بصدد التشكل التاريخي للحركة الاصلاحية واليسار بالمغرب

بصدد التشكل التاريخي للحركة الاصلاحية واليسار بالمغرب

chouia بصدد التشكل التاريخي للحركة الاصلاحية واليسار بالمغرب ● شوييا محمد


بصدد التشكل التاريخي للحركة الاصلاحية واليسار بالمغرب

تقديم عام:

تحاول هذه الورقة مقاربة التشكل التاريخي للحركة الاصلاحية المغربية وميلاد اليسار المغربي وقبل الدخول في صلب الموضوع لابد من ابداء بعض الملاحظات الاساسية:

1. أن الاصلاحية المغربية لا علاقة لها باليسار وبمشروع اليسار كما سيتبلور لاحقا وقد تكون في بعض لحظات تطورها اتخذت موقفا نقديا لاوضاع البلاد او شكلت معارضة برلمانية في اطار ما اسمته بالاصلاح من الداخل لكن ظلت بعيدة عن اليسار و مرجعياته وشعاراته بل في الكثير من المحطات كانت معادية له..

2. ان سياقات ومسارات وشروط تشكل الاصلاحية المغربية تختلف عموما عن شروط تشكل اليسار المغربي بل تمتد بعيدا في الزمان الى قرن ونصف تقريبا (الاصلاحات المخزنية أواخر القرن 19 في عهد الحسن الاول الى الإفلاس الفكري والسياسي لاحزاب الحركة الوطنية مع مطلع الالفية الثالثة).

3. ان التشكل التاريخي لليسار المغربي جاء لاحقا عن الحركة الوطنية وبرنامجها الى ما بعد الحرب العالمية الثانية بل جاء انطلاقا من نقد مبكر للتصور والبرنامج والمشروع السياسي للحركة الوطنية والمحكوم بسقف اصلاح المخزن والذي مان ماضيا في ارساء النظام التبعي ما بعد الاستقلال الشكلي..

4. ان التشكل التاريخي لليسار جاء بهوية اديلوجية وسياسية و تنظيمية تختلف جذريا عن الحركة الوطنية والتي ظل افقها السياسي اصلاحويا ومتفقا مع مخرجات مفاوضات اكس-ليبان والذي لخصه عبد الرحيم بوعبيد – والذي كان قد انقلب على برنامج التحرير الذي وضعته لجنة القاهرة تحت رئاسة محمد بن عبد الكريم الخطابي – لخصه عبد الرحيم ب “نريد استقلالا بمساعدة فرنسا بعد عودة محمد بن يوسف”.

اذن انطلاقا من هذه الملاحظات فان مقاربة الموضوع تستند على الفصل المنهجي بين مسارات ومألات الحركة الاصلاحية المغربية في كل امتدادها الزمني الطويل عبر ثلاثة محاور فرعية وهي:

* مرحلة ميلاد الوعي الاصلاحي الوطني ما قبل السيطرة الاستعمارية وسط تناقضات النخبة التقليدانية.

* في ظل الحماية وتناقضاتها وخلال فترة ثلاثينيات القرن الماضي الحركة الوطنية ومطالب كتلة العمل الوطني في الاصلاح والتي ستكثفها وثيقة 11 يناير 1944 في مطلبين كبيرين هما مطلب الاستقلال ومطلب الملكية الدستورية على النمط المشرقي…

* مرحلة الاستقلال الشكلي وارساء التبعية واختيار الاصلاح من الداخل بعد تصفية الجناح التقدمي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاطاحة بالبرنامج الوطني للاستاذ عبد الراهيم والنقد الذاتي الذي قدمه المهدي بن بركة من ثلاثة نقاط في التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1962 في ظل حسم السلطة لفائدة الملكية والانقلاب على المجلس التأسيسي وفرض اول دستور مكتوب وممنوح وتاسيس جبهة الدفاع عن المؤسسات كتعبير سياسي عن التحالف الطبقي قيد التشكل تحت الملكية، وبين سياقات وتطورات تشكل اليسار المغربي من خلال ثلاثة سياقات:

1- سياق تاسيس الحزب الشيوعي المغربي سنة 1943 وعدم وضوحه السياسي والاديولوجي وتمزقه بين شعار وحدة الامتين في مواجهة النازية وتاثيرات حركات التحرر الوطني انذاك الى ان تم منعه سنة 1960..

2- شكلت انتفاضة الريف الاولى 1958/59 وانتفاضة 23 مارس 1965 وحسم السلطة من طرف التحالف الطبقي السائد تحت الملكية المطلقة واعلان حالة الاستثناء والموقف النقدي للحركة الوطنية من طرف المهدي بن بركة تنامي المد اليساري العالمي انتفاضة مايو 1968 منطلقا لميلاد اليسار السبعيني اي الحركة الماركسية اللينينية المغربية (منظمة 23 مارس ثم حركة الى الأمام ثم لنخدم الشعب.

3- خروج المعتقلين السياسيين وانطلاق نقاش الاطار الديمقراطي المنشود حول جريدتي الافق واليسار الديمقراطي بعد منع جريدة المواطنة فتبلور اليسار المغربي الى اربعة مجموعات (الفعاليات ثم الحركة من اجل الديمقراطية ثم المستقلون ثم النهج الديمقراطي).

I. في التشكل التاريخي للوعي الاصلاحي والحركة الاصلاحية مغربية وتطورها:

الوعي الاصلاحي ما قبل نظام الحماية:

تشكل الوعي الاصلاحي المغربي متاثرا بالاصلاحات العثمانية والمشرقية في مصر ولبنان والشام بعيدا عن الحداثة في اوربا أواخر القرن 19 بالنظر لأفقه الفكري طبيعة نخبه المحافظة… وقد تركزت اهم المطالب الاصلاحية في ما يلي:

* مطالب الاصلاح التعليمي من طرف نخبة من داخل التقليدانية التي لاحظت انسداد الافق الفكري بعد طول عثر الانحطاط ومن سخرية التاريخ ان هذا المطلب لازال مطروحا بعد ازيد من قرن ومن الاصلاحيين نجد ابن المواز وعبد السلام الصبيحي وعمر الحجوي وهم نخب المدن الساحلية التي كانت منفتحة على اوربا القوية..

* مطلب الاصلاح السياسي: وقد قادته نخبة تنتمي للاوساط التجارية المدينية على المدن الساحلية ومنها رسالة علي زنيبر من مدينة سلا الى السلطان عبد العزيز سنة 1904 وطالبه فيها باقرار دستور على غرار المشارقة بعد ان عاد من زيارة الى لبنان والشام ومصر.. ثم دستور جماعة لسان المغرب من طنجة المستوحى من التقاليد الدستورية الانجليزية سنة 1908 والذي لا ترقى له الدساتير الممنوحة اليوم وجاء مباشرة بعد مؤتمر الخزيرات وشروطه القاسية التي انهت عمليا استقلال المغرب سنة 1906.. لكن التيار التقليدي المحافظ والقوي من علماء فاس وتجارها المتضررين من تراجع الوساطة والتجارة القوافلية للمدن الداخلية تافلالت وفاس وتلمسان مع بلاد السودان وافريقيا هذا التيار سيفرض ما يسمى بالبيعة المشروطة على السلطان عبد الحفيظ الذي وقع الحماية واستقال…

الحركة الاصلاحية خلال الحماية:

بعد صدور الظهير البربري ونجاح سياسة التهدئة انتهزت الحركة الوطنية وهي حركة اصلاحية الظروف الجديدة لاطلاق برنامج النضال السياسي المطالب بالتزام الحماية بوثيقة الحماية 30 مارس 1912 باعتبارها وثيقة اصلاحية من خلال كتلة العمل الوطني اول تكتل سياسي سنة 1934 وكان سقفها ادماج بعض النخب في الادارة الاستعمارية ونظرا لمعطيات تاثيرات الحرب الثانية على فرنسا فقد كثفت الحركة الوطنية مطالبها الاصلاحية في وثيقة 11 يناير 1944 من نقطتين كبيرتين هما الاتفاق على صيغة مع فرنسا حول الاستقلال ثم بناء نظام ملكية دستورية على غرار الاصلاحات في المشرق العربي رغم ان في تلك الفترة العالم مان يعرف مدا تحرريا كبيرا يرتكز على مبادىء تصفية الاستعمار وتقرير المصير
انتهت هذه المرحلة بمفاوضات إكس-ليبان والتي اسفرت عن اتفاق سياسي لخصه عبد الرحيم بوعبيد في جملة واحدة “اننا نريد استقلالا لبلدنا بمساعدة فرنسا بعد رجوع محمد بن يوسف” فكان استقلالا شكليا يضمن مصالح فرنسا كاملة ولفائدة الملكية وقاعدتها الاجتماعية من كبار الملاكين والكومبرادور ووكلاء الاستعمار الجديد والضباط ورجال الادارة الذين كانوا يشتغلون في جهز الحماية وايضا تيار برغماتي وانتهازي من الحركة الوطنية كان يمثله عبد الرحيم بوعبيد الذي انقلب هو وبورقيبة على برنامج لجنة القاهرة برئاسة محمد بن عبد الكريم الخطابي لتحرير شمال افريقيا..

الحركة الاصلاحية في ظل الاستقلال الشكلي وارساء النظام التبعي:

بعد الاطاحة بالبرنامج الوطني لعبد الله ابراهيم و حسم السلطة بفرض دستور يركز السلطة في يد الملكية وانشاء جبهة الدفاع عن المؤسسات الفديك كاداة سياسية للتحالف الطبقي الناشىء والقمع الدموي لانتفاضة الريف الاولى 1958/59 وايضا انتفاضة الشباب في 23 مارس 1965.. وبعد النقد الذاتي الذي قدمه المهدي بن بركة من خلال التقرير السياسي امام المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية والذي اسفر عن تحول اطراف من الحركة الاتحادية الى الاختيار الثوري وجناحه المسلح مسترشدا بالنقاط النقدية الثلاثة لتصور الحركة الوطنية وهي:
ا*القبول بانصاف الحلول اي القبول بشروط الملكية و فرنسا وباستقلال شكلي وجزئي
* الكواليس على الجماهير يعني تهميش دور جيش التحرير وعدم اشراك الشعب
* عدم الوضوح الاديلوجي اي العزلة على حركات التحرر العالمي والافريقي والعربي والنشداد لاديلوجية وطنية ضيقة ومحافظة وبعد فترة من القمع الشرس وحالة الاستثناء وفرض دستوري 1970 و1972 تم التخلص من الجناح التقدمي للاتحاد ليخلو الجو لفائدة تيار اصلاحي براغماتي يرفع شعار الاصلاح من الداخل اي عبر المؤسسات بعد تطهير الحزب خلال المؤتمر الاستثنائي سنة 1975 والذي قطع نهائيا مع الجناح التقدمي والتنكر له بعدم المصادقة على التقرير الاديلوجي الذي انجزه عمر بن جلون والذي ستتم تصفيته في نفس السنة وايضا الدكتور محمد عابد الجابري..

وقد اقتصرت مشاركة الاتحاديين الى جانب الاستقلاليين على المعارضة البرلمانية الى ان مطلع التسعينيات 1991 وتقديم الكتلة لاصلاحات دستورية شكلية استحاب لها الملك الراحل سنة 1992 ثم اصلاحات دستور 1996 وهو بداية ادماج ما كان يسمى باحزاب المعارضة البرلمانية ولا علاقة لها باليسار في ما يسمى بالتناوب التوافقي فانتهت الحركة الوطنية والمعارضة الى الافلاس السياسي وسيادة الاتجاهات الانتهازية الممخزنة بعد ان قال اليوسفي بعدم احترام المنهجية الديمقراطي واختار المنفى من جديد.

مع مطلع سبعينيات القرن الماضي انبثاق اليسار المغربي بهويته الاديلوجية والتنظيمية والسياسية:

+ شروط انبثاق اليسار السبعيني: ساهمت عدة ظروف داخلية وخارجية في ميلاد حقيقي لليسار المغربي فعلى المستوى الداخلي تمكن النظام السياسي من حسم السلطة لفائدته بالانقلاب على العهد الملكي 1957 والذي التزم فيه محمد الخامس بتعيين مجلس او جمعية تاسيسية لدسترة الحكم ومؤسساته حيث فرض الحسن الثاني دستوره لشرعنة السلطة المطلقة.. كما دفع في تاسيس حزب الحركة الشعبية كاول حزب اداري كتعبير سياسي للفيوداليين والاعيان في البوادي سنة 1958 وكلفه بمواجهة حزب الاستقلال في البوادي التي كانت مسيسة وعمل على تاسيس جبهة الدفاع عن المؤسسات لمواجهة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كما فكك جيش التحرير ااذي كان انتقل الى الجنوب وقضى عليه في عملية اكوفيان بتحالف مع الحيشين الفرنسي والاسباني بعدها سحق انتفاضة الريف الاولى وتمرد عدو اوبيهي.

ومباشرة بعد المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات والذي حدد في التقرير السياسي الذي القاه المهدي بن بركة نقدا جذريا لبرنامج والتصور السياسي للحركة الوطنية والذي سيسمى لاحقا بالاختيار الثوري وفيه الارتباط بحركات التحرر العالمي لمواجهة الامبريالية والصهيونية والرجعية وايضا الغاء التبعية واستكمال عملية التحرر الوطني.. وكان جواب الحسن الثاني هو حل البرلمان و اعلان حالة الاستثناء سنة 1965 وحملة واسعة من الاعتقالات والاختطافات والمحاكمات فاضطر بعض اطر الاتحاد الى الهروب الى الخارج وسحق انتفاضة المتعلمين يوم 23 مارس 1965.

وعلى الصعيد الخارجي حققت حركات التحرر العالمي انتصارات على القوي الاستعمارية في افريقيا مع باتريس لمومبا ونجومو كنياطا ونكرومة وجمال عبد الناصر وميلاد حركة التحرير الفلسطينية وايضا باسيا في الفتنام والصين وامريكا اللاتينية… وفي باريس ماي 1968 اندلعت انتفاضة الشباب والعمال واصبحت مرجعا سياسيا لليسار العالمي كل هذه العوامل كان لها بالغ الاثر على ميلاد اليسار المغربي..

* تشكل الهوية الاديلوجية والسياسية والتنظيمية لليسار المغربي او الحركة الماركسية اللينينية المغربية.

1. اهم مراحل تشكل اليسار المغربي و تبلور هويته التنظيمية والاديلوجية والسياسية او ميلاد الحركة الماركسية اللينية المغربية:

1) الشروط الداخلية والخارجية لانبثاق الحركة الماركسية اللينينية المغربية (1960/1970):

في هذه المرحلة عمل النظام السياسي على حسم السلطة وتركيزها في يد الملكية المطلقة كمعبر عن التحالف الطبقي السائد والذي كان قيد التشكل حسم السلطة جاء عبر الانقلاب على العهد الملكي الذي اصدره محمد الخامس 1958 والتزم فيه اساسا بالاعتراف بجمعية او مجلس تاسيسي لوضع دستور للبلاد قصد دسترة نظام الملكية ومؤسساته.. وقد توج انقلاب الملكية وحلفاءها بفرض اول دستور ممنوح ومكتوب 1962 قاطعه الاتحاد الوطني للقواة الشعبية.. وشكل حسم السلطة اساس بظاية ارساء النظام التبعي وفق مخرجات مفاوضات اكسليبان..

وعلى المستوى الحزبي انفجار الحركة الوطنية بتاسيس الاتحاد الوطني للقواة الشعبية بعد احباط حكومة عبد الله ابراهيم وبرنامجها.. وعلى مستوى البادية المغربية التي كانت مسيسة اكثر سيتم انشاء اول حزب اداري وهو الحركة الشعبية 1958 لمواجهة حزب الاستقلال الذي كان له تاثير واسع على البوادي وفي هذا الاطار تم سحق انتفاضة الريف الاولى 1958/59 واخماد تمرد عدي اوبيهي وفي المدن تم انشاء جبهة الدفاع عن المؤسسات ايضا قام النظام سنة 1960 بمنع الحزب الشيوعي المغربي وحله.. لم يستسغ النظام المنبثق من من مفاوضات اكس-لي-بان استمرار جيش التحرير فقام بتفكيكه واغتيال قادته والاجهاز عليها بالتحالف مع الجيشين الفرنسي والاسباني في عملية اكوفيان بمشاركة 13 الف جندي مغربي شكل بهم عبد الكريم الخطيب نواة القواة المسلحة الملكية.. بعد مقاطعة الدستور والتحول السياسي الكبير الذي عرفه الاتحاد الوطني للقواة الشعبية في مؤتمره الثاني سنة 1962 انطلاقا من النقاط النقدية الثلاثة والتي ستعرف فيما بعد بالاختيار الثوري ومحاولات اعادة بناء الحزب الشيوعي عبر صيغة التحرر والاشتراكية 1967 وبعد حل برلمان 1963 واعلان حالة الاستثاء وسحق انتفاضة البيضاء 23 مارس 1965 انفرد الملك بالسلطة وبكل المؤسسات.

2) اما على المستوى الخارجي فان الحركة الماركسية اللينينية المغربية ستستفيد كثيرا من المد الواسع لليسار العالمي وحركات التحرر الوطني في الفيتنام وامريكا اللاتينية وفي افريقيا مانديلا وباتريس لمومبا ونكرومة ونجومو كنياطة.. بالخصوص حركة التحرير الفلسطينة 1964.. ايضا انتفاضة الشباب والعمال في باريس ماي 1968 والتي ستشكل مرجعا سياسيا لليسار عموما.

ميلاد الحركة الماركسية اللينينية المغربية وتطورها:

1) الميلاد: ان تشكل اليسار المغربي وخصوصا الحركة الماركسية المغربية جاء انطلاقا من منطق وسياقات داخلية من الانفراد بالسلطة وارساء التبعية وقمع المد التحرري ثم تناقضات الحركة الوطنية والفرز داخل الاتحاد الوطني للقواة الشعبية والحزب الشيوعي المغربي المحظور الى جانب تأثيرات المد اليساري والتحرري العالمي في الاتحاد السوفيتي والصين والفيتنام واوربا وامريكا اللاتينية وافريقيا والعالم العربي الممثل بالقوميين العرب وخصوصا حركة التحرير الفلسطينية في مواجهة الامبريالية والصهيونية والرجعية ضمن هذه السياقات توضحت الهوية الاديلوجية لليسار المغربي بتبني الاشتراكية العلمية في التقرير المذهبي الذي صاغه الشهيد عمر بن جلون ومحمد عابد الجابري عند تيار من الاتحاديين (رفاق الشهداء فيما بعد) والذي لم يصادق عليه المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والذي اكتفى فيه التيار البرغماتي بزعامة عبد الرحيم بوعبيد بمصطلح الاشتراكية -في اسم الحزب فقط- كشعار لاستقطاب شباب السبعينيات..

وتبني مجموعات الشباب والمناضلين المنسحبين من الاحزاب الوطنية التي كانت تعرف تناقضات مع النظام وايضا تناقضات داخلية خصوصا حزب التحرر والاشتراكية الذي كان يحاول التكيف مع متطلبات نظام الملكية المطلقة في ظل حالة الاستثناء وحزب القوات الشعبية الذي تعرض للقمع الاسود مما افرز داخله تيارات ابرزها تيار فضل العودة الى السلاح ضد الملكية ونظام التبعية وتيار بلانكي تزعمه الفقيه البصري والتيار البرغماتي مع عبد الرحيم بوعبيد والذي كان متفقا منذ اكس لي بان على الخط الاصلاحي من داخل بنية النظام.

هؤلاء الشباب الماركسيين سواء المنسحبين من الاحزب الوطنية او الذي افرزتهم انتفاضات الشعب المغربي خصوصا انتفاضة مارس 1965 سيتبنون المرجعية الماركسية اللينينية والتي اغتنت لاحقا بالافمار والتجارب الثورية العالمية في امريكا اللاتينية خصوصا كوبا وفي الصين والفيتنام وغيرها..

وعلى مستوى الهوية التنظيمية فقد تبلورت الحركة الماركسية اللينينية المغربية في اطار ثلاثة منظمات تباينت في مرجعياتها الاديلوجية وخطها السياسي وطبيعة التنظيم وهي منظمة 23 مارس وهي النواة الاولى لليسار الديمقراطي الحالي الممثل بالفدرالية اليوم ومنظمة الى الامام وهو منظمة ذات هوية ثورية منظمة للمحترفين الثوريين الذي ينشدون الاطاحة بالنظام التبعي كشرط لانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ومنها بناء الاشتراكية وحسم السلطة للعمال واستكمال عملية التحرر وفك الارتباط هذه المنظمة لم يستطع النظام اجتثاتها بالقمع والتقتيل والسجون ستعرف اعادة البناء سنة 1979 اعقبتها موجة ثانية من محاولات الاجتثات والقمع والسجون خلال بداية ومنتصف الثمانينيات ويعتبر النهج الديمقراطي شكلا من اشكال استمراريتها وهو مقبل على اعلان حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين احدى المهام الاساسية والاولى التي كانت المنظمة الثورية سطرتها منذ تشكلها خلال بظاية السبعينات.. ثم هناك منظمة لنخدم الشعب والتي لم تصمد طويلا الى ان تحول تدريجيا زعيمها الى خدام المخزن مع ما يسمى بالعهد الجديد اواخر الثمانينيات..

اما ما يتعلق بالهوية السياسية لليسار المغربي فهي تقريبا اتجاهان رئيسيان، الاول تيار ديمقراطي يعتبر ان مدخل التغيير هو النضال الديمقرطي متاثرا باطروحة التيار البرغماتي في الاتحاد الاشتراكي والذي انتهى اليوم الى الافلاس السياسي والفكري والاخلاقي وقد تبنت هذا الطرح منظمة 23 مارس في الداخل وتم تصفيتها وتاسست منظمة العمل الديمقراطي الشعبي مع مطلع الثمانينيات واشتغلت من داخل المؤسسات تحت شعار توسيع الهامش الديمقراطي وبسبب معارضتها لدستور 1996 سيتم حظر اعلامها وشقها وخروج الحزب الاشتراكي الديمقراطي والذي سيذوب في الاتحاد الاشتراكي لاحقا..
ثم اتجاه ثوري و مثلته منظمة الى الامام ولازال النهج الديمقراطي بالطبع بعد قراءة نقدية لمسار الممارسة السياسية للحركة الماركسية اللينينية المغربية يحتفظ به جوهره هو استحالة اصلاح نظام المخزن وبالتالي مهام اليسار الحقيقي هي عملية التغيير الجذري اي انجاز كل مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية عبر بناء التكتيكات السديدة والملاىمة حسب كل مرحلة بافق التحرير والاديمقراطية والاشتراكية.

2) ابرز تطورات اليسار بعد سقوط جدار برلين:

تحت ضغط النهوض الجماهيري خلال مطلع التسعينيات من حركة حقوقية ونساىية وشبيبية ونقابية وعمالية ومعطلين وساكنة العالم القروي وايضا ضغط المتغيرات العالمية سقوط جدار برلين والهجوم النيوليبرالي المتوحش وموجة حقوق الانسان والمنتديات العالمية اعاد النظام ترتيب بيته الداخلي فقام بطلب من الكتلة الديمقراطية ببعض التعديلات الطفيفة على الدستور الممنوح 1992 وانشأ بعض المؤسسات الصورية كالمجلس الدستوري 1993 والمحاكم الادارية كما قام بانفراج حقوقي بعد انشاء ما سماه بالمجلس الاستشاري لحقوق الانسان والذي نصحه باطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين والكشف عن بعض السجون غير القانونية ومرر قوانين تحرير الاقتصاد والخوصصة وتطبيق معايير منظمة التجارة العالمية.. وضمن هذه المتغيرات سيعمل ايضا على اعادة هيكلة المشهد الحزبي والسياسي ومنظمات العمل الجماهري من هنا انتقل النظام الى الاشتغال على ضبط اليسار عموما وحقله المضاد للدولة في الحركة النقابية والحقوقية والجماهيرية وايضا في الاعلام..

اليسار المغربي لم يكن بمعزل عن كل هذه التطورات الداخلية والخارجية وبدا بدوره يعرف نقاشات وتطورات حول المرجعيات والاطروحات السياسية ونقد التجربة والاعلام خصوصا بعد خروج بعض اليساريين من السجون.

* صدرت الكثير من الصحف والمجلات اليسارية او القريبة من اليسار ابرزها جريدة الطريق والافق والمواطن والمواطنة ثم اليسار الديمقراطي ثم النهج الديمقراطي واليسار الاشتراكي وغيرها هذه المنابر الاعلامية ستواكب كل القضايا الكبرى والتي هي من صميم عمل وبرنامج اليسار عموما كالاطار اليساري المنشود والمرجعية والتنظيم والتجميع وقضايا الديمقراطية والاشتراكية والنظام السياسي والمسالة النقابية والحقوقية والتعليمية والامازيغية…

* قضايا الإطار المنشود والتجميع: انطلق نقاش واسع بين المناضلين الجماهيريين الذين قريبين من تجربة الحركة الماركسية اللينية المغربية او الذين خرجوا لتوهم من المعتقلات وحتى مناضلين من داخل الاتحاد الاشتراكي ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي كما تم تنظيم ندوات وطنية وفي المناطق لنقاش الإطار السياسي المنشود لليسار والذي سيجمع كل يساريي المغرب واسفر النقاش على فرز اربعة اتجاهات وبعض المجيمعات الصغيرة هي: الحركة من اجل الديمقراطية حول عبدالله زعزاع حول جريدة اليسار الديمقراطي وفي الارضية التي قدمها في ندوة الدار البيضاء دعا الى القطع الكلي مع منظمة الى الامام وهو صاحب فكرة الاطار السياسي دون اطار مرجعي اديلوجي فقط البرنامج السياسي وهذه الفكرة لازالت سائدة عن بعض مكونات اليسار الديمقراطي.. ثم ما يسمى بالفعاليات اليسارية وهم من انصار اللاحزبية لكن ينظرون للاطار المنشود منهم من سيشتغل كحقوقي مع مقاربة النظام لملف حقوق الانسان مثلا حرزني وبنزكري ومنهم من تحول الى الليبرالية والمجتمع المدني في المغرب والخارج ومنهم من اشتغل في ما سمي بالصحافة المستقلة لكنهم كلهم اصبحوا معادون للحركة الماركسية اللينينية ثم تيار الديمقراطيون المستقلون المنحدرون من الحركة الطلابية ثم النهج الديمقراطي الذي بقي وفيا للحركة الماركسية اللينينية المغربية خصوصا تجربة الى الامام بالطبع بعد قراءات نقدية والتي لازالت مستمرة..

النظام السياسي لم يكن بعيدا عن تحولات اليسار هذه بل سيعمل وانطلاقا من خطته في اعادة ترتيب المشهد الحزبي وحاجته الى يسار منضبط ومجتمع مدني نقابي وحقوقي وجمعوي متزن وفق المطلوب نزل عالي الهمة عندما كان كاتبا للدولة في الداخلية لاحداث ترتيب ما داخل اليسار ضمن ما مان يسمى الحزن الاشتراكي الكبير وبدا بادماج تيار الوفاء الديمقراطية المنشق عن الاتحاد الاشتراكي واذابته في اليسار الاشتراكي الموحد بصيغة الحزب الاشتراكي الموحد بعد ذلك تم افشال تجمع اليسار الديمقراطي وبرنامجه..

– وحدة اليسار: منذ ولادة الحركة الماركسية اللينينية المغربية ظل هاجس الوحدة قائما لتوكيد كل يساريي المغرب وبعيدا عن ترتيبات التجميع والتدجين وتجريد اليسار من هويته التنظيمية والاديلوجية والسياسية ظل النهج الديمقراطي يحمل هم توحيد اليسار وتحويله الى قوة سياسية كبيرة مؤثرة في مواجهة دولة المخزن فكان مبادرا في بناء تنسيق استراتيجي مع الطليعة وايضا في بناء وصياغة برنامج تجمع اليسار الديمقراطي او من خلال تطوير واغناء وثائقه حول الجبهات الميدانية والديمقراطية والعالمية وصولا جبهة الطبقات الشعبية او من خلال مبادراته داخل الحركة الجماهيرية من داخل الحركة الحقوقية والنقابية وحركة 20 فبراير والحركة الاجتماعية ومن خلال علاقاته الدولية… كما ان النهج منذ تاسيسه سنة 1995 وهو يعتبر نفسه تنظيما يعمل على المساهمة في بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين وظل محاورا لكل اليساريين وكل التقدميين المنظمين وغير المنظمين ولازال مفتوحا في افق اعلان حزب الطبقة العاملة في مؤتمره الخامس.