حول الدولة الاجتماعية
-
عبد الله الحريف
إن النظام السائد في المغرب هو، من الناحية الاقتصادية-الاجتماعية، نظام الرأسمالية التبعية الذي يرتكز إلى الاستغلال المباشر والمكثف للطبقة العاملة والاستغلال الغير مباشر لباقي الكادحين بواسطة التحكم في السوق والتمويل ونهب الخيرات الطبيعية من طرف الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة، ومن الناحية السياسية نظام المخزن المبني على الريع والافتراس والفساد والزبونية والقمع. هذا النظام الذي يعاني من تفاقم أزمة النظام الرأسمالي العالمي التي عمقتها حائحة كوفيد-19. فهل، في ظل هذا النظام الاقتصادي-الاجتماعي والسياسي المأزوم، يمكن بناء الدولة الاجتماعية التي تضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجميع، أم أن ما يعنيه دعاة الدولة الاجتماعية مجرد إجراءات اجتماعية ترقيعية لا ترقى إلى ضمان حياة كريمة للجميع؟ ذلك أن بناء الدولة الاجتماعية الحقيقية مشروط، في دول المحيط الرأسمالي، بالقضاء على التبعية للامبريالية والكتلة الطبقية السائدة ونظامهما المخزني؟
هكذا إذن، فإن بناء الدولة الاجتماعية الحقيقية مرتبط أشد ارتباط، في دول المحيط الرأسمالي، بإنجاز مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي ويتطلب، بالتالي، حل التناقض الرئيسي بين الطبقة العاملة وعموم الطبقات الشعبية من جهة أولى، والامبريالية والكتلة الطبقية السائدة والنظام المخزني من جهة ثانية. وهو ما يستوجب بناء جبهة الطبقات الشعبية.
وقد علمتنا التجارب في العديد من الدول( التجربة الناصرية في مصر والتجربة البعثية في العراق وغيرهما) أنه حين تكون قيادة جبهة الطبقات الشعبية في يد الطبقات الوسطى، تستطيع الامبريالية والبرجوازية التابعة لها إجهاض سيرورة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. لذلك لا بد من قيادة الطبقة العاملة وحلفائها الموثوقين( الفلاحون الفقراء والمعدمون وكادحو الاحياء الشعبية) للنضال من أجل التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. وهو ما يفرض بناء أدواتهم النضالية: الحزب المستقل للطبقة العاملة والمنظم للكادحين الذي يقود نضالهم من أجل تحررهم من الرأسمالية والأداة النقابية التي تقود نضالهم الاقتصادي وجبهة الطبقات الشعبية. وفي غياب ذلك، يبقى شعار الدولة الاجتماعية شعارا وهميا يخلق انتظارات وردية وسط الجماهير ويساهم في تخديرها.
للأسف، جل القوى اليسارية لا تطرح على نفسها هذه المهام.
فهي، عوض العمل على بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، تنادي ببناء الحزب اليساري الكبير ذي الهوية الطبقية البرجوازية الصغيرة وذي الهوية الايديولوجية اللبرالية المزينة بالأحلام الاجتماعية لدغدغة مشاعر الجماهير الشعبية المكتوية بنار الاستغلال والفقر والبطالة والقهر وذي البنية التنظيمية على التوافقات بين تيارات من أجل اقتسام المواقع.
وهي تعطي الأولوية للعمل في المؤسسات والانتخابات وتعتبر أن التغيير سيتم يواسطتها، بينما تبين تجربة العمل في المؤسسات التمثيلية، منذ 1962، أن هذه المؤسسات ساهمت في تقوية أركان النظام القائم وكانت وبالا على القوى الوطنية والديمقراطية التي شاركت فيها وأن التغيير لصالح الجماهير الشعبية لن يتم إلا إذا انخرطت الطبقات الشعبية بقوة في الصراع الطبقي وتقدمت في بناء أدواتها النضالية.
وهي عوض أن توحد قواها لتفرض تغييرات جذرية للعمل النقابي لكي يخدم مصالح الطبقة العاملة والكادحين، غالبا ما تساهم في تقسيم الحركة النقابية وفي كثير من الأحيان، تتنافس فيما بينها لاحتلال المواقع التنظيمية لكي يستفيد أعضائها من اشكال مختلفة من الريع.
وعوض العمل على بناء جبهة الطبقات الشعبية التي ستكون نتيجة تراكم تجارب بناء جبهات تكتيكية تركز على العدو الأكثر شراسة في كل فترة في إطار سيرورة معقدة وطويلة وتتطلب، الآن وهنا، بناء أوسع جبهة ضد المخزن، باعتباره العقبة الكأداء أمام أي تغيير لصالح الشعب، نراها تناهض أية علاقة مع القوى الاسلامية المناهضة للمخزن مساهمة بذلك في تقسيم صفوف الشعب وإلهائه في صراعات جانبية عوض التركيز على العدو الأساسي في الفترة الراهنة.