البادية المغربية أمام تصاعد هيمنة الرأسمال وتنامي الهشاشة والتفقير
عبد الرحيم هندوف
البادية المغربية أمام تصاعد هيمنة الرأسمال وتنامي الهشاشة والتفقير
يمثل سكان البادية حوالي 42% من مجموع سكان المغرب وتشكل الزراعة أهم نشاطها الاقتصادي. فهي تشغل 74% من الساكنة النشيطة بالبادية. ورغم ذلك فالزراعة لا تساهم إلا بنسبة 15% من الناتج الداخلي الخام وتنخفض هذه النسبة إلى 12% في سنوات الجفاف وهي مساحة محدودة مقارنة مع عدد السكان. ففي الدول الرأسمالية المتطورة لا يتعدى عدد سكانها في الأرياف 20% ونسبة العاملين في الزراعة تقدر ب 2% إلى 3% من مجموع السكان النشيطين والزراعة لا تساهم بأكثر من 2% من الناتج الداخلي الخام.
إن ارتفاع نسبة القرويين ونسبة العاملين بالقطاع الفلاحي مرده بالأساس إلى ضعف القطاع الصناعي الذي يمتص الفائض من اليد العاملة القروية كما وقع في الدول الصناعية في نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين.
وضعف مساهمة الإنتاج الفلاحي في الناتج الداخلي الخام رغم كونه يشغل 39% من مجموع الساكنة النشيطة راجع لضعف إنتاجية هذا القطاع. فمردود الحبوب الذي يعتبر أهم منتوج زراعي في المغرب لا يتعدى 14 قنطارا في الهكتار في الوقت الذي يبلغ أزيد من 70 قنطار في الدول المتطورة.
وهذا الوضع هو نتيجة للسياسات المتبعة منذ فترة الاستعمار الذي قسم المغرب إلى نافع وغير نافع. فركز على النافع حيث الأراضي الخصبة، واستولى عليها المعمرون وشركات رأسمالية كبرى بعد سلبها من أصحابها الشرعيين.. ومد المغربَ النافعَ بالطرقات وقنوات الري وبنى سدودا لتوفير المياه ومنحَ المعمرين القروض والدعم المالي وأدخل زراعات جديدة كالحوامض والبواكر موجهة إلى التصدير نحو فرنسا. وهمٌش بالمقابل باقي المناطق التي أدخلها في نطاق المغرب غير النافع.
بعد الاستقلال الشكلي، سيحافظ النظام المخزني على نفس السياسات الاستعمارية. فلبسط سيطرته على الأوضاع، اعتمد على الأعيان في البادية نظرا للدور الذي كانوا يلعبونه في مجتمع قروي ما زالت العلاقات القبلية سائدة فيه. كما حافظ على مصالح الاستعمار وخاصة المعمرين الخواص الذين لم يجردهم من أراضيهم. وحتى بعض الأعيان ملاكي الأراضي الكبار المتعاونين مع الاستعمار، تم العفو عنهم في بداية الستينات، مع استرجاعهم لجميع ممتلكاتهم وأصبحوا، إلى جانب أعيان آخرين جدد، القوة التي اعتمد عليها المخزن في مواجهة البرجوازية الوطنية والصغيرة في المدن التي كانت تطالب بإصلاح زراعي وإعادة توزيع الأراضي على صغار الفلاحين. وإلى حدود نهاية السبعينات كان شعار “الأرض لمن يحرثها” ترفعه كل الأحزاب الوطنية والاتحاد المغربي للشغل. (من بين الشعارات التي كانت ترفع بقوة في تظاهرات فاتح ماي).
إن هذا الصراع ما بين المخزن والبرجوازية الوطنية والصغيرة التي كانت متمركزة في المدن وكبار الضباط العسكريين دفع المخزن إلى استرجاع ما تبقى من أراضي الاستعمار الخاص في بداية السبعينات بعد ما استرجع أراضي الاستعمار الرسمي بعد الحماية. واضطر إلى توزيع جزء (حوالي 30%) من هذه الأراضي على صغار الفلاحين. أما الباقي، فاستفاد منه بعض عناصر البرجوازية والملاكين الكبار في البادية، بالإضافة إلى كبار الضباط العسكريين، بعد محاولة الانقلابين العسكريين. وما تبقى من الأراضي استمرت الدولة في تدبيره عن طريق شركتين عموميتين (صوديا وسوجيطا) إلى أن تم تفويته للرأسمال المحلي والأجنبي خلال سنة 2003.
وكاستمرار لتكريس سياسة الاستعمار، وجه المخزن ابتداء من المخطط الخماسي 68-1972 جل الاستثمارات العمومية نحو بناء السدود وإنشاء وتوسيع الدوائر السقوية. وتبنى فكرة سقي مليون هكتار التي خطط لها الاستعمار منذ الثلاثينيات من القرن الماضي. ولقد كلفت هذه السياسة إلى حدود سنة 2000 حوالي 40 مليار درهم واليوم يمكن وصف المجال القروي بالمغرب على النحو التالي:
– مناطق سقوية تبلغ مساحتها حوالي 1.5 مليون هكتار (أي 16% من المساحة المزروعة) تنتج 45% من القيمة المضافة الفلاحية في سنة عادية وتصل إلى 70% في سنة جافة وتنتج مجمل الصادرات الفلاحية المغربية.
– مناطق بورية تعتمد على التساقطات المطرية غير المنتظمة، تنتج أساسا الحبوب والقطاني بمردودية ضعيفة، تشكل 84% من المساحة المزروعة تساهم ب 55% فقط من القيمة المضافة الفلاحية في سنة عادية و30% فقط في سنة جافة.
– مناطق جبلية ذات كثافة سكانية مرتفعة تعتمد أساسا على الرعي وبعض السقي على مساحات جد محدودة.
هذه المناطق الأخيرة، تعاني التهميش والعزلة والقهر.
– مناطق صحراوية وشبه صحراوية تعتمد على الرعي أساسا وذات كثافة سكانية ضعيفة.
إن سياسة المخزن الفلاحية سياسة طبقية تستفيد منها أقلية من الفلاحين الكبار. الاستفادة من الأراضي والاستثمارات العمومية في مجال السقي ومن الدعم لاقتناء المعدات وعوامل الإنتاج بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية.
هذه السياسات المتبعة أدت إلى فقدان السيادة الغذائية لبلادنا إذ أصبح المغرب مستوردا بنيويا للحبوب. وأصبح الميزان التجاري مختلا لفائدة الواردات التي تتزايد قيمتها أمام تناقص حجم وقيمة الصادرات الفلاحية.
تقدر المساحة القابلة للزراعة بالمغرب حوالي 9 ملايين هكتار، %50 منها في مناطق تقل تساقطاتها عن 400 مم في السنة. والمساحات الغابوية حوالي 9.7 مليون هكتار . بالنسبة للموارد المائية، فهي محدودة. فمجموع الموارد المتجددة التي يمكن تعبئتها، بتكلفة معقولة، لا تتعدى 20 مليار م3 في السنة. (16 سطحية و4 جوفية) 50% منها ممركزة في الشمال وحوض سبو أي في 7% من المساحة الكلية للمغرب. كما أن هذه الموارد خاصة السطحية منها تعرف تفاوتات كبيرة من سنة لأخرى حسب التساقطات (5 مليارات م3 في سنة جافة و50 مليار م3 في سنة جد ممطرة).
ورغم محدودية هذه الموارد، فإنها أصبحت مهددة بسبب الضغط عليها جراء توسع المدن والمحطات السياحية، التي تخدم مصالح الطبقة السائدة دون مراعاة الآثار السلبية على البيئة و على متطلبات العيش الكريم لساكنة المناطق المهمشة.
أدى استنزاف الموارد الطبيعية إلى عدة اختلالات بيئية التي أصبحت تهدد 95% من مناطق المغرب بالتصحر حسب تقرير لوزارة البيئة الذي جاء فيه ما يلي:
– تقليص المساحة المزروعة بسبب توسع المدن مابين 3000 و5000 هكتار سنويا وضياع 4800 هكتار كل سنة من الغابات بسبب توسع المدن والبنيات التحتية والبحث عن مساحات جديدة للزراعة وإتلاف 3000 هكتار سنويا بسبب الحرائق.
– تدهور الغطاء النباتي وانجراف التربة يهدد 10 ملايين هكتار ويؤدي إلى توحل حقينات السدود بمعدل 60 مليون م3 سنويا أي ما يعادل سقي 6000 هكتار سنويا.
– ضياع 4 مليار م3 من المياه بسبب استعمال تقنيات في السقي تقليدية وغير ملائمة، وطرح حوالي 90% من المياه العادمة في البحر أو الوديان دون معالجة، وهذا يشكل هدرا لجزء منها ومصدرا لتلوث المياه السطحية والجوفية والشواطئ.
– اندثار 50% من المناطق الرطبة (بحيرات) خلال الخمسين سنة الماضية.