بأي معنى يتم استعمال القضاء أو تلك الشجرة التي تخفي الغابة؟

بأي معنى يتم استعمال القضاء أو تلك الشجرة التي تخفي الغابة؟

هل استيقظت الضمائر من أجل تفعيل المحاسبة والضرب على أيدي المجرمين؟ ما الجديد في الحملة القضائية الراهنة والذي يجعلها مختلفة عن سابقاتها؟ هي بعض الأسئلة المثارة اليوم أمام ما تعيشه ردهات بعض المحاكم بالمغرب.

ما يدفعنا لإثارة هذه الأسئلة، هو تجربة شعبنا في هذا المجال الخاص بتنزيل النظام لسياسة التنفيس الاجتماعي أكثر مما هي فتح ورش المحاسبة ووضع حد لجرائم تبذير المال العام. لقد دأب النظام القائم على تقديم بعض الملفات إلى النيابة العامة لتنظر في ما ينسب من الاختلاسات أو الجرائم المالية والاقتصادية أو الفساد الإداري وحالات الفساد الأخلاقي. كانت هذه الملفات في الغالب معروفة وموضوعة على الطاولة، تنتظر ساعة المعالجة القضائية. وكانت الساعة تحدد بشروط الوضع العام بالبلاد. في هذا الإطار قدم وزراء ومدراء وعمال وكوميسيرات وأعضاء مختلف الرتب في الأجهزة الأمنية والقضائية. ما كان يحدد تلك الساعة هو ما تقتضيه السياسة العامة من أجل تقديم أكباش التضحية، وهي في الغالب عناصر تغولت وتعفنت ولم تعد تصلح لمواصلة المهام الموكولة لها، بل أصبحت مصدر تشويش وإثارة الشبهات وطنيا ودوليا، تهدد البنية العامة للنظام.

إن الحملة الجديدة تحمل من المؤشرات والمضامين ما يجعلها تشبه نفس الملفات السابقة. إن هذه الملفات كانت على الطاولة وضمن ملفات أخطر وأوسع، لكنها تعالج اليوم بالطريقة المعتادة وبكثير من الصخب الإعلامي، بينما المنظمات الحقوقية تصر على ضرورة المعالجة الشاملة بعيدا عن الانتقائية وسياسة ذر الرماد في الأعين.

من بين هذه الملفات وأهمها نظرا للوضعية الاقتصادية والاجتماعية المأزومة إلى حد بعيد، هو ملف احتكار مواد الطاقة والتلاعب في أثمانها، مما يضرب القدرة الشرائية للطبقات الشعبية ويزيد من التهاب الأسعار وغلاء المواد الأساسية في معيشة الطبقات الشعبية المفقرة. إنه ملف يمكن عرضه ضمن الجرائم السياسية الجسيمة. هذا الملف لا تستطيع أية جهة حتى الاقتراب منه، ومن يحاول يتعرض إلى التوبيخ أو الإبعاد بطرق شتى ومنها الإقصاء ونزع المسؤوليات والاختصاص. هكذا نتابع أشواطا من الصراع المحتدم على المواقع، ومن أجل رسم الحدود للملفات المحصنة والمتمتعة بالحماية.

من خلال طبيعة الملفات المعروضة على القضاء، يتضح بأن سياسة الكيل بمكيالين تطبق بشكل مكشوف وفي تحد واضح للإرادة الشعبية، والتي لو احترمت لتم عرض العديد من الملفات وبالأسبقية المطلقة على القضاء وتفعيل واجب المحاسبة والضرب على أيدي الاحتكاريين واللصوص ومبذري الأموال العمومية والمتسببين الرئيسيين في جريمة الغلاء. لكنه لم يقع ذلك وسيكون من السذاجة انتظاره. إن تشغيل الماكينة القضائية مرهون لمن يمتلك زمام رسم السياسات العامة بالبلاد. ولقد دأبت هذه الجهات على استعمال جهاز القضاء وسلطته لتصريف سياسة التنفيس الاجتماعي ومعالجة الأزمات عبر تقديم أكباش الفداء لتحاشي وتجنب الانفجارات الاجتماعية. يتم توجيه القضاء لخدمة ما يسمى بالمصلحة العامة التي تقتضي تطويع بعض المنفلتين، والضرب على أيديهم حتى يتعظ الآخرون. ليعطى بهم المثال بأن الدولة قادرة على ضبط شؤونها بما يقتضيه الشعار الزائف القائل بدولة الحق والقانون. إنها سياسة الضبط الاجتماعي للحفاظ على شروط استمرار الاحتكاريين والمتنفذين في المزيد من السيطرة والهيمنة وحمايتهم من المحاسبة والمساءلة كما يجري اليوم مع المتنفذين والمتحكمين في قطاع الطاقة وفي قطاعات حيوية بالبلاد أو في مجالات استعمال النفوذ السياسي وريع المناصب الكبرى المدنية والأمنية والعسكرية.


العدد 515 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك