افتتاحية: مغرب الولاء للفساد والحرب على التربية والتعليم إلى متى؟
مغرب الولاء للفساد والحرب على التربية والتعليم إلى متى؟
كلمة العدد 538 من جريدة النهج الديمقراطي
لا يكاد الوضع السياسي والاجتماعي أن يستقر على حال في الممغرب إلا وهبت عواصف الفساد والأزمة في مجموع القطاعات. غير أن المثير في الأيام الراهنة هو تعمق أزمة قطاع التربية والتعليم، في وضعية غير مسبوقة ومتعددة الأبعاد. وأما ملفات المفسدين التي أريد لها أن تكون موضوع اهتمام الرأي العام بشكل متحكم فيه، هي تلك الأخبار التي تطلع علينا بمتابعة أو محاكمة بعض “المنتخبين” في الجماعات الترابية أو برلمانيين كانت اصابع الاتهام تشير إليهم منذ مدة ليست بالقصيرة.
لقد نما الفساد في المغرب بشكل مؤسس وأصبح جزء من النظام السياسي يخترق فئات واسعة من المجتمع. وكانت دائما ترعاه الطبقة الحاكمة وتحاول أن تربي أجيالا كاملة ذات قابلية للإفساد والتطبيع مع الفساد. هذه الأجيال استطاعت أن تفرز نخبة وزعماء مفسدين يحمون دار المخزن وتحميهم السلطات الراعية للنظام القائم على الفساد والإفساد. ولضمان استدامة الفساد تتم من حين لآخر عمليات إسقاط بعض أكباش الفداء وتجديد النخب ذات الولاء الأكبر لنظامها الحاكم، بدعوى بعض الشعارات اللامعة “ربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق الحياة العامة”، وقد دبج دستور 2011 كما نص في العديد من بنوده على دعم آليات الرقابة ومأسسة عملية الافتحاص التي تستتبع صرف “بعض” الميزانيات والمالية العمومية، كلما دعت الضرورة والمصالح المتبادلة إلى ذلك…
هكذا تناهي إلى علم الرأي العام متابعة بعض المسؤولين وبعض السياسيين بتهم تبذير المال العام، ورصد بعض الاختلالات وحتى الاختلاسات أحيانا والمتاجرة في تفويت الصفقات العمومية وعرض “بعض” الملفات بلغت نسبة 10 في المائة من البرلمانيين حتى الآن واللائحة لا تزال مفتوحة على أسماء مرشحة للمثول أمام القضاء والمسائلة. ومع ذلك يستمر الولاء للفساد سيد المؤسسات المخزنية مركزيا وفي الأطراف.
وبينما تكبر مدارس الفساد وتتنوع برعاية شاملة، يتم الهجوم على المدرسة العمومية ومنظومة التربية والتعليم برمتها، لعلها تكون سياسة وقائية من أن تنتج الأطر الكفيلة بقيادة انقلاب شامل على الجهل المؤسس والفساد المقدس. لقد دأب النطام الفائم في المغرب على محاربة المعرفة ونشر الأساطير والخرافة، بدءا بالأطر التربوية في دور الشباب في الاحياء الشعبية ثم في المدرسة العمومية والجامعة المغربية التي كانت تمد المجتمع المغربي بأطر كفيلة بزراعة مناعة ذاتية ضد المسفدين واستتباب قيم ومثل عليا، يكبر وينمو فيها ابناء وبنات الجماهير الشعبية وتتقوى عزائمهم نحو قلب ميزان قوى يسترجع لهم الكرامة ويحقق لهم الأساس المادي للتوزيع العادل لثروات وطنهم، التي لا يعرفون عنها شيئا سوى بعض فضائح المهربين الكبار منهم والصغار.
لا يزال المغاربة ينشدون التغيير وتحقیق مواطنتهم المسلوبة ولا تزال معاركهم تتوسوع وتنتشر بين الفئات والطبقات الشعبية، وما الإضرابات والاحتجاجات الطويلة لنساء ورجال التعليم، سوى نموذجا يتقدم معارك جديدة واسعة الانتشار، ما دامت الأزمة بنيوية وهي آخذة في التعمق، خاصة مع سبادة حكومة خادمة للمؤسسات المالية الراسمالية المتوحشة ودولة فاشلة حتى في تدبير الأزمات، ناهيك أن تواجهها ببدائل تنموية وديمقراطية تستجيب للحاجيات الملحة للجماهير الشعبية.
تبقي المعركة الأولى في انتزاع مدرستنا التي تربي أبنائنا وتعلمهم تعليما موحداً علميا وعلمانيا مفتوح على مجموع الابتكارات العلمية، بما ينتج مجتمعا عصريا تحكمه الديمقراطية ويعيش بسلم وآمان متحرر من التبعية، تحكمه المساواة والعدالة الاجتماعية.
إنها معركة واحدة تقتضي تجاوز الحلقية والتشبع للفئان القطاعية الضيقة، لفائدة المعركة الطبقية الشاملة نحو التغيير الديمقراطي المنشود. فلا يمكننا أن نحرز مكاسب أو تقدم في قطاع ما، وباقي القطاعات مأزومة ومشلولة. فمطلب النظام الديمقراطي شأن جماهيري، يعني رص صفوف كل الطبقات الشعبية في جبهة واحدة تبني بدائلها السياسية والاجتماعية والتقافية على المشترك الذي بيدأ بالقضاء والتخلص من المخزن وفتح آفاق وآمال جديدة أمام مسيرة تقدم وازدهار شعبنا.
صدر العدد 538 من جريدة النهج الديمقراطي والخاص بالاسبوع من 11 الى 17 يناير 2024
يتناول ملف هذا العدد موضوعا راهنا وهو المتعلق بقراءة في حراك التعليم الذي اصبح قضية سياسية تشغل الراي العام ببلادنا.
حظيت الاحتجاجات والاضرابات الجارية في قطاع التعليم أو ما أصبح يسمى ب “حراك التعليم” باهتمام بالغ من طرف الرأي العام، بل أصبح شأنا مثيرا للنقاش حول أسبابه وآفاقه وآفاق منظومة التعليم في شموليتها. ذلك أن المشاركة الواسعة لنساء ورجال التعليم جعل مطالبتها بتحسين أوضاعهم المادية وتأطير العملية التعليمية بنظام أساسي منصف وعادل وبديل عن “نظام المآسي” الذي أنزاته الوزارة الوصية وحكومتها ضدها على ارادة المعنيين.
غير أن هذا “الحراك” انطلق بقوة وانتشر وسط فئات عريضة من نساء ورجال التعليم في اطار تنظيمي تمثل وتنوع بين النقابات والتنسيقيات التي تسمي نفسها مستقلة عن النقابات وإن تقاربت في نوع آخر من التنسيق يضم نقابة الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، إحدى النقابات الأكثر تمثيلية التي كانت مبعدة من الحوار ومقصية بدعوى أنها لا تحترم سرية الحوارات وتقدم نتائجها مباشرة للمعنيين. هذه التجربة النضالية تعتبر نوعية ضمت قاعدة مهمة من نساء ورجال التعليم. استطاعت أن تنزع بعض المكتسبات ضمن ما يعرف باتفاق 26 دجنبر الذي حاز على توقيع النقابات دون اقناع أو اقتناع التنسيقيات. مما قد يساهم فيتكريس أزمة وضعف التأطير النقابي كما هو شان باقي القطاعات في حال عدم استدراك الأمر…
هل استطاعت النقابات تحقيق الممكن في المرحلة، أم أن قرار استمرار التنسيقيات في الاضراب، مع ما رافقه من لجوء الوزارة لاتخاذ قرار التوقيف المؤقت للعشرات من الاساتذة/ات وتوقيف الأجور كأسلوب للضغط، كفيل بالخروج من النفق الذي تعيشه منظومة؟ ذلك ما نحاول ملامسته في هذا الملف مواكبة لقضية مجتمعية أساسية.