الحوار الاجتماعي لعبة سياسية مغشوشة القواعد

الحوار الاجتماعي لعبة سياسية مغشوشة القواعد

الحوار الاجتماعي لعبة سياسية مغشوشة القواعد*

تُكثِر الحكومة من اللغط حول الحوار الاجتماعي وهي اليوم تتباهى بأنها عملت على مأسسته حتى تجعل منه مناسبة لترويج خطابها المخادع. وما كان للحكومة أن تهتم بالحوار الاجتماعي لو لم تهيئ الشروط المناسبة لها لاستعماله كواجهة إعلامية لصالحها. ومن أهم هذه الشروط هو الإضعاف المزمن للحركة النقابية والمنع المنهجي لممارسة التضامن الطبقي بين مكونات الطبقة العاملة. أدت هذه الوضعية إلى المزيد من البلقنة النقابية وتشتيت صفوف الطبقة العاملة وحرمانها من قوة النضال النقابي الوحدوي كما أن منع التضامن بين مكونات الطبقة العاملة سهَّعل انفراد الباطرونا بالنضالات العمالية في وحدات الإنتاج وأعطى للبرجوازية الاحتكارية فرصة الإمعان في التماطل في الإستجابة للمطالب، مما سهل عملية عزل تلك المعارك عن الحاضنة العمالية وترك المعارك تتعفن ليطالها الضعف ثم الإحباط واليأس.

هذه هي الشروط التي أسًست عليها الحكومة ما تسميه بالحوار الاجتماعي مع النقابات الحاضرة حول طاولة الحوار. إنها نقابات ضعيفة مشتتة ولا تمثل إلا أقلية بسيطة جدا من الطبقة العاملة وباقي الشغيلة. ولأنها كذلك فإن هذه النقابات تسعى إلى انتزاع الوعود أكثر من سعيها لانتزاع حقوق ملموسة ومكتسبات ناجزة. إن الحوار الاجتماعي المطبق من طرف الحكومة هو سلسلة من الاجتماعات تحولها الحكومة إلى مناسبة مخاطبة القيادات النقابية ومن وراءها الرأي العام لتشرح وتبرر سياسات الحكومة وتشرح طريقة تنزيلها للأوامر التي يمليها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وتُعد مناسبات الحوار الاجتماعي لتوضيح هدف الحكومة من السلم الاجتماعي كحاجة وضرورة قصوى لتوفير شروط تجاوز الأزمة البنيوية التي تتخبط فيها الدولة خادمة مصالح الكتلة الطبقية السائدة ببلادنا.

مأسسة الحوار الاجتماعي من طرف الحكومة يدخل في سياسة إشراك المركزيات النقابية وخاصة قياداتها البيروقراطية في حل الأزمة على ظهر الشغيلة والتنفيس من الإحتقان الإجتماعي وتجاوز خطر الإنفجار الناتج عن الضغط الممارس على القدرة الشرائية للجماهير الشعبية والإرتفاع الأهوج لأسعار المواد الأساسية والخدمات الاجتماعية المهمة في حياة الكادحين والطبقات الاجتماعية المفقرة. كما يهدف إشراك القيادات المتنفذة في النقابات في ما يسمى بالحوار الاجتماعي، لتزكية ودعم الأوهام المترسخة عند هذه القيادات في إمكانية تحقيق خرافة الدولة الإجتماعية راعية مصالح الطبقة العاملة وبقية الكادحين.

مأسسة الحوار الاجتماعي يراد منه أيضا شراء صمت بل المشاركة من طرف المركزيات النقابية في سن القوانين الرجعية والتراجعية في موضوع ما تبقى من المكتسبات والحريات على قلتها مقابل تصريف بعض التنازلات التافهة أو تطبيق بعض الزيادات في الأجور الهزيلة والغير متناسبة مع الغلاء الفاحش الذي يعصف بالقدرة الشرائية للجماهير الشعبية.

فما هو المطلوب من أجل إحباط كل هذه الأهداف المعلنة والغير المعلنة لمسرحية الحوار الإجتماعي المزعوم؟ للجواب علينا أن نتخلص من وهم إمكانية تحقيق الدولة الاجتماعية في ظل هذا النظام الكمبرادوري خادم مصالح أسياده الإمبرياليين ثم علينا أن نحقق موازين قوى فعلية في الساحة الشعبية عبر بناء الوحدة النضالية بين النقابات المناضلة والضغط عبر قواعدها من أجل انتزاع الحق في التضامن داخل نفس المركزية وبين جميع مكونات الطبقة العاملة وداخل كل فئات الشغيلة ببلادنا.

على القوى المناضلة أن تستوعب أن تحقيق المطالب وفرض الحقوق وتحصين المكتسبات لا يمكنه أن يتم وأن ينجح خارج أجواء النضال على هذه القواعد ان تكثف مجهوداتها لتمنع القيادات النقابية والسياسية من الحوار في أجواء اختلال موازين القوى لأن العكس ستستفيد الحكومة من هذه الاختلال لتفرض مشيئتها وكل مخططاتها التراجعية لتضرب في الصميم كل تضحيات جماهير شعبنا على القوى المناضلة أن تقاطع كل حوار اجتماعي يستند إلى لعبة سياسية مغشوشة وضعت كفخ يوسع الهوة بين الطبقة العاملة وأدواتها الذاتية المستقلة من نقابات وأحزاب مناضلة. ولتحصين طبقتنا العاملة ومعهم الفلاحين الفقراء والمعدمين وتقوية العمل النقابي المكافح لابد من المضي في تأسيس وبناء الحزب المستقل للطبقة العاملة القابض على بوصلة توجيه المعارك وخوض الصراع الطبقي من طرف الطبقة العاملة قائدة التغيير الثوري ببلادنا.


* كلمة العدد 511 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك