النموذج التنموي الشعبي البديل: أهم الأساسات والأٍركان

النموذج التنموي الشعبي البديل: أهم الأساسات والأٍركان

النموذج التنموي الشعبي البديل: أهم الأساسات والأٍركان

عبد الله الحريف

تعترف أعلى سلطة في البلاد بفشل النموذج التنموي الحالي. هذا الفشل الذي هو نتيجة الاختيارات والسياسات التي تجسد طبيعة الكتلة الطبقية السائدة المشكلة من ملاكي الأراضي الكبار والبرجوازية الوكيلة للشركات المتعددة الاستيطان وطبيعة الإمبريالية الغربية، وخاصة الفرنسية، المهيمنة وطبيعة النظام المخزني الساهر على مصالحهما، أي أن هذه الاختيارات والسياسات تعبر على جوهر هذه الطبقات والقوى. ولذلك من الوهم الاعتقاد بإمكانية إقامة نموذج تنموي بديل يخدم التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجالية الحقيقية، أي التنمية التي توفر شروط ازدهار الطبقات الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة وعموم الكادحين، وصيانة الموارد الطبيعية، في ظل استمرار سيطرة الثالوث المكون من الكتلة الطبقية السائدة والامبريالية الغربية والمخزن. ومعنى ذلك أن البديل التنموي الشعبي يتطلب تغييرا جذريا على كافة المستويات، وليس “إصلاحات” جزئية أو حتى شاملة قد تقوم بها الدولة المخزنية تحت إشراف الامبريالية الغربية ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ويحيلنا الكلام عن التغيير إلى ضرورة تحديد القوى الاجتماعية التي يفترض أن تحمل المشروع التغييري الجذري وأدواته وأهم الأساسات التي يرتكز إليها وأهم أركانه.

1.أهم أساسات النموذج التنموي الشعبي:

إن إقامة النموذج التنموي الشعبي رهين بالتقدم في حل التناقض الرئيسي الذي يخترق مجتمعنا، في المرحلة الراهنة، بين الكتلة الطبقية السائدة والامبريالية الغربية والمخزن من جهة والطبقة العاملة وعموم الكادحين والجزء الأكبر من الطبقات المتوسطة من جهة أخرى. هذا التناقض الذي يستوجب بناء جبهة الطبقات الشعبية. غير أن تدبدب الطبقات المتوسطة بين أوهام التسلق الطبقي وواقع اندحار أجزاء منها نحو الطبقات الكادحة وتجارب التحرر الوطني التي قادتها والتي انتهت إلى مآل مأساوي تؤكد ضرورة قيادة الطبقة العاملة للنضال من أجل التحرر الوطني والبناء الديمقراطي على طريق الاشتراكية وبلورتها لأدواتها النضالية المستقلة المختلفة .
إن أهم أساسات النموذج التنموي الشعبي هي:
-الوطنية من خلال القضاء على احتلال أجزاء من التراب الوطني وعلى الهيمنة الاقتصادية والمالية والسياسية والثقافية الامبريالية.وكذا من خلال إقامة سلطة وطنية مناهضة للامبريالية والصهيونية وبناء اقتصاد وطني متحرر من التبعية.
-الديمقراطية التي تعني بناء نظام ديمقراطي يكون فيها الشعب مصدر السلط وصاحب السيادة.
-الشعبية لأنه يخدم مصالح الطبقات الشعبية التي تبلوره بواسطة أدواتها التنظيمية المستقلة المختلفة التي تسهر على تطويره وإغنائه وتطبيقه خلال سيرورة نضالها من أجل التحرر من سيطرة الإمبريالية والكتلة الطبقية السائدة والمخزن.
-الانفتاح على أفق بناء المجتمع الاشتراكي وذلك بتحقيق كل متطلبات هذا الانتقال سواء ما تعلق بالقيادة البروليتارية المتحالفة مع الفلاحين الفقراء والكادحين أو من التطور النوعي لقوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وتحقيق الوحدة المغاربية لتهيئ المجال الحيوي لبناء المجتمع الاشتراكي المنشود.

2.أهم أركان النموذج التنموي الشعبي:

ليس الهدف هنا تحديد تفاصيل هذا النموذج التي ستتبلور خلال السيرورة النضالية التحررية للشعب المغربي، بقدر ما تحديد أركانه الأساسية التي تجعل منه نموذجا تنمويا بديلا فعليا للنموذج التنموي الإمبريالي والرجعي المحلي والمخزني السائد حاليا.
+ على المستوى السياسي:
-اقرار دستور ديمقراطي من حيث طريقة بلورته ومضمونه والمصادقة عليه، يضعه مجلس تأسيسي منتخب بشكل ديمقراطي ونزيه، يقطع مع الاستبداد والحكم الفردي المطلق يضمن فصلا فعليا للسلط ويقر بهوية الشعب المغربي المتعددة الأبعاد ويفرض التطبيق على ارض الواقع للثقافة واللغة الامازيغية باعتبارهما ثقافة وطنية ولغة رسمية ويساوي فعلا بين المرأة والرجل في جميع الحقوق والواجبات وعلى جميع المستويات ويضمن حقوقها الخاصة كامرأة وأم ويربط المسؤولية بالمحاسبة، ويقر العلمانية خيارا يفصل الدين عن الدولة ويمنع الاستغلال السياسي للدين ويضمن. استقلال القضاء ويعترف بالخصوصيات الجهوية وأقصى حد ممكن من التسيير الذاتي على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية للجهات التي تتمتع بشخصية متميزة تشكلت خلال السيرورة التاريخية لشعبنا مثل جهات الريف والأطلس وسوس وذلك في اطارجهوية حقيقية في افق ارساء نظام فيدرالي.
-تفكيك الأجهزة المخزنية وعلى رأسها الأجهزة القمعية السرية والموازية واعتماد الشفافية ودولة القانون في الحفاظ على الأمن وجهاز السلطة لوزارة الداخلية وإعادة بنائها بما يرفع يدها عن باقي الوزارات والمرافق ويجعلها في خدمة المواطن وتحت مراقبة هيئاته التمثيلية المنتخبة محليا و وطنيا وجهاز القضاء وإعادة هيكلته بما يضمن استقلاليته ونزاهته.
+على المستوى الاقتصادي :
يستهدف التغيير الوطني الديمقراطي الشعبي ذي الأفق الاشتراكي تحرير اقتصاد بلدنا من التبعية للمراكز المالية الامبريالية ومحاربة اقتصاد الريع ووضع حد للمديونية وبناء اقتصاد وطني ممركز على الذات ومنفتح على اقتصاديات تتوخى نفس الأبعاد الإستراتيجية في إطار برنامج اقتصادي تتشكل أهم عناصره من :
-تخطيط اقتصادي وطني وتحرري يستهدف:
°توجيه الاقتصاد الوطني (الصناعة، الفلاحة، الصيد البحري، التجارة الخارجية، السياحة، السكن، البناء…) نحو تلبية الحاجيات الأساسية للشعب المغربي بما يضمن الاكتفاء الذاتي في المقام الأول والاعتماد على الموارد الطبيعية والبشرية الوطنية.
°وضع إصلاح جبائي جذري.
°إلغاء الدين الخارجي.
°إلغاء اتفاقيات التبادل الحر واتفاقيات الصيد البحري التي ترهن ثروتنا الوطنية للمصالح الأجنبية.
°تأميم البنوك وأهم المجموعات المالية و كل الصناعات والمناجم الإستراتيجية.
°تأسيس مجالس العمال في كل المؤسسات العامة أو الخاصة، الصناعية والتجارية والخدماتية التي يفوق عدد عمالها حدا معينا يحدده القانون تكون صلاحيتها مراقبة التسيير والإنتاج.
°رسم سياسة فلاحية تستهدف تلبية الحاجيات الأساسية للسكان بما يضمن السيادة الغذائية و الحفاظ على الثروات الطبيعية والمحيط البيئي والتنمية المتوازية، سياسة فلاحية تعتمد على إصلاح زراعي جذري يمكن الفلاحين من الأرض- انطلاقا من مبدأ “الأرض لمن يحرثها- والماء ومختلف وسائل الإنتاج والتمويل وتسويق الإنتاج في ظروف ملائمة ويساعد على رفع الإنتاجية.
°النهوض بالبادية من خلال توفير البنيات التحتية والمرافق الاجتماعية( التعليم والسكن والصحة والنقل…) والثقافية الضرورية.
°بناء صناعة وطنية قوية تلبي حاجيات المواطنين الأساسية وتضمن الاستقلال الوطني اتجاه الاحتكارات الأجنبية وتعتمد على المواد الطبيعية الوطنية والطاقات البشرية بالمغرب أو في الهجرة من أجل تطوير البحث العلمي.
°تقليص دور القطاع الخدماتي المرتبط بالأساس بعمليتي التوزيع والتسويق وتقليص عدد الوسطاء والسماسرة.
°توجيه القطاع المنجمي، بالأساس، نحو تلبية حاجيات الصناعة الوطنية والفلاحة.
°توجيه الصيد البحري والموارد الغابوية نحو تلبية حاجيات الشعب المغربي بأثمان مناسبة وفي كل مناطق المغرب وتطوير صناعة التصبير مع صيانة الثروات السمكية والغابوية.
+على المستوى الاجتماعي والثقافي والإعلامي:
-وضع سياسة اجتماعية تعطي الأولوية للشغل والتعليم والصحة والسكن والثقافة وتهدف القضاء على الآفات الاجتماعية الفتاكة (الأمية، البطالة، السكن الغير اللائق، الرشوة، نهب المال العام، الدعارة، التسول، المخدرات) وتعتمد الأسس التالية:
°على مستوى الشغل: سن سياسة وطنية لمحاربة البطالة..
°على مستوى التعليم، وضع أسس نظام تعليمي وطني ديمقراطي شعبي علمي وعلماني ومنفتح ينمي الطاقات الإبداعية والفكر النقدي والتحرري، تعليم إجباري، جيد ومجاني.
°على مستوى الصحة : وضع سياسة صحية شعبية ترمي إلى توفير خدمات صحية جيدة ومجانية لكل المغاربة.
°على مستوى السكن : وضع سياسة سكنية جذرية تهدف إلى توفير سكن لائق لكل المغاربة.
°على المستوى الثقافي: وضع سياسة ثقافية تهدف إلى تطوير المكونات الثقافية للشعب المغربي من خلال بناء ثقافة ديمقراطية، متحررة وتقدمية.
°الإعلام: سن سياسة تستهدف ضمان استقلالية الإعلام وخاصة السمعي- البصري عن الدولة وعن الاحتكارات وضمان مهنيته وموضوعيته ودوره في التوعية والتكوين وخدمة مصالح جماهير شعبنا.
+على المستوى الجهوي و العربي و الدولي: التخلص من سيطرة الرجعية والصهيونية والامبريالية وسن سياسة تحررية تعتمد الأسس التالية:
-تحرير سبتة ومليلية والجزر الجعفرية ودمج هاتين المدينتين في اقتصاديات منطقتيهما و ضمان مصالح سكان هاتين المدينتين وإشراكهم في تحديد مصير المنطقة.
-اعتماد المواثيق الدولية ومقررات الأمم المتحدة ومبدأ التفاوض أساسا لحل كل القضايا الترابية، خاصة قضية الصحراء الغربية، بما يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
-على مستوى المغرب الكبير: المساهمة الدينامكية والجادة في بناء مغرب الشعوب المتحررة من الرجعية ومن سيطرة الامبريالية مما يفتح الباب للمساهمة في بناء وحدة العالم العربي المتحرر من هيمنة الامبريالية والصهيونية ومن الرجعية في العالم العربي.
-على مستوى العالم العربي:
°المساندة والدعم لنضال الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية والامبريالية من أجل استعادة كافة حقوقه على أرضه وإقامة دولته المستقلة عاصمتها القدس.
°المساهمة في تحرير العالم العربي من هيمنة الامبريالية والصهيونية والرجعية،
°المساهمة في توحيد شعوب العالم العربي من خلال:
°المساهمة في توحيد نضالها المشترك ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية.
°المساهمة في ترسيخ تصور ديمقراطي للوحدة يعترف بحقوق الشعوب عربية كانت أو غير عربية،
تطوير وتوثيق العلاقات النضالية مع قوى التحرر الديمقراطية والاشتراكية، وعلى رأسها القوى الماركسية والسعي إلى أن تحتل هذه القوى موقعها في طليعة نضال شعوب العالم العربي من أجل التحرر الوطني والديمقراطية على طريق الاشتراكية.
°المساهمة في بناء أوسع جبهة مناهضة للامبريالية، وخاصة الأمريكية، وللصهيونية في العالم العربي خاصة، والشرق الأوسط عامة.
-على المستوى الدولي:
°المساهمة في بناء جبهة عالمية مناهضة للامبريالية،بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
°تغيير ميثاق الأمم المتحدة ودمقرطة التمثيلية في هيأتها ذات الصلاحيات الواسعة كمجلس الأمن…
°تعزيز تضامن الشعوب الإفريقية وكل شعوب العالم، وتوطيد السلم العالمي وإرساء علاقات الأخوة والصداقة بين الشعوب.