدور الحاسم لطبقة العاملة في التغيير نحو الاشتراكية في دول المركز الرأسمالي والتحرر الوطني والبناء الديمقراطي في دول المحيط (سيريزا في اليونان وفرنسا الأبية والأنظمة التقدمية في أمريكا اللاتينية).

الوضع في العالم العربي والمغاربي:

– استمرار السيرورات الثورية في العالم العربي والمغاربي التي أظهرت الدور الحاسم للطبقة العاملة في رحيل بن علي ومبارك وطرحت على جدول اعمال القوى الشعبية المناضلة مهمة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. هذه المهمة الضرورية لتحقيق الشعارات التي رفعتها (انهاء الاستبداد والفساد وتحقيق الديمقراطية والعيش الكريم).

– صمود واستمرار السيرورة الثورية في السودان بفضل تنظيم الشعب لنفسه في اللجان الشعبية في المدن والقرى والدور الريادي للحزب الشيوعي السوداني وغيره من القوى الثورية.

– تطور هام لنضال الشعب الفلسطيني الذي اصبح يغطي كافة مناطق تواجده في فلسطين وخارجها ولجوئه إلى كافة الأشكال النضالية، بما فيها الكفاح المسلح وتعاظم التعاطف مع الشعب الفلسطيني عالميا وانفضاح الكيان الصهيوني كقوة عنصرية وعدوانية واستئصالية وفاشستية.

– صمود محور المقاومة المشكل من المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية ومن إيران وسوريا. اصطفافات جديدة في المنطقة التصالح الإيراني السعودي والسوري السعودي) تمشي في اتجاه تقوية القطب المعادي للامبريالية الغربية وخاصة الامبريالية الأمريكية.

الوضع في إفريقيا:

تصدي الشعوب للقوى الامبريالية والاستعمار الجديد وخاصة فرنسا، واخد العديد من الأنظمة مسافة مع هذه القوى الامبريالية، بل حتى طردها كما وقع لفرنسا في مالي وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية مع الصين وروسيا…

وخلاصة القول أن التطورات العالمية وفي العالم العربي وإفريقيا توفر ظروفا موضوعية جد ملائمة للشعوب المضطهدة للانعتاق من هيمنة الامبريالية الغربية وضمان السيادة الوطنية التي تشكل أحد أهم الشروط لتنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية لصالح الشعوب.

إن التجربة التاريخية لنضال الشعوب من أجل الإنعتاق من الهيمنة الامبريالية والطبقات المحلية التابعة لها أظهرت أن إنجاز هذه المهام، فأحرى انفتاحها على الأفق الاشتراكي يستوجب قيادة الطبقة العاملة، بواسطة بناء حزبها المستقل عن البرجوازية لجبهة الطبقات الشعبية تجربة الأغلبية الساحقة من حركات التحرر الوطني في العالم).

إن الوضع الحالي يؤكد سدادة وراهنية الشعار الذي أطلقه لينين “يا عمال العالم ويا شعويه المضطهدة اتحدوا”.

الوضع في المغرب:

ان راهنية بناء حزب الطبقة العاملة في المغرب يرتكز من جهة على هذه التطورات العالمية والإقليمية والقارية التي فصلناها أعلاه، وعلى الأوضاع في المغرب..ويتسم الوضع الداخلي بأزمة مركبة تتمثل في:

– ازمة اقتصادية عميقة تتمثل في اقتصاد هش يحتل موقعا متخلفا في قسمة العمل على المستوى الدولي وعاجز على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الشعبية الأساسية مما يجعل بلادنا خاضعة للسوق الدولية التي تتحكم فيها الشركات المتعددة الاستيطان الأوروبية والأمريكية أساسا ومرتهنة للمؤسسات المالية الامبريالية وغارقة في الديون.

– أزمة إجتماعية خطيرة لعل أحد أبلغ مؤشراتها أن 50 المئة فقط من الشباب ما بين 25 و35 سنة) يتوفرون على عمل في أغلب الأحيان في القطاع غير المهيكل والهش.

– ازمة سياسية تتمثل في كون المؤسسات الرسمية (البرلمان والحكومة ومختلف الهيئات الإدارية والوسائط الاجتماعية…) والاغلبية الساحقة من القوى السياسية والنقابية أصبحت في واد والشعب في واد آخر.

– حركة 20 فبراير، رغم تراجعها، فتحت مرحلة جديدة في تاريخ نضال الشعب المغربي من أجل التحرر والديمقراطية تتميز بتراجع الخوف وفقدان المؤسسات المخزنية لأية مصداقية شعبية ولجوء الجماهير إلى الشارع للدفاع عن مكتسباتها ومطالبها واعتمادها على نفسها بالأساس وانخراط الشباب (نساء ورجالا) في النضال ونسبيا في العمل السياسي.

– ولعل أعمق سبب في عجز حركة 20 فبراير على تحقيق أهدافها هو ضعف وتشرذم القوى الممثلة لمصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين والكادحات (فلاحون صغار ومعدمون وفقراء المدن). وهي الطبقات الاجتماعية الأكثر تضررا من الوضع القائم وموضوعيا الأكثر استعدادا للنضال والتضحية، وهو ما يفسر ضعف انخراط الطبقة العاملة والفلاحين في حركة 20 فبراير.

– طرحت حركة 20 فبراير بشكل حسي، على القوى المناضلة مهمة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي ووضعتها أمام مسئولية بناء الأدوات النضالية الضرورية لإنجاز هذه المهمة التاريخية وتجربة نضال الشعب المغربي من أجل تحرره من الاستعمار، على غرار العديد من شعوب العالم الثالث والتي قادتها البرجوازية عجزت عن تحقيق الانعتاق من هيمنة الامبريالية وإنجاز السيادة الوطنية الحقيقية. هذه المهمة التي تتحمل الطبقة العاملة بواسطة حزبها المستقل عن البرجوازية، مسئولية إنجازها لكونها الطبقة الأكثر ثورية باعتبارها الطبقة النقيض للرأسمالية، وذلك بمعية الفلاحين الفقراء والمعدمين وكادحي المدن كحلفائها الموثوقين وباقي الطبقات الشعبية.

لقد شهدت الطبقة العاملة المغربية توسعا كبيرا بفعل اكتساح الرأسمالية للبادية وتشكيل الضيعات الكبرى وتحويل جزء كبير من الفلاحين إلى عمال وعاملات (مليون عامل وعاملة زراعية)، ولجوء الدولة إلى المناولة وخوصصة القطاعات شبه العمومية والقطاعات الاجتماعية (التعليم والصحة والنقل والماء والكهرباء) وفتح الباب أمام الشركات المتعددة الاستيطان للاستثمار في الصناعة والخدمات في المناطق الحرة المنتشرة في العديد من المدن واكتساح الراسمال لتجارة التقسيط المساحات الكبرى). ويقدر حجمها في حوالي أربعة ملايين ونصف. وعرفت تغيرات نوعية من خلال التحاق النساء والشباب المتعلم وتعاني من الاستغلال المكثف والغلاء والهشاشة.

هكذا تمثل الطبقة العاملة المغربية جزءا وازنا من الشعب المغربي وتعيش وضعا صعبا وتتوفر على مؤهلات مهمة تمكنها من الانتقال من طبقة في ذاتها إلى طبقة لذاتها. وفي هذا الإطار، فإن مسئولية المناضلين(ات) المنحازين إلى الطبقة العاملة والمسلحين بالماركسية اللينينية هي أخد المبادرة للانخراط بقوة وحماس، في بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة، الحزب الذي ينصهر داخله المثقفون(ات) الثوريون(ات) الماركسيون(ات)-اللينينيون(ات) مع الطلائع العمالية والكادحة من خلال العمل الدؤوب من أجل التجدر وسط الطبقة العاملة وعموم الكادحين وتطوير خطه الفكري والسياسي والتنظيمي.

إن التقدم في بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية سيؤثر بشكل إيجابي على سيرورة بناء جبهة الطبقات الشعبية وسيرورة بناء التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير العمالية والكادحة وخاصة على العمل النقابي الذي يشكل الأداة الأساسية للنضال الاقتصادي للطبقة العاملة وإحدى الوسائل لاكتساب الوعي الطبقي كما أن التقدم في هاتين السيرورتين سيكون له انعكاس إيجابي على بناء حزب الطبقة العاملة.

وخلاصة القول أن راهنية بناء حزب الطبقة العاملة والسعي الحثيث والقوي والإرادة الصلبة والراسخة لبناء هذا الصرح العظيم ترتكز إلى الوعي العميق أن العالم ومنطقتنا وبلدنا في مفترق الطرق، إما ستستعد الطبقة العاملة المغربية من خلال التقدم في بناء حزبها والمساهمة الفعالة في بناء جبهة الطبقات الشعبية والتنظيمات الذاتية للجماهير الشعبية، لكي تكون فاعلا حاسما فيه وإما ستخلف الموعد مما سيكون له انعكاسات كارثية ليس عليها فحسب بل على الشعب المغربي بأكمله.

o