انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو، ترجمة مرتضى العبيدي (I)
انتفاضة أكتوبر 2015 المنسية ببوركينا فاسو (الجزء 1/5)
• ترجمة مرتضى العبيدي
امتدّ صدى الموجة الثورية التي عاشتها المنطقة العربية في مستهل العشرية الثانية من هذا القرن الى بلدان أخرى لعل أبرزها “بوركينا فاسو” التي شهدت يومي 30 و31 أكتوبر 2014 حركة احتجاجية كبيرة توجهت الى البرلمان لمنعه من إقرار التحوير الدستوري الذي كان سيبيح للرئيس “بلاز كمباوري” من الترشح مجددا للرئاسة التي يتربع على عرشها منذ انقلابه على “توماس سانكارا” سنة 1987. لكن الشراسة التي ووجه بها المتظاهرون حوّلت هذه الحركة الاحتجاجية السلمية الى انتفاضة عارمة، تدخلت أطراف عديدة وخاصة الامبريالية الفرنسية لإخمادها وتحويلها عن المسار التي بدأت تخطّه لنفسها. وقد تعرّض “الحزب الشيوعي الثوري الفولتاييكي” بالتحليل لهذه الانتفاضة ودروسها في كراس أصدره في جانفي / يناير 2015 تخت عنوان ” لنستعدّ للثورة على ضوء مكاسب ودروس الانتفاضة الشعبية ليومي 30 و31 أكتوبر2014 ” ننشره في ما يلي على حلقات، مساهمة في فهم ما جرى وما يجري اليوم في هذا البلد الشقيق الذي شهد منذ سنة ما لا يقلّ عن ثلاثة انقلابات عسكرية.
المترجم
لنستعدّ للثورة على ضوء مكاسب ودروس
الانتفاضة الشعبية ليومي 30 و31 أكتوبر 2014
المقدمة
لقد عاش مجتمعنا في العشريّة الأخيرة أزمة ثوريّة تطوّرت بقفزات. فالحراك الثوري، ومنذ اغتيال الصّحفي نوبار زونقو وأصدقائه السيئي الحظّ، قد تعمّقت واتسعت لتحمل طموحات شعبنا، وعرفت قفزة نوعيّة في 30 و31 أكتوبر 2014، وعرف التاريخ نسقا متسارعا، وتمكّن شعبنا البطل خلال انتفاضته من زعزعة أسس النظام الاستعماريّ الجديد، وكنس المافيوزي بلاز كمباوري. لقد كان لهذه الانتفاضة بعدا تاريخيّا على المستوى الوطني وعلى مستوى المنطقة، وكذلك على الصعيد الدّولي؛ كما كانت الانتفاضة حبلى بالدروس. فقد برهنت على أن مسألة الثورة مطروحة، ويجب انجازها.
واكتست مسألة طرح الأسئلة الأساسيّة التالية، والإجابة عنها بصورة صحيحة، أهميّة قصوى وذلك على ضوء مكاسب ودروس الانتفاضة الشعبيّة:
• ما هو طابع الثورة التي يحتاجها مجتمعنا، وما هي الأهداف المرسومة؟
• من هي القوى الاجتماعية التي لها مصلحة في الثورة، والقادرة على انجازها، من هي القوى التي يجب أن تقود الثورة؟
• كيف يجب تنظيم هذه الثورة حتى تكون مظفّرة، وحتّى تتمكّن من تحقيق أهدافها؟
يتعيّن على الحزب الشيوعي الثوري لفولتا العليا أن يجيب بوضوح، وبشكل سليم على هذه الأسئلة الأساسية من أجل:
• إنارة طريق الطبقة العاملة والشعب بكلّ مكوّناته، وتوجيه نضالهم وطاقتهم في الاتجاه الثوريّ
• تمكينهم من تجاوز الصعوبات والمزالق التي يضعها الأعداء أمامهم محاولين إبعادهم و/أو تخريب نضالهم الثوريّ
• تمكينهم من تحقيق وحدتهم الثوريّة حول الحزب الشيوعي الثوري الفولتييكي لتنظيم وانجاز الثورة الوطنيّة الديمقراطيّة والشعبيّة حتى تحقّق أهدافها.
I. انتفاضة 30 و31 أكتوبر 2014: أبعادها وحدودها والدروس المستخلصة
خلال 30 و31 أكتوبر، تمكّن شعبنا من إنجاز انتفاضة كرّست سقوط كلّ من بلاز كوباوري، والجمعيّة الوطنيّة والحكومة. لقد هاجم المتظاهرون الجمعيّة العامّة وكل رموزها وكبار الشخصيّات في سلطة الجمهوريّة الخامسة.
وقد كان لهذه الانتفاضة بعدا سياسيّا كبيرا على المستوى الوطني وعلى مستوى المنطقة، وكذلك على الصعيد الدّولي.
لقد أكّدت الانتفاضة على قدرة الطبقة العاملة والشعب على إنجاز الانتفاضة الشعبية وكنس مضطهِديهم من البورجوازيّة الرجعيّة والقوى الامبرياليّة.
كما برهنت على الطاقة الثوريّة وروح التضحية، والمقاومة والاستبسال التي يتحلّى بها الشعب والشبيبة الثوريّة.
وأعادت الانتفاضة الأمل لشعبنا، الذي تفطّن إلى قوّته، وإلى شعوب المنطقة، وإلى البروليتاريا وشعوب العالم، الذين بالمقابل عبّروا عن مساندتهم ودعمهم اللامتناهي للحراك الثوري في بلادنا.
وقد كان لهذه الانتفاضة حدود لم تمكنها من التحوّل إلى ثورة مظفّرة، وهي كالتالي:
• لم يكن للشعب التنظيم الملائم لافتكاك السلطة وممارستها مثل المجالس أو السوفياتات. والسوفياتات تمثّل تنظيم الطبقة العاملة والفلاحين، ومجمل الشعب من أجل افتكاك السلطة عبر الانتفاضة، والحفاظ عليها باسم الشعب ومن أجله. ومن خلال السوفياتات، تكرّس الطبقة العاملة تحالفها مع الفلاحين الكادحين والثوريّين من أجل تركيز الديكتاتوريّة الثوريّة للطبقة العاملة والفلاحين تحت قيادة البروليتاريا وحزبها ألطلائعي. لقد غابت هذه الهياكل خلال انتفاضة 30 و31 أكتوبر.
• لقد كان الشعب المنتفض أعزلا. وقد برهنت الوقائع أن انتفاضة بدون سلاح، لا يمكن أن تؤدّي إلى الانتصار ضدّ البورجوازيّة والامبرياليّة الفرنسيّة. وتؤكّد التجربة التاريخيّة للبروليتاريا والشعوب أنّ الانتفاضة متى لم تكن مسلّحة، وما لم ينتقل جزء من القوى المسلّحة إلى صفّ المنتفضين، فهي عاجزة عن تفكيك البورجوازيّة وقواها المسلّحة التي تحميها، ويصبح انتصار الثورة أمرا مستحيلا.
• ظل الجهاز العسكري، وجزء من الجهاز السياسي والإداري متعافين، بالإضافة إلى قوات الاحتلال الفرنسيّة والأمريكية المستقرّة هناك لحماية بلاز كومباوري.
• وإن شاركت جماهير الفلاحين في الانتفاضة، إلاّ أنّها لم تكن منخرطة بشكل مكثّف، علما وأنّها تمثّل أكبر قوّة ثورية في بلادنا المستعمرة، والمتميّزة بطابعها الفلاحيّ المتخلّف. وهذا ما يطرح الحاجة إلى العمل من أجل إعداد جماهير الفلاحين للنضال لأنّها القوّة الأولى بالنظر إلى كون بلادنا بلدا فلاحيّا متخلّفا.
• لقد كشفت درجة التنظيم وقيادة الانتفاضة الشعبيّة عن النقائص التي استخلص منها الحزب الدروس الأولى التي فرضت نفسها.
• وبالنظر إلى نقاط الضعف التي اتّسم بها الحراك الثوري، فقد نظّم الاستعمار الفرنسي وحلفاؤه من البورجوازيّة الرجعيّة، والبلدان الخاضعة للهيمنة الفرنسية انقلابا معاد للثورة وذلك يوم 1 نوفمبر 2014 بالاعتماد على الفصائل الفاشيّة في قوى الدفاع والأمن المكلّفة بالأمن الرئاسيّ.
1) المناورات والمؤامرات من أجل تخريب ديناميكيّة الانتفاضة الشعبيّة وإنقاذ النظام الاستعماري الجديد
تفاجأت المعارضة البورجوازية الرجعيّة، ومن يدور في فلكها داخل منظمات المجتمع المدني والذين حاولوا الركوب في وقت من الأوقات على الحراك الشعبي، وأصيبوا بالهلع من اتّساع وحزم الانتفاضة الشعبيّة التي وضعت أمامها هدفا أساسيّا وهو قلب النظام الاستعماري الجديد. ومثلما عبّر عن ذلك علنا زعيم المعارضة البرلمانيّة زيفرين ديابري على موجات الإذاعات ومن ضمنها راديو فرنسا الدوليّة:
• لم يرغبوا في قلب سلطة بلاز كومباوري وعصابته. كانوا يريدونه فقط في أن يتبنّى مشروع تعديل الفصل 37، وإتمام مدّته الرئاسيّة في 2015.
• لم تكن لديهم سلطة أو رقابة ما على الانتفاضة الشعبية، وكانوا مرعوبين، لهذا اتصلت المعارضة البرلمانيّة، ومن يدور في فلكهم من منظمات المجتمع المدني، بالقوّات المسلّحة من أجل تدبير انقلاب عسكري. قد وضّح المسؤول عن الهيئة الرّافضة للاستفتاء، وجهة نظرها في أعمدة جريدة ” ملاحظ بالقا”.
يذهب هذا التحليل في اتجاه أهداف الاستعمار الفرنسي الذي دأب سفيره في واقادوقو على التنقّل باستمرار بين مقر المعارضة البرلمانيّة والقيادة العليا للقوّات المسلّحة لإصدار التعليمات، وكأنّه الحاكم الاستعماري الفعلي للبلاد. لنقل إن الاستعمار الفرنسي قد نظّم الردّ على الانتفاضة، ذاك الردّ المضادّ للثورة استجابة إلى دعوات المعارضة البرلمانيّة، وبدعم منها، وكذلك من بعض الزعماء الانقلابيين في بعض منظمات المجتمع المدني:
• نَظّم انقلابا ضدّ الانتفاضة بهدف خنق الثورة. ولهذا الغرض، فقد اعتمد على الجزء الأكثر فاشيّة من فوج الأمن الرئاسي، وتمّ الضغط عل كبار الضبّاط الفاسدين من أجل الالتحاق بالملازم العقيد زيدا؛
• هرّب بلاز كومباوري وعائلته في اتجاه الكوت ديفوار والبنين للتّهرّب من العدالة، وضمن له ولعدد من المدنيين الذين يساندونه وبعضا من ضباط فوج الأمن الرئاسيّ، الإفلات من العقاب. ولهذا الغرض اعتمد الاستعمار الفرنسي على قيادة القوى الخاصّة وفوج الأمن الرئاسيّ. وقد سمح تحرّك قيادة القوى الخاصّة إلى لوران فابيوس من طمأنة الفرنسيين وإشعارهم أنّ الوضع تحت السيطرة.
• أجبر الخدم في المعارضة البورجوازية المحافظة، مساندة الانقلاب وفوج الأمن الرئاسيّ. وفي هذا الصدد صرّح ساليف ديللو، والعار يكسوه، على موجات راديو فرنسا الدوليّة: لا يمكننا أن نفعل شيئا بدون فوج الأمن الرئاسيّ، لأنه الجزء الأكثر انضباطا والأكثر تسليحا ضمن القوى المسلّحة.
• تجنّب التنديد ولو شكليّا بالانقلاب، ومن ثمّة ضمن صمت كل بلدان المنطقة الخاضعين لسلطته
• دفع منظمة الوحدة الإفريقية والمجموعة الاقتصاديّة لدول إفريقيا الغربيّة إلى عدم التنديد بالانقلاب، والسعي إلى ” الانتقال الشامل” الذي انخرط فيه كبار الشخصيّات من سلطة بلاز كومباوري المافيوزي، وحلفائهم من الجبهة الجمهوريّة.
وإن اخترع الاستعمار الفرنسي فكرة “انتقال السلطة إلى المدنيّين”، فهو للأسباب التالية:
• ندّد الشعب بالانقلاب المعادي للثورة لأنّه قد رأى في ذلك اغتصابا لثورته، إضافة إلى أنّه قد مكّن الجيش، الماسك بالسلطة منذ 1966، إلى افتكاكها من جديد
• يسعى الاستعمار الفرنسي الذي يمرّ ببعض الصّعوبات، من خلال هذا الانتقال، إلى خلق تحالفات مع القوى البورجوازية الرجعيّة المنقسمة والعاجزة عن إنقاذ النظام الاستعماري الجديد، وتنظيم انتخابات مزوّرة تسمح للمعارضة البورجوازية المحافظة وللشخصيّات الكبيرة للجمهورية الخامسة وحلفائهم، من اقتسام السلطة والإفلات من العقاب. وقد كان رجال المعارضة البورجوازية المحافظة جميعهم قد خدموا في ماضي قريب أو متوسّط السلطة العميلة والمافيوزية لبلاز كومباوري. لهذا بالذات، فقد قبلوا، وهم الخدم المعلنون، بذاك المخطّط المعادي للثورة الذي عرضه الاستعمار الفرنسي.
• هكذا إذن، يتبيّن أن الطبقة العاملة والشعب لا ينتظرون شيئا من هذه المرحلة الانتقاليّة التي هي جزء لا يتجزّأ من المناورات والمؤامرات التي يخطّط لها الاستعمار الفرنسي من أجل حماية مصالحه السياسيّة والاقتصاديّة والإستراتيجية والعسكريّة في بلادنا التي يحتلّها عسكريّا. لن يأتي هذا الانتقال بتغيير فعلي يطمح إليه كلّ من الطبقة العاملة والشعب.
يتبع