نحو – إعدام! – عقوبة الإعدام: رزكار عقراوي
نحو – إعدام! – عقوبة الإعدام
رزكار عقراوي
سياسي واعلامي يساري
لماذا إلغاء عقوبة الإعدام؟
1. الحق في الحياة حق أصيل وأساسي وهو حق تحميه القوانين والمواثيق الدولية، عقوبة الإعدام عقوبة ثأرية عنيفة لاإنسانية تستند إلى عقلية الانتقام وليس البناء والإصلاح، وتتسبب في المزيد من الموت والقتل وهذا لا يعني إفلات المجرمين من العقاب و يجب ان يحاكموا بشكل عادل على جرائمهم، ليس هناك أي دليل او إحصائيات علمية على أن عقوبة الإعدام أشد ردعا وفعالية في الحد من الجريمة والعنف مقارنة بالسجن المؤبد مدى الحياة، حيث مازالت مستويات العنف مرتفعة جدا في الدول التي مازالت تطبق الإعدام مقارنة بالدول التي ألغت أو أوقفت تنفيذها. وحسب الإحصائيات الدول التي تمارس الإعدام فيها نسبة الجريمة والعنف أعلى بكثير من الدول التي ألغت العقوبة، فمثلا في كندا حسب منظمة العفو الدولية كان معدل جرائم القتل في عام 2008 أقل من نصف معدل عام 1976 الذي ألغت فيه عقوبة الإعدام بسبب تغيير آلية تطبيق القانون والعدالة والعقاب من مفهوم انتقامي إلى إصلاحي وإعادة تأهيل.
2. لا أحد يولد مجرما او إرهابيا والكل عند الولادة أطفال في قمة البراءة! وهناك ظروف وأسباب معينة تحول الإنسان الى مجرم-ة ، لذلك عقوبة الإعدام تعطي الذريعة للدول والحكومات للتهرب من مسؤوليتها الفعلية والحقيقة في علاج المسببات الأصلية المؤدية للجرائم والعنف والإرهاب، مثل الجهل، الفقر، البطالة وغياب الضمان الاجتماعي، الاستبداد بكافة أشكاله، غياب العدالة والفساد، شيوع ثقافة العنف والأفكار الاستبدادية والدينية المتطرفة، التميز القومي والديني و الجنسي والطبقي، الخلل في النظام التربوي، الضعف الكبير في الخدمات الطبية والعلاج النفسي حيث هناك ألوف من المرضى النفسين بأمس الحاجة إلى العلاج والبعض منهم حالات صعبة يشكلون خطرا كبيرا على المجتمع وعلى أنفسهم أيضا… الخ.
3. عقوبة الإعدام تطبق في دول معظمها استبدادية وفاسدة وتفتقد إلى الحكم الديمقراطي الرشيد وذو أنظمة قضائية ضعيفة وغير مستقلة وتفتقد للنزاهة والمهنية والشفافية، ومعظم الاعترافات تؤخذ تحت الاستخدام المفرط للقوة والتعذيب وأشكال أخرى مختلفة من الضغط النفسي والجسدي.
4. عقوبة طبقية وتمييزية والإحصائيات تشير ان معظم المعدومين هم من الطبقات الكادحة أو الفئات المهمشة أو من الأقليات الدينية والقومية، ولا يمكن لمعظمهم توكيل محامين أو – الوساطة – واستخدام المحسوبية لدى جهات النفوذ والسلطات القضائية من اجل تخفيف الحكم أو إطلاق سراحهم، ونادرا ما نسمع عن إعدام شخص غني أو من مراكز السلطة والنفوذ لسبب جنائي ماعدا في حالة الصراعات السياسية على السلطة.
5. عقوبة لا رجعة فيها وقد تقع أخطاء في الأحكام ومهما كان القاضي نزيها ودقيقا فهو كبشر معرض للخطأ، الذي هنا سيعني حياة إنسان حيث الإعدام عقوبة نهائية ولا يمكن التراجع عنها بعد التنفيذ، ولذلك لا يمكن استبعاد خطر إعدام أشخاص أبرياء، وحسب منظمة العفو الدولية وعلى سبيل المثال منذ عام 1973 كان هناك أكثر من 160 سجينا في انتظار تنفيذ حكم الإعدام في الولايات المتحدة، وفي وقت لاحق تمت تبرئتهم وأفرج عنهم بعد ظهور ادلة جديدة تثبت براءتهم، وأعدم آخرون على الرغم من وجود شكوك حول إدانتهم وأثبتت براءة البعض منهم بعد سنوات من إعدامهم.
6. بشكل عام يتم استخدام الإعدام كأداة لفرض أجندات سياسية ودينية وفكرية مستبدة حيث في بعض البلدان يعتبر نقد نظام الحكم او نقد أفكار سياسية او دين معين من الجرائم الكبرى ويحاكم بها بالإعدام، ويستخدم لفرض هيبة الدولة من خلال تنفيذها عمليات الإعدام والقتل، ولإرعاب الجماهير وتخويف المعارضين السياسيين، وكذلك يستخدم كوسيلة ضعيفة من قبل أشخاص وأحزاب ذوو دوافع سياسية للتظاهر أمام جماهيرهم الخائفين بسبب غياب الأمان وكثرة الجرائم في أنهم يقومون بذلك لمكافحة الجريمة! وتوفير الأمان لهم.
الإعدام التعسفي خارج نطاق القانون والاختفاء القسري والإعدامات الجماعية
بشكل عام يتم التركيز على الإعدامات التي تصدر وتنفذ بحكم قضائي، ولكن هناك عدد كبير جدا من جرائم الإعدام المختلفة تنفذها الدول والجهات المسلحة خارج نطاق القضاء والقانون ودون محاكمات عادلة وبإجراءات سريعة تنفذ من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية في انتهاك صارخ للقوانين والمواثيق الدولية، مثل تصفية بعض الدول لمعارضيها السياسيين في الخارج ومنها دول كثيرة ألغت او أوقفت عقوبة الإعدام محليا! مثلا أمريكا وإسرائيل والدول المتحالفة معها، أو التصفية الجسدية أو الاختفاء ألقسري للمعارضين السياسيين كما يجري في العراق والكثير من بلدان العالم العربي، وكذلك الإعدامات الجماعية خارج نطاق القانون والإعدام الجماعي البطيء من خلال فرض عقوبات وحصار اقتصادي يشمل الغذاء والدواء على شعوب بأكملها بحيث تصل إلى حد جرائم الإبادة الجماعية، وكذلك تجويعها من خلال سياسات النهب والاستغلال.
وفق مواثيق حقوق الإنسان الدولية والقانون الدولي لا يحق لأي دولة الاستعمال غير الشرعي للقوة والعنف والاغتيالات والإعدام التعسفي خارج نطاق القانون لتحقيق أهداف سياسية معينة وتصفية الخصوم السياسيين وترهيب معارضيها خارج وداخل البلد، وخلق مناخ عام من أجواء الحرب والعنف والعنف المتبادل والخوف والقلق وتعريض سلامة السكان للخطر، ولابد من إدانة كافة الإعدامات خارج القضاء و إرهاب الدولة أيضا مهما كانت ذرائعه التي يستند إليها ومن أي دولة كانت.
تاريخ إلغاء عقوبة الإعدام
1. تم منع عقوبة الإعدام في الصين بين عامي 747 و759
2. بدا الكثير من المفكرين طرح إلغاء عقوبة الإعدام منذ بداية القرن الرابع عشر ومن بينهم جون ويكلف، توماس مور|، سيزار بيكاري، فكتور هوجو…الخ وآخرين
3. دوقية توسكانا الكبرى – كانت مملكة في وسط إيطاليا – كانت أول سلطة رسمية في العالم تلغي عقوبة الإعدام في 30 أيلول/سبتمبر 1876.
4. ……………
إحصائيات عقوبة الإعدام حسب تقارير منظمة العفو الدولية 2018
106 دول ألغت عقوبة الإعدام لجميع الجرائم
8 دول ألغت عقوبة الإعدام للجرائم العادية فقط
28 دولة ألغت في الممارسة تنفيذ عقوبة الإعدام
56 دولة لا تزال تحتفظ بعقوبة الإعدام والنصف فقط ينفذ العقوبة.
الدول العربية التي أوقفت العمل بتلك العقوبة هي: المغرب، موريتانيا، تونس، وأريتيريا، والجزائر.
فيما ألغت جيبوتي عقوبة الإعدام تماما، والسلطة الفلسطينية وقعت على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام وبدأت بخطوات عملية لإلغائها بشكل كامل.
170 دولة أبطلت عقوبة الإعدام أو أوقفت تنفيذها ولم تنفذ حكم الإعدام في السنوات الأخيرة والعدد في تزايد متواصل، ونظرا لوجود 193 دولة في الأمم المتحدة الآن، فإن ذلك يعني أن 23 دولة فقط تنفذ أحكام الإعدام إلى الآن، ويظهر ذلك ان التوجه الإنساني العالمي نحو إلغاء عقوبة الإعدام كبير جدا وهو في تطور متواصل بغض النظر عن أنظمة الحكم وتوجهها السياسي.
في عام 2019، الدول الخمس الأكثر تنفيذا للإعدامات كانت الصين وإيران والمملكة العربية السعودية والعراق ومصر.
أبرز المواثيق الدولية المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام
1. البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام – 11 يوليو/تموز 1991.
2. البروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان 1983، والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.
3. البروتوكول رقم 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فيما يتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع الظروف 2003.
4. بروتوكول الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام 1990
لماذا التأييد الجماهيري لعقوبة الإعدام؟ كما يحصل حاليا في بعض بلدان المغرب العربي أنموذجا
على أثر بعض الجرائم الوحشية البشعة التي ترتكب او الأعمال الإرهابية القذرة تتصاعد الأصوات من وقت لآخر بضرورة تفعيل أو تطبيق عقوبة الإعدام بشكل أكبر، وفي معظم الحالات تحركها جهات حكومية وحزبية بأجندات سياسية مستغلة حالة الألم والانفعال والقلق والصدمة في المجتمع، وألم واسى عوائل الضحايا التي أتفهمها كثيرا واحترمها بعد تلك الجرائم القذرة، وتقوم تلك الجهات بالترويج بان الإعدام سيقلل من الجريمة والعنف والإرهاب ويضع حدا لها وهو الحل السحري الامثل!.
برأيي ان الأغلبية الساحقة في بلداننا تريد مجتمع آمن بدون عنف وقتل وإعدامات، و تود وضع حد للجرائم و معاقبة المجرمين بشكل صارم وضمان عدم تكرار تلك الجرائم واتفق معها وهو حق طبيعي وأساسي ومشروع، وبدلا من مطالبة حكوماتها بتحمل مسؤولياتها في معالجة أسباب الجرائم والعنف والفلتان الأمني، للأسف مازال عدد كبير جدا يطالب بعقوبة الإعدام إلى الآن واعتقد ان ذلك يعود إلى:
a. حالة الخوف والقلق من تزايد الجرائم والإرهاب وتردي الأمان وضعف دور الدولة في توفيره.
b. مفاهيم الاستبداد والثأر والانتقام الخاطئة المستندة الى الموروث الديني والعشائري، وان الإعدام يقدم تعويضا عادلا للضحايا وذويهم.
c. بسبب الاستخدام التاريخي المفرط والعنيف للإعدام في بلداننا أصبحت – أمرا طبيعيا! وترسخ في الوعي المجتمعي – وصار من الصعب للكثير تصور دولة بدون عقوبة الإعدام.
d. ضعف فهم دقيق لمسببات الجريمة والعنف والسبل والوسائل الضرورية لمكافحتها.
e. نقص المعلومات حول عقوبة الإعدام ودورها السلبي في تعزيز العنف والجرائم بدلا من تقليلها او الحد منها.
f. ضعف ثقافة حقوق الإنسان نتيجة غيابها أو ضعفها الكبير في التثقيف والتربية والإعلام الرسمي، وبشكل عام يتم التعتيم على التأثيرات الايجابية وانخفاض مستويات العنف في الدول التي ألغت او عطلت عقوبة الإعدام.
g. وكذلك الدور الكبير للسلطات والمؤسسات ذو التوجهات الدينية والاستبدادية في الترويج لهذا العقوبة كما حصل في تونس حيث دعا الرئيس التونسي إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام وفق نصوص دينية وليس قوانين مدنية في القانون التونسي! للتهرب من مسؤولية الدولة في الحد من الجرائم وعلاج مسبباتها وحماية المواطنين، حيث الحكم وتنفيذ الإعدام لا يكلف الكثير للحكومات، ولكن علاج مسببات الجرائم والعنف هو المكلف ويحتاج الى عمل جدي كبير جدا لذلك تتهرب بعض الدول من ذلك نحو الحل الأسهل عقوبة الإعدام!
محاكمة البشر بسبب الجرائم يجب ان لا يخضع إلى ضغوطات – الجمهور المنفعل – بعد الصدمات وإنما إلى مؤسسات قضائية نزيهة وشفافية ومستقلة وفق القانون الإنساني الدولي.
أكثر المدافعين عن عقوبة الإعدام في بلداننا هم ذو توجهات دينية متعصبة أو ضعيفة ديمقراطيا ومعظمهم يستندون إلى نصوص دينية ومنها – عقوبة القصاص- التي تتناقض بشكل صارخ مع التطور المعرفي والحقوقي للبشرية، وبل ان الكثير من المصلحين الدينين يطالبون بعدم تطبيق عقوبة الإعدام باعتبار ان الأديان تدعوا للرحمة والتسامح، وان الروح من الله ولا أحد له الحق في إزهاقها بما فيها الدولة، وان الله سيعاقبه في الآخرة.
هناك الكثير من الأحكام العقابية الموجودة في الكتب والشرائع الاسلامية أوقف تطبقيها الآن، مثلا قطع الأيدي والأرجل كعقوبة للسرقة – حد السرقة – وإذا أعيد العمل بها لتطلب الأمر فتح وتشييد العشرات من المعامل لصنع الأطراف الصناعية! في كل دولة، او الجريمة البشعة – الرجم –… الخ من العقوبات البدنية الشنيعة، التي لم تعد أي دولة عربية وإسلامية تطبقها الآن مهما كان درجة استبدادها و تعصبها الديني لهمجيتها ووحشيتها.
نحو – إعدام! – عقوبة الإعدام
هناك وعي عالمي متزايد لمعارضة عقوبة الإعدام بغض النظر عن الجريمة وهوية المجرم، أو طرق الإعدام، حيث ان عقوبة الإعدام هي عقوبة قاسية جدا تنفذها الدولة وهي إنكار لحق الإنسان في الحياة، هذه العقوبة المقيتة وما تزال تطبق باسم الله أو باسم الحكام أو باسم الشعب! ووفق الشرعية الدينية وحتى الثورية! الانتقام والثأر والمزيد من الدماء وجرائم القتل ليس هو الحل ولابد من العمل من اجل تقليل العنف من خلال علاج أسباب والظروف المؤدية للجرائم.
الجريمة ترتكب من قبل شخص واحد او أحيانا مجموعة صغيرة كحد أقصى ومعظمها في حالات وظروف معينة، ولكن عقوبة الإعدام جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد تخطط وترتكب من قبل الدولة بمؤسساتها الرسمية التي من واجبها ضمان وحماية حياة الإنسان، وتكون الدولة بممارساتها الإعدام – مثل أعلى – سلبي تقنون من خلالها القتل ويكون للدولة دور – القاتل – وبالتالي تعزيز وعكس هذه ثقافة اللاإنسانية على المجتمع وتعميمها التي ستؤدي إلى تعزيز روح الكراهية والعنف و العنف المتبادل والانتقام والثأر، وهذا سيعني فشل العدالة وليس تحقيقها.
لا يجوز لأحد بما فيها الدول إنهاء حياة أي إنسان ارتكب جريمة مهما كانت بشعة، و يمكن تبديلها بعقوبة رادعة كالسجن المؤبد أو أي عقوبة أخرى مناسبة غير الإعدام، بل من الممكن ان يحتاج المتهم-ة إلى معالجة طبية-نفسية وإعادة تربية وتأهيل، وبالتالي معاقبته وإصلاحه في نفس الوقت بالشكل الذي يضمن عدم تكرار جرائمه، ويسمح باستمرار بقائه على قيد الحياة، والتعلم من الجريمة القذرة التي ارتكبها.
أرى إن إلغاء عقوبة الإعدام في بلداننا من الممكن أن يكون تدريجيا حسب تطور مجتمعاتنا بدأ من:
1- الإيقاف العملي لتنفيذ إحكام الإعدام وتبديلها بالسجن المؤبد.
2- العمل الجدي من اجل معالجة المسببات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية والفكرية للجرائم والعنف.
3- البد بحملة تثقيفية تربوية إعلامية بحق الإنسان في الحياة أي كان، وبخطورة هذه العقوبة الهمجية وتأثيرها السلبي الكبير على تعزيز العنف وثقافة القتل والثأر في المجتمع.
4- بالتزامن مع إصلاح تربوي-تشريعي- قضائي، وإعادة النظر في الأحكام وقوانين العقوبات، وأوضاع السجون بحيث تكون أكثر إنسانية.
5- المصادقة على اتفاقيات إلغاء عقوبة الإعدام الدولية، وإلغاء عقوبة الإعدام لكافة الجرائم، ولنقم – بإعدام! – عقوبة الإعدام ولتكون العقوبة نفسها آخر ضحية لها.