افتتاحية: توقعات دولية ومحلية بمزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب

افتتاحية: توقعات دولية ومحلية بمزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب

عاش المغاربة السنوات الأخيرة بين النضال والاحتجاج على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانتظار تجاوز هذه الحالة الناتجة عن توالي سياسات مخزنية معادية لمصالح الفئات الشعبية؛ غير أن التراجع المستمر والمهول لمستوى المعيشة في ظل مسلسل الأزمات الذي لا ينتهي، جعلهم يفقدون الثقة في إمكانية تحسين أوضاعهم في ظل نظام الاستبداد والفساد.

ولتأكيد الاحتقان الكبير في المجتمع واستمرار تدهور شروط الحياة، صدرت مؤخرا عدة تقارير دولية ومحلية تلتقي حول هذه الخلاصة تذكر بعض الأمثلة منها:

. تراجع مؤشر ثقة الأسر المغربية من 46.6 نقطة المسجلة خلال الفصل الرابع من سنة 2022 إلى 44.3 نقطة خلال الفصل الرابع من سنة 2023 حسب نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط؛ وتركز مكونات هذا المؤشر على آراء الأسر حول تطور مستوى المعيشة والبطالة وفرص اقتناء السلع المستدامة وكذا تطور وضعيتهم المالية؛

. تصريح المندوب السامي للتخطيط في استجواب مع صحيفة ميديا 24 بأن التضخم هيكلي وسيرتفع في السنوات القادمة، وأنه ناتج عن سياسات الدولة ولا يمكن تبريره بالإكراهات الخارجية؛

. تقديم تقرير يناير 2024 للمنتدى الاقتصادي العالمي للمخاطر التي تواجه المغرب خلال السنة الجارية 2024؛ وقد حصرها في الانكماش الاقتصادي والتضخم وندرة المياه وغياب التوزيع العادل للثروة والبطالة.

إنها عينة فقط تتقاطع مع تقارير وبيانات دولية أو محلية في هذه النقطة أو تلك تؤكد الاتجاه العام لتعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، واتساع الهوة بين الكتلة الطبقية السائدة، وعموم الطبقات والفئات الشعبية.

لقد أدى الارتفاع المتتالي والمهول للأسعار في غياب رفع مواز للأجور إلى تدهور كبير للقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين؛ ولا يفسر الجفاف الذي يعيشه المغرب منذ ست سنوات، وحده، هذه الارتفاعات المسترسلة، بل إنها تجد أسبابها في سياسة التبعية للدوائر الإمبريالية المغيبة للمصلحة الشعبية والمهمشة للفلاحين؛ وأدت هذه الأوضاع إلى تردي ظروف العمال والفلاحين وعموم الكادحين؛ وزاد من معاناة المواطنات والمواطنين تراجع الخدمات الاجتماعية العمومية وتسريع الدولة المسلسل خوصصتها رغم الانعكاسات الكارثية لذلك على الفئات الشعبية. ولمواجهة هذه السياسة المخزنية وانعكاساتها الكارثية على الشعب المغربي اتجهت الجماهير إلى النضال والاحتجاج؛ وعوض أن تعمل الدولة على سن سياسات عمومية شعبية والاستجابة للمطالب الشعبية، نجدها تزيد من دعمها للكتلة الطبقية السائدة وتشجيع القطاع الخاص على حساب القطاع العام وجعل سياسة الربع والفساد سياسة رسمية للدولة؛ ولفرض تمرير مخططاتها وبرامجها التخريبية لا تجد الدولة المخزنية من رد على المطالب الشعبية المشروعة سوى القمع والمحاكمات والترهيب لإضعاف النضالات العمالية والاحتجاجات والحراكات الشعبية. ونظراً لأن الرأسمالية لا تخرج من أزمة إلا بخلق شروط أزمات أعمق، ونظرا لحالة التوحش التي بلغتها الرأسمالية على الصعيد العالمي، تتمسك الكتلة الطبقية السائدة بعنجهيتها وتمضي في تنفيذ سياساتها التي توسع الفوارق الطبقية والمجالية وتلقي بملايين المواطنات والمواطنين إلى غياهب الأمية والفقر والهشاشة والتهميش والمرض. وتتكالب أزمات الرأسمالية وسياسات النظام المخزني لإنتاج مزيد من الانكماش الاقتصادي والتضخم واضطراب الأحوال المناخية وغياب التوزيع العادل للثروة وانتشار البطالة.

وأمام اتساع أزمات الرأسمالية وانتشار الحروب والانتقال من حالة ندرة المياه إلى حالة الإجهاد المائي وفرض سياسة مخزنية تبعية، لا يمكننا إلا أن نتوقع مزيدا من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتدهور القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وتراجع كل مؤشرات الحياة الكريمة.

إن إيقاف هذا الانحدار السريع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا يمكنه أن يتم في ظل استمرار الاستبداد والفساد والتبعية؛ بل إن الأمر يتطلب تغييرا حقيقيا يقضي على الاستغلال الرأسمالي.

النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 539