افتتاحية: في سيرورة بناء التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية
في سيرورة بناء التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية
تأسس النهج الديمقراطي، كاستمرارية سياسية وفكرية لتجربة الحركة الماركسية اللينينية المغربية، وخاصة منظمة “إلى الأمام”. وقد أعطى أهمية بالغة للتنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية، وخاصة الطبقة العاملة باعتبار غيابها شكّل أحد أسباب التراجع والانهيارات الكبرى.
هكذا اعتبر النهج الديمقراطي، منذ تأسيسه، بناء وتوحيد وتطوير التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية، وعلى رأسها النقابات العمالية التي اعتبرها أول مدرسة تتعلم فيها الطبقة العاملة النضال والتنظيم والاستراتيجيا والتكتيك والتضامن يمثل ثاني أهم سيرورة يشتغل عليها بعد سيرورة بناء الأداة السياسية، ثم التنظيم السياسي للطبقة العاملة وعموم الكادحين والكادحات ويلي مؤتمره الوطني الخامس، أكد نفس الحزب الماركسي اللينيني على هذه السيرورة التي تعتبر حاسمة في نجاح الثورة (السيرورة الأولى).
ويعطي النهج الديمقراطي العمالي أهمية خاصة لبناء جبهة الطبقات الشعبية (السيرورة الثالثة التي تضم، إضافة للطبقة العاملة والفلاحين الكادحين وكادحي المدن البرجوازية الصفرى وجزء من البرجوازية المتوسطة وأيضا المساهمة في بناء أممية ماركسية (السيرورة الرابعة).
ولابد من التأكيد هنا على أن التنظيمات الذاتية المستقلة تختلف نوعيا عن المنظمات غير الحكومية التي أغلبيتها الساحقة، تبنى من فوق من طرف نخب، والممولة في غالب الأحيان من طرف مؤسسات تابعة لرأسماليين كبار (روكفلير وبيل غيتس وصوروص وغيرهم) أو من المخابرات أو الدول الغربية أو من أحزاب يمينية او اجتماعية ديمقراطية غربية.
لقد شدد النهج الديمقراطي بقوة على ضرورة استقلالية التنظيمات الذاتية ليس عن أجهزة الدولة فحسب، بل أيضا على القوى السياسية وغيرها العاملة وسطها بما فيها حزب النهج الديمقراطي العمالي، هذه الاستقلالية لا تتناقض مع حقنا في الدفاع بشكل ديمقراطي، على تصوراتنا ومواقفنا داخلها لأن هذه التنظيمات هي ميدان ورهان للصراع بين مشاريع طبقية مختلفة، بل متناقضة إلى هذا الحد أو ذاك الشيء الذي يعني أنه إذا لم تستطع إقناع القواعد بتصوراتنا ومواقفنا، فلا يجب أن ننسحب منها وأن نؤسس تنظيمات أخرى، ممّا يؤدي إلى تقسيم وإضعاف الحركة الجماهيرية، بل يجب أن نسائل تصوراتنا ومواقفنا وسلوكاتنا وممارستنا النضالية داخلها.
وفي حالة ما إذا سادت تصوراتنا ومواقفنا داخل منظمة ما لابد من احترام خصوصيتها، (نقابة أو جمعية حقوقية او نسانية أو غيرها)، وأخد بعين الاعتبار كون أغلبها تضم في صفوفها طبقات وفئات شعبية مختلفة.
إن أهمية هذه التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية تنبع من بين أشياء أخرى من كونها القاعدة الجماهيرية لجبهة الطبقات الشعبية (السيرورة الثالثة).
ان توحيد هذه التنظيمات مهمة بالغة التعقيد. لذلك تتمثل أول خطوة على هذا الطريق في السعي إلى توحيدها في النضاال مثلا يصعب توحيد نقابتين في نقابة واحدة. لكن ما دام أن هاتين النقابتين من المفترض أن لهما نفس الهدف في الدفاع عن مصالح العمال والشغيلة بشكل عام، فإنه يصعب على قيادتيهما معارضة النضال المشترك. وفي حال تم رفض الوحدة في النضال من طرف قيادة إحدى النقابتين فإن ذلك يفضحها أمام القواعد ويساهم في إضعافها.
ومن هنا يؤكد حزب النهج الديمقراطي العمالي أن احترام هذه الاستقلالية ضرورية حتى بعد انجاز الثورة وأن التعامل مع هذه التنظيمات كتوابع للحزب يضر بالثورة وبترسيخها وتعميقها. إن بعض الانحرافات تنبع من “اختفاء مركزية علاقات الإنتاج التي تم تعويضها بالتأكيد على علاقات الملكية وعلى تطوير قوى الإنتاج التي اعتبرت محايدة. كما أن الاعتقاد الخاطيء بأن الصراع الطبقي قد ينتفى في ظل الاشتراكية وأن لا حاجة للصراع الفكري والسياسي وكون الصراع يظل فوقيا بين قيادة الحزب ومدراء المقاولات عوض ادماج الطبقة العاملة وحلفائها الموثوق فيهم باعتبارهم الطبقات والفئات المعنية أكثر من غيرها بمال هذا الصراع، كل ذلك قد ساهم في انهيار تجارب بناء الاشتراكية ومن أهم الدروس أن يتجند الحزب بكافة منظماته لبناء تجارب بديلة تحدث ذلك التمفصل الضروري بين الحزب والتنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير.