العمل الاجتماعي وفائض القيمة: زيارة لكتاب الرأسمال لكارل ماركس
العمل الاجتماعي وفائض القيمة
زيارة لكتاب الرأسمال لكارل ماركس: الجزء الخامس
●• الحسين العنايت
بخلاف النصوص السابقة (التي سأعمل لاحقا على تنقيحها وترجمتها للغة العربية) سأقدم هذا النص باللغة العربية. الهدف من هذا الجزء هو تدقيق بعض المفاهيم فيما يتعلق بالعمل الاجتماعي وفائض القيمة حتى يتأتى لنا التطرق للجزء السادس الذي سيبقى باللغة الفرنسية.
نذكر أن كارل ماركس ربط فائض القيمة بالكتلة الاجرية المسخرة في انتاج سلعة ما… علاقة الترابط بين طرفي المعادلةهو ما يسميه ماركس بنسبة فائض القيمة او “نسبة الاستغلال”، بمعنى:
فائض القيمة = نسبة الاستغلال(ن.إ)x الكتلة الاجرية(ك.أ).
حدد ماركس نسبة الاستغلال، كالاتي: اذا كان العامليتقاضى اجره للعمل اليومي، 8 ساعات في اليوم مثلا، لإنتاج كمية معينة من السلع وحصل من خلال عملية الانتاج ان حقق اجره في “س” ساعات من العمل اقل من 8 ساعات. نسبة الاستغلال عند ماركس هي كالاتي:
ن.إ = (8-س)/ س.
يلاحظ هنا أن ماركس يحدد نسبة الاستغلال في ارتباط مع “العمل المجرد” داخل الوحدة الانتاجية.
نذكر ان “العمل المجرد” في النظام الرأسمالي هو العمل المأجور الذي يفصل العامل (قوة العمل) عن منتوجه الذيينفرد به صاحب الرأسمال بهدف جني فائض القيمة عن طريق التداول في سوق السلع.
الهدف من هذا الجزء هو محاولة ربط مفهوم نسبة الاستغلال بالعمل الاجتماعي ككل وليس فقط بالعمل المجرد.
العمل الاجتماعي – في مجتمع ما-ينقسم الى العمل المجرد الذي عرفناه أعلاه و”العمل النافع” و”العمل الكامن”. العمل الكامن هو العمل الغير موظف وهو عمل معطل ويشكل ضاغطا على العمل المجرد أساسا، من هنا يتبين منذ الوهلة الأولى ان نسبة الاستغلال مرتبطة كذلك بالعمل الكامن.
لننظر الان في “العمل النافع” كمكمل للعمل المجرد والعمل الكامن، بمعنى أن
كتلة العمل الاجتماعي = كتلة العمل المجرد + كتلة العمل الكامن+ كتلة العمل النافع
وحدة الكتلة هنا نأخذها ك “ساعة-عمل”
فئات واسعة من المجتمع معنية بالعمل النافع.
العمل النافع، منه المؤدى عنه (الحلاقة مثلا) والذي لا ينتج فائض القيمة ومنه الغير مؤدى عنه (المرأة ربة البيت مثلا).
بالنسبة للمرأة صفة “ربة البيت” ملازمة لها، وبهذه الصفة يمكن أن تزاول عملا مجردا مضافا لعملها النافع ك”ربة بيت”. العمل النافع بصنفيه ينتج وسائل العيش لصاحبه،بالإضافة الى “العمل النافع المتراكم”.
من العمل النافع المتراكم، مثلا متدرب عند حلاق او نجار يصبح هو بدوره حلاقا او نجارا يقوم هو بدوره بعمل نافع او عمل مجرد، في هذه الحالة الأخيرة يصبح تراكم العمل النافع عنده ملغى لكون الناتج المتراكم للعمل المجرد الذي يشكله “فائض القيمة” عند تحقيقه نقدا يتحول الى رأسمال-نقدي بيد الرأسمالي الذي اشترى قوة عمله.
كما ان العمل النافع المتراكم يمكن ان يتحول الى عمل مجرد غير مؤدى عنه، بمعنى يستفيد منه الرأسمالي دون ان يؤدي مقابله اجرا، هذا العمل المتراكم الذي يتحول الى عمل مجرد غير مؤدى عنه يظهر تأثيره على نسبة الاستغلال. لنأخذ مثلا امرأة “ربة بيت” لا تقوم بعمل مجرد وزوجها اجير. العمل النافع للمرأة يساعد زوجها الاجير في استعادة قوة عمله في ظروف حسنة، ما يعني أن مردوديته في العمل ستكون ارفع بمعنى ان نسبة استغلاله ستكون اقوى. كذلك، بما ان اجر الزوج سيعيش به اثنان بالإضافة الى الأولاد فهو سيكون مضطرا للعمل اكثر من المعدل اليومي وهذا ما يزيد في فائض القيمة الذي ينتجه. اضف على ذلك، كونه مكلفا بأسرة بأجر زهيد، ما سيضعف مواجهته للضغوط التي سيتعرض لها من أجل رفع الإنتاجية وهذا ما سينعكس إيجابا على قيمة نسبة الاستغلال.
من العمل النافع المتراكم الذي يتحول بدوره الى عمل مجرد غير مؤدى عنه هو كل انتاجات العلوم والفلسفة والسيسيولوجيا، والآداب والفقه…. بالنسبة للعلوم كل ما راكمته الإنسانية وتزيد فيه من عمل نافع متراكم في هذا المجال استثمرته الرأسمالية في انتاج “الرأسمال الأساسي” المشكل من الآلات والبرمجيات وتكنولوجيا الاتصال… ما يفند الرأي الساذج الذي يردد بأن أن الشيوعية ستقتل التنافسية ومنها الابداع… كأن الخوارزمي الذي اخذ رقم “صفر” من الهند وأسس به النظام العشري كان يتنافس مع طواحين الهواء. كل العلوم حولتها الرأسمالية الى عمل مجرد مجاني وهذا ما يرفع من نسبة الاستغلال ومن تم نسبة قيمة الربح عند الشركات المنتجة للآلات والبرمجيات… كما ان الفلسفة وغيرها يمكن ان تستعمل في رفع نسبة الاستغلال اذا وظفت في الدعاية للأيديولوجية الرأسمالية او أن تخفف من وطأتها اذا كانت تخدم الطبقة العاملة… من هنا فنسبة الاستغلال ليست مرتبطة فقط بالوحدة الصناعية بل بالمجتمع ككل.
قيمة الاستغلال تختلف من مجتمع الى اخر باختلاف الشروط التاريخية وموازين القوى بين الأطراف الداعمة للاستغلال من جهة، والتوجهات الرافضة له والمناهضة له من جهة ثانية.
نختم هذا الجزء بإعطاء مثال بسيط يبين العلاقة المتواجدة بين نسبة الاستغلال وثمن سلعة ما.
سبق أن وضعنا في الجزء الاول الفرضية التي ننطلق منها الا وهي: كل شيء موجود لم يحصل عليه تغيير بواسطة العمل الإنساني مجردا كان او نافعا، فهو مجاني. بالمعنى المتداول في السوق الرأسمالية “قيمته صفر”. في الحقيقة هذه الفرضية يتبناها كذلك اعتى الليبراليين، فعندما يكتبون معادلة الاثمان يضعونها على شكل:
ثمن وحدة من سلعة (ث.س)ما = كتلة الاجر(ك.أ) لانتاج تلك السلعة + الربح(ر):
(ث.س) = (ك.أ) + ر (1)
مع فارق، الليبيرالي يعتبر ان الربح هو مقابل ل”خدمة الرأسمال المستثمر” في إنتاج السلعة. هذه الفلسفة الليبرالية تتواجد على النقيض من الفلسفة العبقرية المبنية على ان الربح مصدره العمل والرأسمال ما هو الا تراكم الأرباح الناتجة عن العمل المجرد والنافع.
ملاحظة1: دون الدخول في التفاصيل، في المعادلة أعلاه كل المواد الأولية والمواد المساعدة في انتاج السلعة حولت الى اجر وربح وما هو مجاني يساوي صفر، العدد صفر لا يغير أي طرف من طرفي المعادلة
ملاحظة2 : هنا قمنا بتنحية الرأسمال الأساسي وجزئه المستنزف- الذي لا يتم تداوله في السوق- خلال انتاج السلعة. هذا خطأ نرتكبه مشاطرين العديد من الاقتصاديين، لكن في هذه الحالة لا بأس، هذا لن يؤثر على النتيجة التي نتوخاها.
اذا نحينا الرأسمال الأساسي تبقى كتلة الاجر وحدها. فاذا تذكرنا العلاقة بين الربح وفائض القيمة سنجد ان معدل الربح(م.ر) يساوي نسبة الاستغلال(ن.إ) في هذه الحالة. اذا اخذنا مدة العمل (بوحدة “ساعة-العمل”) المتضمنة(ع.م) في وحدة من السلعة وعرفنا معدل الاجر (م.أ) = الكتلة الاجرية السنوية (ك.أ) للعمل المجرد على المستوى الوطني مقسومة على عدد ساعات العمل (س.ع) المجرد المتوفرة خلال السنة :
م.أ = ك.أ : س.ع (3)
أ : ب ، تعني “أ” مقسومة على “ب”
ونعرف كذلك نسبة الثمن (ن.ث) وحدة من سلعة ما كما يلي: ثمن الوحدة من السلعة (ث.س) مقسومة على العمل المتضمن في السلعة(ع.م)، بمعنى
ن.ث = ث.س : ع.م (4)
اذا قسمناه على معدل الاجر سنعد نسبة الثمن بوحدة معدل الاجر عوض وحدة العملة الوطنية المستعملة، وهذا ما يسمى ب”الاثمان الحقيقية”.
باستعمال المعادلات (1) الى (4) سنحصل على العلاقة بين “الثمن الحقيقي” (.ث.ح) ونسبة الاستغلال على الشكل الاتي:
الثمن الحقيقي للسلعة = (1 + نسبة الاستغلال) xمدة العمل المتضمن في السلعة
ملاحظة3 : هكذا نفهم لماذا تتحول الرساميل الصناعية من الدول الصناعية المتقدمة الى بعض الدول النامية التي تجد فيها قوة العمل الحاملة لنفس المواصفات، هذا مصدره نسبة الاستغلال المرتفعة في تلك الدول. بعدها ترحل عنها اذا وجدت بها أنظمة وطنية يهمها تقدم شعوبها وليس خدمة الرأسمال من موقع تابع.
ملاحظة4 : معدل الأرباح تكون مرتفعة في القطاعات التي تحول العلوم كعمل نافع متراكم الى عمل مجرد غير مؤدى عنه، مثل التكنولوجيات والبرمجيات والصيدلة… كما يكون معدل الأرباح مرتفعا في المواد الفلاحية والصناعية التحويلية التي تعتمد على مدخلات خام مستوردة بأثمنة منخفضة من الدول التي ترتفع فيها نسبة الاستغلال والتي هي في حاجة الى الدولار كعملة سيادية لأداء ديونها المتراكمة… هكذا نفهم لماذا امتنعت او صوتت كل الدول الغربية الرأسمالية المتشدقة بالدفاع عن المدنية والتحضر وحقوق الانسان ضد الإعلان العالمي لحقوق الفلاحين
ملاحظة5 : اذا غاب الاستغلال بمعنى ن.إ =0 فالربح يساوي صفر، السلعة تقتنى بمدة العمل المتضمن فيها، هذا الامر مستحيل في ظل الرأسمال الخاص
ملاحظة4 : الرأسمال الصناعي يبحث عن فاض القيمة بواسطة الاستغلال بمعنى يستعمل العلاقة: رأسمال-نقدي = رأسمال صناعي (كتلة اجرية + مواد أولية+ مواد مساعدة) …. تحويل…. سلعة جديدة (رأسمال-سلعي) = رأسمال نقدي + ربح كتعبير نقدي لفائض القيمة
ملاحظة5 : الرأسمال المالي البورصوي يبحث عن السرقة، بمعنى: رأسمال-مالي = سلعة… بدون تحويل…. = رأسمال مالي + رأسمال مسروق (سبق وأن تم انتزاعه على شكل فائض قيمة)