افتتاحية: شعوب من أجل رهان «المغرب الكبير»
تتستعيد فكرة طرح مشروع بناء المغرب الكبير قوتها من تلك الخصوصية الحضارية للبلدان المغاربية ومكونات الأصل الأمازيغي الافريقي العربي والدين الاسلامي… فتحولت من بديهية علمية إلى معتقد ايديولوجي، وهي تعنى تميزا عربيا عن الغرب ومغربيا عن العرب، فالشعوب المكونة لبلدان المنطقة تحمل خصوصية تطورت مع فترة الاستعمار إلى حد الاندماج في وجدان يجمع تعدد الثقافات الأصلية وانفتاحها على العوالم المجاورة. ويبقى المشروع ذو راهنية قصوى بالنظر إلى التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في ظل التوازانات السياسية والماكرو-اقتصادية الراهنة، وما يحمله من تبعات الأزمات البنيوية والمستمرة للنظام العالمي المهيمن سياسيا واقتصاديا وعسكريا، بحاجياته الجشعة إلى نهب وتجفيف منابع ثروات الشعوب المحكومة بأنظمة رجعية تبعية…
غير أن هذا المشروع لا يزال يراوح المكان بل قد يصبح جزءا من الماضي البئيس لبلدان تسطو عليها أنظمة رجعية استبدادية متخلفة، خاصة مع ما تعرفه العلاقات بين الشعوب من محاولات تسعير النزاعات وافتعال سلوكات قد تصل حد العنصرية خدمة للحكم العسكري المتخلف في دولة جنرالات الجزائر من جهة ودولة المخزن المتخلف من جانب النظام القائم في المغرب، هذا ما يزكي عوامل كبح مشروع المغرب الكبير ويجعله رهين عوامل خفية متواطئة وأخرى واضحة ملموسة حيث من أهمها:
– نزاعات ثنائية الجانب بين الدول المغاربية، خلفتها حدود الاستعمار كما هو الأمر بين الجزائر وليبيا المغرب مع موريتانيا الجزائر والمغرب. ثم القضية الشائكة التي عمرت طويلا على جدول أعمال الأمم المتحدة بعد سنوات من الحرب دون أن يتحقق سلم كامل والمتمثلة في قضية الصحراء الغربية المتنازع حولها.
– الحضر الجوي والعسكري المفروض على ليبيا عقب ما يعرف بقضية لوكيربي التي صدر في حقها قرار مجلس الأمن عدد 774 بتاريخ 31 مارس 1992 ثم القرار رقم 883 بتاريخ 11 نونبر 1993 وما يفرضه بموجب ذلك من توسيع الحضر الجوي والعسكري والمجال الديبلوماسي.
– انغلاق طغمة الحاكمين على المشروع القُطري بدل المشروع الوحدوي وميول الأنظمة نحو محاولة ممارسة الهيمنة والريادة.
– تسعير النعرات الشوفينية والهويات الوطنية القاتلة على حساب البعد الوحدوي والخلاص الجماعي في اطار تكتل الدول ذات المصلحة في ذلك.
– ضعف وغياب التنسيق والتشبيك الذي يمكن أن تحققه القوى الديمقراطية في المنطقة.
وبالرغم من ذلك كله تحتفظ المنطقة بمبرر قيام مشروع بناء المغرب الكبير في اطار تكتل وحدوي واعد يمكن من تبادل الخبرات التقنية والتكنولوجية والعسكرية والامنية كما أن مستجدات الظواهر الصحية والبيئية التي تتحدى حدود الدول، بالإضافة إلى الوعي المتنامي بمخاطر الاطماع الراسمالية التي تسعى إلى نهب الخيرات الطبيعية من غاز وبترول ومعادن وغيرها.
بناء مغرب الشعوب يستلزم الرفع من وثيرة النضال المشترك بين الشعوب ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية بينما الأنظمة الحاكمة كلها ليست لها المصلحة في وحدة مغاربية وبحكم تبعيتها للأنظمة الراسمالية فهي تعمل جاهدة على تمدید مسافات تحقيق الهدف وتقلص كل ما من شأنه أن يبني أواصر العلاقات الوحدوية بين شعوب المنطقة. هكذا، وامام حجم الديون المتراكمة على دول المنطقة لن تجد من توصيات وإملاءات المؤسسات الرأسمالية ما يمكن أن يحفز مشاريعاً ذات البعد المغاربي بينما تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في السياسات المتبعة لهذه البدان بشكل منفصل ومنعزل عن بعضها. إنها زبائن مدمنة على توصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة… انها تحمل عقيدة الولاء للرأسمال المالي مادام يحمي مصالح الكتلة والطغمة الحاكمة على حساب مصالح شعوب المنطقة وفي مقدمتها الطبقة العاملة والطبقات الشعبية على حد سواء.