في خندق الحقيقة: نقابة الصحفيين الفلسطينيين وواجبها الأخلاقي في زمن الإبادة

في خندق الحقيقة: نقابة الصحفيين الفلسطينيين وواجبها الأخلاقي في زمن الإبادة

في خندق الحقيقة: نقابة الصحفيين الفلسطينيين وواجبها الأخلاقي في زمن الإبادة

بقلم: وسام زغبر – كاتب وإعلامي فلسطيني وعضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين




في زمنٍ تهاوت فيه كل القوانين، وتراجع فيه العالم عن أدنى واجباته الإنسانية تجاه غزة، وقفت نقابة الصحفيين الفلسطينيين على الجبهة الأمامية للحرب، بلا تردد أو حسابات ضيقة. لم تكتفِ بالبيانات ولا بالمناشدات، بل حملت عبء الحماية والرعاية والتمكين المهني لعشرات الصحفيين، في واحدة من أكثر البيئات فتكاً وخطورة في العالم.

ففي قلب المجازر، وبين الركام والانقطاع التام للتيار الكهربائي وخدمات الإنترنت والاتصالات، وفّرت النقابة ملاذًا للصحفيين، عبر مراكز التضامن الإعلامي في القطاع، والتي لم تكن مجرد مقار، بل أشبه بواحات للحقيقة داخل صحراء التعتيم. هناك، تمكّن الصحفيون من إرسال صور المجازر، ونقل رسائل الأهالي، وتوثيق جراح الأطفال والأمهات، رغم آلة الحرب التي تستهدف كل ما يتحرك، وكل من يروي الحقيقة.

ما يميز أداء النقابة في هذه المرحلة المفصلية، هو أنها لم تفرّق بين صحفي منتسب لها أو غير منتسب، ولا بين مؤسسة رسمية أو إعلام بديل. الجميع سواسية أمام نداء الواجب، والجميع يستحق الحماية والدعم، طالما أنّ الهدف هو واحد: فضح جرائم الاحتلال وكسر الحصار الإعلامي المفروض على غزة.

لقد كانت النقابة، وهي واحدة من أقدم الكيانات النقابية في فلسطين، على مستوى التحدي، فاستبقت المؤسسات الدولية التي تقاعست أو اكتفت ببيانات القلق، وقررت أن تضع إمكانياتها كلها في خدمة الميدان. جهزت المراكز بمصادر الطاقة والاتصال بالانترنت، وزوّدت الصحفيين بالأدوات اللوجستية الممكنة، بل وقدّمت الدعم النفسي والمعنوي لأسر الزملاء الشهداء والجرحى، الذين ارتقوا وهم يحملون الكاميرا والقلم لا السلاح.

وربما لا يدرك كثيرون أن الصحفي الفلسطيني في غزة، لا يواجه فقط خطر القتل المباشر من طائرات الاحتلال، بل يواجه أيضًا خطر الصمت الإجباري، حين يُحرم من أدوات التواصل والنشر، ويُحاصر بحصار من نوع جديد: حصار الرواية. وهنا لعبت النقابة دورًا كاسرًا، لتقول للعالم: لا حجّة لكم في الغياب، فالصورة وصلت، والكلمة نُشرت، وما عليكم إلا أن تتحركوا.

اليوم، ومع مرور أكثر من 600 يوم على حرب الإبادة في غزة، لا بد من رفع القبعة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، ليس فقط لجهودها، بل لموقفها المبدئي المنحاز للحقيقة، ولفلسطين، ولجميع الصحفيين دون تمييز. لقد أكدت أن الصحافة ليست مهنة فقط، بل رسالة، وأن النقابة ليست إطارًا تنظيميًا فحسب، بل حصن حماية وقوة دعم في أحلك اللحظات.

في زمن بات فيه الصحفي هدفًا، بات من الضروري أن يكون له ظهرٌ وسند. وهذا ما كانت عليه نقابتنا، وستبقى.