تصريح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمناسبة الذكرى الواحدة والأربعين لتأسيسها
تصريح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمناسبة الذكرى الواحدة والأربعين لتأسيسها
تحت شعار: “41 سنة من النضال المستمر من أجل كافة حقوق الإنسان للجميع“
تحل، اليوم الأربعاء 24 يونيو 2020، الذكرى الواحدة والأربعون لتأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (24 يونيو 1979)، بعد 41 سنة من النضال من أجل مغرب تسوده قيم الكرامة والحرية والمساواة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وكافة حقوق الانسان للجميع، وقد قرر المكتب المركزي إحياء هذه الذكرى تحت شعار: “41 سنة من النضال المستمر من أجل كافة حقوق الإنسان للجميع”. وذلك للتاكيد على استمرار الجمعية إلى جانب كافة القوى الديمقراطية الحية في بلادنا، في نضالها من أجل إقرار حقوق الإنسان الكونية والشمولية، ووقوفها مع كافة ضحايا انتهاكات حقوق الانسان.
بتاريخ 24 يونيو من سنة 1979، وفي خضم الصراع المرير من أجل بناء دولة الحق والقانون ومجتمع الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، مجتمع المواطنين والمواطنات الأحرار المتساوين في التمتع بكافة الحقوق الإنسانية بدون أدنى تمييز، تأسست الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كإطار حقوقي ينحدر مؤسسوه نساء ورجالا من تجارب سياسية ونقابية وجمعوية ونسائية تقدمية، وتراكم كفاحي شعبي انعكس على مستوى أهداف التي سطرها القانون الأساسي للجمعية، ومبادئها المترابطة والمتكاملة المتمثلة في كونية حقوق الإنسان، وشموليتها، والجماهيرية، والاستقلالية، والديمقراطية، والتقدمية.
وتتميز الجمعية كإطار وحدوي، بانفتاحها على مختلف الفعاليات الديمقراطية بالبلاد من أجل المساهمة الفعالة في فرض احترام حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها وإلى ترسيخها في الواقع، محليا وجهويا وكذا على الصعيد الدولي من خلال انخراطها في الحركة الحقوقية العالمية الهادفة إلى فرض احترام حقوق الإنسان والشعوب في كافة أرجاء المعمور، مع ما يتطلبه ذلك من تصدي للعولمة الليبرالية المتوحشة وللإمبريالية كحركة معادية لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وللصهيونية كحركة عنصرية، استعمارية وعدوانية.
ومنذ تأسيسها، نالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نصيبها من القمع الذي عرفته البلاد خلال هذه الفترة، إذ ضاعفت السلطات من أسلوب مضايقتها لأنشطة الجمعية وحرية التعبير عن آرائها ومواقفها اتجاه وضعية حقوق الإنسان بالبلاد حيث تم منع العديد من أنشطة فروعها، ومنع انعقاد المؤتمر الوطني الثاني للجمعية مرتين في مارس وفي يونيو 1983. كما تم اعتقال العديد من أطر ومنخرطي/ات الجمعية في 1981 و1983 و1984… وتمت محاكمتهم/هن ومازالت السلطات الأمنية، إلى يومنا هذا، تواصل تضييقها على الجمعية بأشكال محتفلة.
وفي خضم الحركية والمد الاجتماعي الذي عرفه المغرب أواخر الثمانينات، وبعد إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين ومن ضمنهم مسؤولي الجمعية، بدأت الترتيبات والخطوات لعقد المؤتمر الوطني الثاني (مؤتمر الانبعاث) الذي انعقد فعلا بتاريخ 11 مارس 1989 وشكل انطلاقة جديدة لنشاط الجمعية حيث حرصت منذ هذا التاريخ على عقد كل مؤتمراتها الموالية في موعدها وجعلها فضاء للنقاش الحر والديمقراطي ومجالا لبناء الخطط وفرصة لتجديد الدماء.
وخلال 41 سنة من تواجدها في الساحة الحقوقية، أصبحت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تشكل نموذجا خاصا بالنسبة لبنيتها التنظيمية وأساليب اشتغالها، فقد راكمت تجربة غنية في مجال التنظيم الجماهيري المتميز بقوته وعقلانيته وطابعه الديمقراطي، وفي العمل على تجسيد مفهوم العمل المنظم والديمقراطي. لذا يشكل التنظيم دائما أحد أبرز المجالات المهمة في عمل الجمعية وانشغالا أساسيا لجميع الأطر الوطنية والمحلية، وأهم القضايا المطروحة للتداول والنقاش خلال مؤتمراتها. باعتبار التنظيم آلية أساسية للنضال الحقوقي في مختلف مناطق المغرب والوقوف إلى جانب ضحايا الانتهاكات أينما كانوا.
هكذا استطاعت الجمعية أن توسع صفوفها وتضم إليها آلافا من المواطنين والمواطنات، بفضل فروعها التي تغطي جل مناطق المغرب بــما تزيد عن 100 فرع محلي وجهوي ولجان تحضيرية، منها ثلاثة فروع بالخارج؛ وأضحت مصدرا للمعلومة بالنسبة للعديد من الهيئات والمنابر الإعلامية والصحافيين والصحافيات، وملاذا للمواطنين والمواطنات ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بكل المدن والقرى، وهو اختيار تنظيمي مكنها أن تكون دائما إلى جانب فئات الشعب المغربي المتضررة من السياسات الحكومية وقراراتها؛ فكانت في مقدمة الهيئات الحقوقية المؤازرة للمعتقلين السياسيين والمطالبة بإطلاق سراحهم، ومنخرطة في كل نضالات الشعب المغربي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وكان شبابها في قلب احتجاجات سنة 2011 وفي صلب حركة 20 فبراير المجيدة، ودعمت احتجاجات المعطلين بمختلف فئاتهم، والنضالات النقابية الموظفين، وتواجدت مع المواطنين المتضررين من مختلف الإجراءات والسياسات العمومية المنتهكة لحقوق الإنسان…
كما اضطلعت الجمعية طيلة مسارها بدور رائد في إشاعة ثقافة حقوق الإنسان والتعريف بقيمها؛ حيث حظي مجال التربية والتثقيف، في مجال حقوق الإنسان، باهتمام خاص من طرفها، وشكل أحد المجالات التي حققت فيها الجمعية الريادة توجت بحصولها على جائزة إفريقية سنة 2015. وتعزز عملها هذا بإبرام الجمعية ــ بمعية المنظمة المغربية ح إ وأمنستي ــ اتفاقية الشراكة مع وزارة التربية الوطنية مركزيا منذ سنة 2004 نفذت في إطارها الجمعية خلال عقد من الزمن العديد من البرامج التكوينية لفائدة شرائح مختلفة من الشعب المغربي، وصلت أكثر من 45 ألفا من المستفيدين من ضمنهم تلاميذ وتلميذات التعليم الابتدائي (في إطار مشروع مشتل) والثانوي الإعدادي والتأهيلي(مشروع بروميثيوس والأندية الحقوقية) وأساتذتهم (مشروع ابن رشد)، وطلبة التعليم العالي (مشروع أمل)، والأساتذة الباحثون(مشروع ماراغا)؛ والمحامون (مشروع مؤازرة)، والإعلاميون (مشروع أفكار حرة)، والفنانون(مشروع مايكل أنجلو)، و المناضلون النقابيون (مشروع تقاطع)…
وانطلاقا من مبدأ كونية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة، استطاعت الجمعية رغم كل التعسفات التي تتعرض لها والمضايقات التي تستهدفها، أن تساهم إلى جانب الحركة الحقوقية والديمقراطية، في انتزاع مكاسب حقوقية هامة (إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، عودة المنفيين، إصدار توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، اعتماد الدولة للأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، دسترة بعض الحقوق والحريات، إعمال عدد من حقوق النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة…، رغم هشاشة هذه المكاسب). فضلا عن اهتمامها بالوضع الاتفاقي للمغرب من خلال التركيز على: المصادقة على المواثيق الدولية وملاءمة التشريع المحلي معها احترام مقتضياتها.
ويحسب للجمعية أنها من أوائل التنظيمات التي بسطت أسئلة حول موضوعات ظلت تعتبر من الطابوهات، مثل إصدار لائحة للمسؤولين المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان (لائحة 45 سنة 2000) والمطالبة بفتح تحقيق حول تلك الانتهاكات، وتبني مطلب العلمانية، والمساواة في الإرث، والمساواة التامة بين النساء والرجال، وقضايا الحريات الفردية كحرية المعتقد وحماية المعطيات الشخصية واحترام الهويات الجنسية، وجعل مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان شرطا لعدم التكرار، والترافع من أجل دستور ديمقراطي يضمن السيادة الشعبية وفصلا حقيقيا للسلط. كما ساهمت الجمعية في توسيع مفهوم المعتقلين السياسيين ليشمل معتقلي الحركات الاحتجاجية، وأولت أهمية لوضعية المدافعات/ات عن حقوق الإنسان والقضايا المرتبطة بحقوق الشعوب وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وبناء دولته على كامل تراب فلسطين وعاصمتها القدس، بالإضافة إلى الاهتمام بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والبيئية.
إن هذه الصيرورة النضالية بنفسها الجماهيري والوحدوي، جعلت دور الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أساسيا في العديد من الشبكات الوطنية (الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان…)، والإقليمية (التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان…) والدولية (الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان والشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان…). هذا الدور جعلها تحتل مكانة مهمة إقليميا ودوليا وهو ما بوأها الحصول على الجائزة الأفريقية للمدافعين عن حقوق الانسان، وحصول رئيستها السابقة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الانسان. هذه المكانة والتقدير اللذان تحظى بهما الجمعية وسط النسيج الحقوقي جعلاها عرضة للعديد من المضايقات والمحاولات الحثيثة للدولة، لإضعافها قصد تقليص تأثيرها، عبر سلسلة من هجمات السلطة، التي ارتفعت وتيرتها مع تصريحات وزير الداخلية، في 15 يوليوز 2014؛ وما أعقبها من منع للجمعية، بشكل ممنهج، من الولوج إلى القاعات والفضاءات العمومية والخاصة، ومن تنظيم المخيمات الخاصة بالتثقيف الحقوقي وسط الشباب، ومن إغلاق للمؤسسات التعليمية في وجهها، وحرمان أغلب فروعها من وصولات الإيداع ومن المنح والتمويل العمومي، واعتقال وقمع مناضلاتها ومناضليها؛ والتضييق على شركائها قصد عزلها وخنقها ماليا، الأمر الذي أفضى إلى استنزاف جزء مهم من طاقتها في عملية مواجهة وصد الهجوم المخزني عليها، وعلى عدد من مكونات الحركة الحقوقية والديمقراطية الوطنية والدولية.
وبالرغم من كل ذلك استطاعت الجمعية الصمود في مواجهة هذه الحملة المتواصلة، والاستمرار في تنفيذ برامجها، والاضطلاع برسالتها السامية في مجال الحماية، والمناصرة والترافع، بفضل ثبات وتضحيات مناضليها ومناضلاتها، والتزامهم/ن بقيم ومبادئ الجمعية، العمل التطوعي والميداني، وكذا بفضل التضامن المعبر عنه من طرف بعض مكونات النسيج الحقوقي والمدني المغربي، والاحتضان الواسع من قبل المنظمات الدولية ذات المصداقية والشبكات الدولية والإقليمية لمنظمات حقوق الإنسان.
إن إصرار الجمعية على القيام بأدوارها التي تفرضها رسالتها الحقوقية، وقدرتها على تخطي الصعاب التي تعترضها، هو ما مكنها من مواصلة نضالها في الشروط الصعبة التي فرضتها تدابير مقاومة الجائحة خلال هذه السنة وخاصة في الشهور الأربعة الأخيرة. حيث كان حضور الجمعية بارزا على مختلف الواجهات، سواء على مستوى فروعها التي واكبت أوضاع حقوق الإنسان في مختلف القرى والمدن التي تتواجد فيها، أو على مستوى مركزي حيث تعزز نشاطها عبر التواصل الرقمي، وتابعت مدى تأثير أوضاع الجائحة والتدابير التي اتخذتها الدولة ضدها على حقوق الإنسان بمختلف أصنافها.
ان الجمعية، وهي تخلد الذكرى الواحد ة والأربعين لتأسيسها، تحيي عاليا كافة مناضلاتها ومناضليها وتؤكد تشبثها بمواصلة النضال الوحدوي وانخراطها في حماية وإشاعة حقوق الإنسان، وتدعو كافة الديمقراطيات والديمقراطيين ببلادنا إلى المزيد من التعاون لتحقيق المطالب والأهداف الأساسية للحركة الحقوقية، معبرة في نفس الوقت عن تشبثها بشعار “وحدة العمل للدفاع عن حقوق الإنسان”؛ واستعدادها للعمل المشترك، من أجل الكرامة والحرية والمساواة والديمقراطية وكافة حقوق الإنسان للجميع والذي يشكل الميثاق الوطني لحقوق الإنسان أرضية مهمة للعمل المشترك للحركة الحقوقية، ووثيقة مرجعية لها في نضالها من أجل بناء دولة الحق والقانون، وفرض احترام الحريات وكافة حقوق الإنسان للجميع ببلادنا.
وفي الأخير، فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في ذكرى تأسيسها الواحدة والأربعين، تجدد عزمها الاستمرار في النضال بنفس متجدد وطاقة لا تنضب، وإرادة راسخة في مواجهة كل التحديات لمواصلة أداء رسالتها الإنسانية النبيلة كيفما كانت الصعاب ومهما كان الثمن.
وعاشت الجمعية متوهجة ومتجددة.
وعاشت الحركة الحقوقية متضامنة متآزرة.