افتتاحية: غضب عارم يجتاح قطاع التعليم

افتتاحية: غضب عارم يجتاح قطاع التعليم

غضب عارم يجتاح قطاع التعليم

صادق المجلس الحكومي يوم 27 شتنبر 2023 على مشروع المرسوم رقم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية. وشكلت هذه المصادقة صدمة كبرى للعاملات والعاملين بالقطاع، وولدت ردود فعل غاضبة لكل الفئات التعليمية، وانطلقت عدة تحركات نضالية عفوية أومنظمة، وتم الإعلان عن عدد آخر منها للتعبير عن الرفض لمضامينه ولتمريره في المجلس الحكومي دون إتاحة الفرصة للعاملات والعاملين في القطاع لنقاشه، ودون استحضار لآراء النقابات سواء الموقعة على اتفاق 14 يناير 2023، أو غير الموقعة عليه، كما عبرت عن ذلك في بياناتها.

لقد خيب مشروع المرسوم آمال وانتظارات العاملات والعاملين في قطاع التعليم خاصة وأن التداول حوله قد استغرق مدة طويلة؛ فقد شكلت من أجل ذلك اللجنة المشتركة بين الوزارة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية منذ 2014؛ وعرف عملها تكثيفا للاجتماعات في فترات معينة وتوقفا في فترات أخرى حسب الظروف الاجتماعية والسياسية والتعليمية.

وخلال هذه الفترة كانت تتنامى الانتظارات وتتزايد المطالب أمام تعمق الأزمة العامة والارتفاعات المتتالية للأسعار وجمود الأجور، وتعدد اختلالات منظومة التربية والتكوين، وفشل مخططات وبرامج النظام المخزني في التعليم، وتدهور الأحوال المادية والاجتماعية والمهنية للعاملات والعاملين في القطاع. غير أن الساحة التعليمية لم تكن جامدة خلال هذه الفترة بل ظلت تعيش على إيقاع النضالات والتحركات بمبادرة من النقابات أوالتنسيقيات. وقدمت خلال هذه المعارك تضحيات جمة حققت بعض المكتسبات غير أن نتائجها العامة كانت ضعيفة نظرا لتشتتها ولهول القمع المخزني وتنوع مناوراته.

إن هذا المشروع المخزني تأكيد على تعنت الكتلة الطبقية السائدة وتمسكها بالسير في مخططاتها لتفكيك الخدمات الاجتماعية العمومية وتشجيع خوصصتها، وأولى الخطوات في هذا الطريق إدخال الهشاشة للوظيفة العمومية. وهذا ما يفسر إصرار الدولة على إبقاء الأساتذة والأطر الذين فرض عليهم التعاقد تابعين للأكاديميات وتعويض “موظفي وزارة التربية الوطنية” ب “موظفي قطاع التربية الوطنية”. ومما زاد من منسوب الرفض لهذا المشروع عدم استجابته لأغلبية مطالب مختلف الفئات التعليمية ونقله لأساليب تدبير المقاولات إلى داخل المدرسة العمومية.

ومن المعلوم أن البرامج والمخططات التعليمية المخزنية ليست إنتاجات أصيلة له، بل هي إملاءات لمراكز القرار الرأسمالية؛ وهي محاولات لتنزيل مضامين “الاتفاقية العامة لتجارة الخدمات” في قطاع التعليم؛ ورغم ضغوطات المنظمة العالمية للتجارة، الساهرة على تنفيذ هذه الاتفاقية، والمؤسسات المالية للإمبريالية، فقد تمكنت عدة شعوب من إيقاف هذا التنزيل وإسقاط مخططات خوصصة التعليم وإدخال الهشاشة للوظيفة العمومية من خلال التعاقد، وذلك بخوض معارك بطولية فرضت الاستجابة للملفات المطلبية التعليمية ومنها تحسين الأوضاع المادية والمهنية.

ونظرا للدور الإشعاعي في المجتمع لنساء ورجال التعليم، والحضور القوي في مختلف واجهات النضال، فقد اختار النظام المخزني الحط من قيمتهم/هن وتبخيس دورهم/هن أمام المجتمع لتبرير قمعهم/هن وهضم حقوقهم/هن ولتحميلهم/هن مسؤولية فشل “الإصلاحات” المتتالية للتعليم؛ ولتصحيح هذا الوضع لا بد من مواجهة هذا المشروع المخزني وفرض نظام أساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية خاضع للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، ويدمج الأساتذة وأطر الأكاديميات الذين فرض عليهم التعاقد، ويضمن الحقوق ويحافظ على المكتسبات ويستجيب لمطالب كل الفئات التعليمية؛ نظام أساسي ضامن للكرامة وللعيش الكريم ولثقة المجتمع في نساء ورجال التعليم.

لا تترك عنجهية الدولة واستهتارها بمطالب وحقوق ومكتسبات نساء ورجال التعليم من خيار سوى النضال ومواجهة المخططات المخزنية للتعليم؛ ولن يتمكن هذا النضال من تحقيق مبتغاه إلا إذا التفت حوله كل الإطارات المناضلة من نقابات وتنسيقيات، وتمكن من بناء قوة قادرة على قلب موازين القوى والاستجابة لمطالبها المشروعة.

إن النظام المخزني قادر على الالتفاف على هذا الغضب الذي يجتاح قطاع التعليم من خلال القمع والمناورات إذا لم تتم الاستفادة من دروس الماضي وتجاوز عوامل الضعف والتشتت.

ويبقى نجاح هذه النضالات ضروري لتحسين أوضاع العاملات والعاملين بقطاع التربية من جهة وللنهوض بالتعليم العمومي من جهة أخرى.